يمثل إقبال تجار المزادات الخاصة بشركات التأمين على شراء السيارات المتهالكة بأسعار تقترب أو تساوي أسعارها قبل الإهلاك ظاهرة محيرة، حيث يتم تقييمها بناء على القيمة السوقية وقيمة الحطام وقطع الغيار اللزمة للإصلاح بمصنعيات الفنيين وهامش ربح للتاجر.
وكان خبير معاينة السيارات والحوادث بالهيئة العامة للرقابة المالية والمحاكم الاقتصادية بوزارة العدل المهندس صلاح الدين عبد العظيم، قد لفت نظره خلال تقييمه لسيارات شركات التأمين المحسوبة إهلاك كلي، "إقبال بعض التجار على شراء السيارات الهالكة بأسعار أعلى من ما يتم احتسابه"، وضرب عبد العظيم مثالًا بأنه يُقييم السيارة المتهالكة وعند إقامة المزاد "أجد السيارة المهلكة تباع بسعرها الأصلي" فلو كانت السيارة تقدر بـ300 ألف جنيه وهي صالحة للاستخدام، تباع في المزاد بنفس السعر -300 ألف جنيه- وهي تحتاج قطع غيار تقترب من 100 ألف جنيه.
حاولنا تقصي الظاهرة وفهم أسبابها من مصادر مختلفة ذات علاقة بمزادات التأمين؛ علنا نجد تفسيرًا لها.
3 أسباب وراء ظاهرة مزادات التأمين
إيهاب حلمي عضو لجنة المزادات ومدير إدارة معاينة السيارات بإحدى شركات التأمين يرى أن السبب وراء ظاهرة شراء السيارات المتهالكة بأسعار مساوية لحالة السيارة العاملة، لا يستطيع أحد الجزم به، إلا التاجر نفسه والذي لن يفصح عن السر بسهولة، لكنه أكد أن الأمر مثير للشك من جانبنا، ويضعنا أمام أكثر من احتمال لهذه الظاهرة، أولًا: أن التاجر يكون متخصص في قطع الغيار الخاصة بالسيارة ويرغب في شرائها من أجل تصليحها بأرخص من المواطن العادي أو بيعها كقطع غيار، وبالرغم من وجاهة الافتراض إلا أنه لا يمثل الدافع في جميع الحالات، ثانيًا: هناك قلة قد تكون متورطة في عمليات غسيل الأموال ويحسم هذا الأمر تحريات إدارة الأموال العامة بوزارة الداخلية، وتابع حلمي أما السبب الثالث فاحتمال أن من يشتري هذه السيارات يقوم بالاستفادة من رقم الشاسيه والورق الخاص بترخيص السيارة لوضعه على سيارة مهربة من الدول المجاورة أو مطلوبة أمنيًا بما يمكنه من ترخيصها والاستفادة منها مرة أخرى، فيستفيدون من رقم الشاسيه مرة ومن باقي قطع الغيار مرة أخرى.
اختلاف الأسعار الحالي سبب وجيه
وعن الظاهرة يقول المهندس خالد عامر استشاري وخبير فحص السيارات إن تغير القيمة السوقية من يوم لأخر يمثل سبب وجيه لإقبال التجار على شراء السيارات الهالكة من مزادات شركات التأمين بقيمة أكبر من المقدرة من جانب خبراء المزادات، إلا أن في حالة شراء التاجر لسيارة هالكة بسعر مساوي لها وهي عاملة، فقديمًا كان رائجًا أن يكون الهدف تجارة غير شرعية من أجل الاستفادة من رقم الشاسيه والأوراق الخاصة بالسيارة، ليضعها على سيارة أخرى سواء مسروقة أو مهربة كي لا يتم اكتشافها في وحدات المرور، وبالرغم من استحداث الاعتماد على قلم كشف الدهان الجديد قلل كثيرًا من هذه الممارسات، إلا أنها ممكنة الحدوث عبر شبكات محكمة من الفاسدين، لذا نناشد وزارة الداخلية الالتفات والتحري حول الظاهرة للتأكد من سببها بشكل جذري بدلا من التكهنات الحالية، وأخيرًا فمن الممكن أن يكون الهدف غسيل للأموال خصوصًأ وأن كثير من تجار مزادات الحوادث لا يعلم أحد مصدر أموالهم بالأساس.
وأضاف عامر أن الهيئة العامة للرقابة المالية عدلت في ديسمبر 2022، شروط الإهلاك لتقنينها بصوة أكبر وشددت على أنه لا يجوز اعتبار السيارة محل التأمين هلاك كلي إلا في حالة تجاوز تكلفة الإصلاح للسيارة بموجب مقايسة الإصلاح المعتمدة نسبة 50% من مبلغ التأمين المنصوص عليه في الوثيقة، وجاء ذلك بعد أن تبين للهيئة قيام بعض شركات التأمين باعتبار السيارة هلاك كلي في الحالات التي تقل تكلفة الإصلاح فيها عن 50% من قيمة مبلغ التأمين وهو ما يخالف الأعراف التأمينية والأسس الفنية المستقرة والمعمول بها بالسوق المصري؛ إلا أن التعديل الأخير لم يسفر عن استقرار الأسعار في مزادات الشركات بل ظل التجار يحرصون على شراء السيارات المتهالكة بأسعار تقترب أو تساوي أسعارها في سوق المستعمل وربما أكثر من قيمتها.
الشراء بأسعار مرتفعة ظاهرة مرصودة
أوضح خبير معاينة السيارات والحوادث بالهيئة العامة للرقابة المالية والمحاكم الاقتصادية بوزارة العدل المهندس صلاح الدين عبد العظيم، أن الظاهرة مرصودة منذ فترة وهي أن تجار المزادات يشترون السيارات المتهالكة بسعر مساوي تقريبا لسعرها الطبيعي ما يعني أن الشاري سوف ينفق بعد إصلاحها أكثر من ثمنها بكثير، وتبدو الظاهرة مرتبطة بارتفاع أسعار السيارات المتزايد وعدم استقرار سعر الصرف، ورهان التاجر على استمرار ارتفاع أسعار السيارات، وبالرغم من أن السبب يبدو منطقيا إلا أنني استبعده باعتبار أن الحل لن يؤدي إلى مكسب التاجر في النهاية.
كما استبعد عبد العظيم أن يكون السبب مجرد العند بين التجار، حيث أنها متكررة ومستديمة وليست طارئة أو وليدة اللحظة، فمن غير المنطقي أن يكون السبب وراء الظاهرة العند بين التجار حيث أنها متكررة ومستديمة وليست طارئة أو وليدة اللحظة، فمن غير المنطقي أن يشتري تاجر واحد في مزاد واحد 10 سيارات بأغلى من ثمنها 100 ألف أو 50 ألف، واقترح أن تطلق هيئة الرقابة المالية منصة تكون مسؤلة عن إدراج أرقام الشسيهات الخاصة بالسيارات المتهالكة كي يتم تتبعها لو ظهرت في مكان أخر من الجمهورية أو لدى شركة تأمين أخرى، كما ناشد أجهزة الدولة بتشديد المراقبة على هذه الظاهرة لمحاولة فهم السبب فيها فربما كانت الظاهرة مرتبطة بغسيل الأموال لذا فمن الضروري الإلتفات لها.
التجار: رؤيتنا تختلف في تقييم سيارات الحوادث
طارق حسن تاجر سيارات حوادث وواحد من ضمن المشاركين في مزادات شركات التأمين للسيارات الهالكة، فسر الظاهرة باختلاف تقييم خبراء المزادات عن تقييم التجار، فالخبير يقيم اعتمادًا على أسعار قطع الغيار لدى الوكيل، لكن التاجر يستطيع أن "يلم العربية" ويضع قطع الغيار الأرخص وربما وصلت التكلفة المقدرة من الخبير 100 ألف بينما التاجر يستطيع تصليحها بـ20 ألف، مشيرًا أن الكلام يبدو غير منطقي لكنه الحقيقة والفرق واضح بين أسعار التوكيل وأسعار الغير، وللعلم بعضنا يذهب للإمارات ويحضر قطع الغيار من هناك وبعد دفع قيمة 5% كجمارك عنها باعتبارها للاستهلاك الشخصي، تكون أرخص من التصليح بالداخل.
وقال محمد عبر البر تاجر مزادات سيارات الحوادث الشهير إن الدافع وراء الشراء بأسعار أغلى من السعر المقدر لها من جانب خبراء تقييم السيارات يعود للمنافسة بين التجار، وأن هناك من يشتري هذه السيارات ويطلب منه بعد ذلك شرئها بأسعار أقل من ما دفعه، أما بالنسبة له فقرار شرائه للسيارة بأعلى من سعر تقييم خبراء المزاد، فهذا يعود لخبرته ورؤيته في أنها تستحق أكثر أو لا، موضحًا أنه لا يقوم بإصلاح السيارات المشتراه بل يبيعها للغير ويقوم هو بتصليحها كما يريد.
وأكد أنه يتمنى أن تقيم الدولة مدينة لسيارات الحوادث على غرار مدينة الحوادث في مدينة الشارقة الإماراتية، والتي تجلب ملايين الدولارات للإمارات بسبب استيراد قطع الغيار والسيارات الناتجة عن الحوادث.
منصة لمكافحة الظاهرة على غرار منصة غسيل الأموال
وبسؤال عماد شحاتة مدير إدارة الشكاوي الخاصة بشركات التأمين بشقيها الممتلكات والحياة، عن ما إذا كان هناك منصة لإدراج أرقام الشاسيهات الخاصة بالسيارات المتهالكة أكد أن هيئة الرقابة المالية لا تمتلك حتى كتابة هذه السطور منصة إلكترونية لتجميع أرقام شاسيهات السيارات المحتسبة إهلاك كلي إلى الأن.
وتوجهنا إلى باسم نجم مدير الإدارة العامة لمكافحة غسل الأموال بواحدة من شركات التأمين قال إن هناك منصة إلكترونية لمكافحة غسيل الأموال تختص بإدراج أسماء الأفراد المتورطين في جرائم غسل الأموال أو ارتكبوا أعمال إرهابية لمنع التصرف والتحفظ على ما يخصهم من مبالغ تعويضية مستحقة من التأمين أو مع جهات مالية أخرى كالبنوك على سبيل المثال، أو رفع أسمائهم من قائمة منع التصرف في حالة ثبوت برائتهم، لكن المنصة لا يدرج عليها أي بيانات تخص السيارات المؤمن عليها أو المهلكة لدى الشركة.