يبدو أن الدولار الأمريكي في طريقه للتراجع عن الدور الذي احتله كخليفة للجنيه الإسترليني، منذ اتفاقية بريتون وودز في أربعينيات القرن الماضي عقب الحرب العالمية الثانية.
وبالرغم من محاولات سابقة للتخلص من سيطرة الدولار كأساس لتقييم العملات الوطنية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، من جانب بعض دول أمريكا الجنوبية، إلا أن المحاولات الحالية هي الأقرب للنجاح.
تراجع احتياطات الدولار لأعلى مستوى منذ 1995
كشف بيانا لصندوق النقد الدولي عن تراجع بنسبة 0.44 بالمئة خلال العام الماضي 2022، حيث سجلت 58.36 بالمئة من إجمالي الاحتياطات لدى البنوك المركزية حول العالم، وهي النسبة الأكبر منذ 28 سنة.
رفع أسعار الفائدة الأمريكية سبب للابتعاد عن الدولار
شكلت سياسة الفيدرالي الأمريكي بخصوص رفع أسعار الفائدة على مدار العام الماضي بنسبة 3%، واستمرار هذه الزيادة خلال العام الجاري، دافعًا قويًا للعديد من الدول في التوجه نحو التخلي عن التعامل بالدولار، بعد أن تسبب في إجبار العديد من الدول على رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المتزايد جراء السياسات النقدية للولايات المتحدة الأمريكية.
وتأثرت مصر سلبيا بسبب قرارات مجلس الاحتياطي الأمريكي، حيث أن رفع الفائدة أدى لتوجه المستثمرين حول العالم للاستثمار في الدولار وسحب استثماراتهم في أذون وسندات الخزانة لدى الدول الناشئة والنامية ما شكل ضغطا على احتياطات العملات الأجنبية.
تحركات عالمية تقلل من سطوة الدولار
منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعدت العقوبات الغربية على روسيا، أدى لتكون حلف مؤيد وأخر معارض للسياسات الروسية، وبدأت موسكو في اتخاذ خطوات جادة نحو تدعيم العملة المحلية، فقرر البنك المركزي الروسي باعتماد مجموعة جديدة من العملات ضمن سلة العملات، ومنها الجنيه المصري والدرهم الإماراتي والريال السعودي.
ولم يمر الكثير من الوقت وبدأت الصين في اتخاذ إجراءات موازية نحو التخلص من الدولار كوسيلة التبادل الرئيسية في التجارة، فنهاية الأسبوع الماضي أعلنت البرازيل والصين عن التوصل لاتفاق يسمح باستخدام عملتيهما المحليتين في التبادل التجاري، واستبعاد العملة الأمريكية.
وتعد اتفاقية الصين صاحبة المركز الثاني في قائمة أقوى اقتصادات العالم، والبرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية، سهما جديدًا يصيب عرش العملة الأمريكية.
كما تتبنى كلا من الإمارات والهند خطة عمل لإنشاء نظام تبادل تجاري قائم على الروبية فيما يخص جميع السلع باستثناء النفط.
بالإضافة للخطوات السابقة، شكلت الأصوات الأوربية المطالبة بفك التبعة والارتباط بالنظام الأمريكي ضغطًا كبيرًا على الدولار وهيمنته، وتعد هي الفصل الأبرز الذي يهدد عرش العملة الأمريكية الذي اعتلته عقب الحرب العالمية الثانية.
البرازيل تجدد الدعوة لتغيير الدولار
مثلت دعوة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أمس الخميس، بسرعة استبدال الدولار بعملة جديدة، كوسيلة للتبادل بين الدول الأعضاء في مجموعة بريكس بعد اتفاقيته مع الصين، فصلا جديدا للتأكيد على قرب تخلي الدولار عن صدارة العملات، في ظل مناقشات جادة داخل المجموعة الناشئة للتخلي عن العملة الخضراء.
وتضم مجموعة البريكس دول الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، مع خطوات نهائية لانضمام دول أخرى للكيان الصاعد، أبرزها الجزائر والسعودية ومصر، التي وافق مجلس النواب على الانضمام لاتفاقية تأسيس بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة.
الطريق لا يزال طويلا لكنه بدأ
يبدو أن الانطلاق نحو تغيير العملة الأمريكية بدأ، لكن المشوار لا يزال معقد وشائك جداً، وقد يمر العالم بأزمات وكوارث متنوعة على طريق التحول عن الدولار، حيث أن ما نشهده الأن هو تآكل بطيء لقوة الأخضر وتراجع للحلفاء عن دعم الولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن فك الارتباط الحالي يتطلب النظر جيدًا في نقاط القوى الراسخة لدى الدولار والمتمثلة في تسعير النفط بالدولار، واستحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على نحو 49.2 % من صادرات الأسلحة حول العالم، وأخيرًا فتسعير أهم سلعة من سلع التحوط وهو الذهب تتم وفقا لسعر الدولار الأمريكي.