فاجأ الكاتب الصحفي والمفكر محمد جاد هزاع، الوسط الثقافي المصري، بأحدث إصداراته الأدبية «رتوش على وجه الدين والوطن» هذا العنوان الذي ينتمي إلى الأدب القصصي.
فبحسب ما دونه «هزاع» على غلاف كتابه أنه مجموعة قصص قصيرة تعكس تجليات ما بين التسبيح والسجود، وهي مجموعة نصوص أدبية شعرية ونثرية، تدور حول بعض الظواهر الإيجابية أو السلبية في مجتمعاتنا العربية في الوقت الحالي.
وينتمي «هزاع» إلى الكتاب المحرضين على القراءة، فلا يمكنك أن يمر عنوان العمل الأدبي الفريد إلا وأن تستفز شهوتك المعرفية ومع بداية انطلاق رحلة قراءة «رتوش هزاع» ستجد نفسك مندفعًا تلتهم صفحة تلو الأخرى.
ويرى الدكتور السيد إبراهيم أحمد، رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب ـ باريس، أن الكاتب محمد جاد هزاع ينتقل من كتاب لكتاب شكل جديد، ونمط من أفكار تولدت فيه عبر خروجه من سرداب كل عمل على سبيل التطور الفكري، أو من خلال مترادفات لمفردات تأخذ بالألباب أراد أن يرشرش بها عمله الجديد، ليقول للكافة: «أنا أتيتُ»، إنه الكاتب الذي ينطلق وليس «انطلق» ـ لكونه يواصل المسير، ويحاول الوصول ـ من خلال مشروع متكونٌ في قلبه وعقله وأوردته وشرايينه، هائمٌ فيه، نائمٌ به، مستيقظٌ عليه، وليس هناك أخطر من «كاتب» يعيش من أجل فكرة واحدة.
ويقول الدكتور السيد إبراهيم أحمد، أن كاتب «رتوش على وجه الدين والوطن» انطلق من مقولة جمعها فوعاها فأرساها في مقدمات كتبه عن وعي وليس عن ادعاء: «الجسد ـ النفس ـ القلب ـ العقل ـ الروح»، وهي مكونات الإنسان كما رآها الحسني الإدريسي في «نحو القلب»، زادها الكاتب واحدة وهي «القلب»، تجدها منثورة في عناوين بعض مؤلفاته ظاهرة، مثل: وجودك ذنب «قصة عقل»، وجودك حب «قصة روح»، نصوص من الوادي المقدس «قصة قلب»، وتأتي مضمرات مكنونات في البعض الآخر من عناوين مؤلفاته، غير أنها ظاهرات بينات عبر مشروع الكاتب الفكري الواحد، لكونه صاحب رسالة تتقسمها المكونات الإنسانية، لكنها عنده هدف واحد وإن استخدم معها أدواء متعددة، ومثلما نجد مفردات: الدين والوطن، والحب والحرب وما يتصل بها من العشق والدراويش، والتقييد والإطلاق، والحضور والغياب، والشاهد والشهيد، والنصوص المقدسة.
وأضاف، أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا جميلٌ إن قرأناه «فردًا»، وما أجمله لو قرأناه "مجموعا" كفرع فريد يتدلى من شجرة «هزاع» المعرفية الفكرية المتوحدة المنطلق والرؤية والغاية، أي مع ما كتب وأبدع الكاتب من أعمال سابقة عليه، يأتي فريدًا في نقلته المختلفة من حيث تقسيماته التي تبدو في الوهلة الأولى للقارئ أنها مُنبتة الصلة عن بعضها أو تدور تائهات في السديم الإبداعي، متابعًا: «لكن بنظرة متفحصة سيجد الروابط الظاهرة والخفية ليست بعيدة عن الإطار العام الكلي لفكر الكاتب، أو عن الإطار الخاص الجزئي بالكتاب ذاته».
وأشار رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب، إلى «هزاع» استطاع أن يجمع فى كتابه كل خبراته المهنية والمعرفية والمحلية والدولية والواقعية والخيالية في بوتقة واحدة؛ فستجد فيها «هزاع» الكاتب الصحفي، والمحلل السياسي للشئون الدولية، والمفكر المصري المتدين، ويكفي للدلالة أن الكاتب قد فارق مكانه العلي وليس برجه العاجي؛ فأديبنا ليس منعزلا عن واقعه بل هو فقط يتخذ عند كل عمل مكانًا جديدا للولوج في الواقع من رؤية وزاوية مختلفة، وفي مؤلفاته السابقة ـ أغلبها ـ يصوب سهامه الطويلة نحو أهداف بعيدة يخاطب فيها النخبة المثقفة لمشاركتها في تأسيس طرحه الفكري التاريخي، بينما في سرده القصصي من خلال هذا العمل يفارق مكانه ليسير في شوارع وأفكار وحوار الناس، فيختلط بهم وينقل عنهم وإليهم، ويغزو مناطق لم يتطرق لها في أدبه سلفا، ويذكر أسماء لم تخترق عالمه من قبل أبدًا..
وليس أدل على ذلك من معاينة لبعض عناوين قصصه: (البانجو والأستروكس، حمو بيكا وأورتيجا، الأستيكة والدليت، العجول والعقول، السلخانة والمسمط ووجه أمي، الجزارون والسلخانة).
وللدلالة على جماع خبرته وصبها في سردياته وتأكيد رؤيته المهنية والفكرية في العملين التاليين: "زنقة ايكولوجية وابستمولوجية وبيولوجية"، والثاني: "البانجو والأستروكس"، وهو من خلال العملين يحشد رتلا من الأسماء لبعض العلوم بمصطلحاتها في لغتها المتداولة بين الأكاديميين والأدباء والعلماء والنقاد دلالة على معرفته بهم، وسوقا في قصتيه لما يريد أن يقوله في ختامهما، واتصالهما بالواقع الأدبي التأسيسي في حياتنا الفكرية والثقافية والإبداعية طيلة نصف قرن أو أولئك الذين تزدحم بهم بعض الندوات الأدبية التي تجمع العديد من أهل كل فن قولي وإبداع، ليفرز سخطا غص به قلبه زمنا حتى استطاع أن يتخلص منه في النهاية على سبيل السخرية والسخط والتبرؤ، ليذكرنا بالأديب البريطاني "سومرست موم" في رائعته: "القمر وستة بنسات" واصفا ندوة أدبية بشكل ساخر انعكس تأثيرها عليَّ حتى قاطعتُ الندوات زمنا، وسأقاطعها من وصف كاتبنا تارة أخرى.
ويرى دكتور السيد إبراهيم أحمد، أن محمد جاد هزاع، يأخذ القارئ إلى عالم الواقع، زمنا يسيرا يقابله شيخه عند الباب وكأنه ينتظره مواسيا لعلمه بحاله، فيرده لعالمه من جديد .. عالم الكلمة: (قل كلمتك، وامض إلى حال سبيلك)، ويمضي الكاتب ليردنا ثانية إلى عالمه الإبداعي الذي يستقبل فيه التجليات التي يعايشها عن حرقة القلب، وتلذذ بالوجد، وألم الفقد، والانفراد بالتفرد، والاعتزاز بالتميز، والرضا بالمفارقة عن المجموع والقرب من النور، بين "الكلمة" المقروءة والمكتوبة.. فهذا هو عالمه: (اقرأ أو اكتب، فالقراءة سرداب سري يخرجك من أي زنزانة أوقعتك ظروفك فيها، بحق أو بغير حق، والكتابة نوع من الخلق تكسبك قدرة على إعادة ترتيب العالم، داخليًا أو خارجيًا، فالأولي منفذ للنور، والثانية مصدر للضوء).. من قصة: "قرص الأسبرين والنون والقلم ومايسطرون".
ويستطرد فى قراءته لكتاب «رتوش على وجه الدين والوطن» قائلًا: «التجليات لا تفارق الكاتب في سردياته التي لا يفارق فيها الشيخ مريده إلا لِماما، لنكتشف أن الشيخ سيقابله حتما، وسينتظره لزاما؛ فالشيخ "داخله" يسمعه، ويخاطبه، ويسأله: ما العمل؟ ما الحل؟ والشيخ يجيب، والمريد يطيع وينفذ، لينقلنا إلى سردية أطول، وهو يعلم ما معنى السرد حين قال: (سردية بلا تعريف .. ونصوص بلا تصنيف) في العنوان الفرعي لكتابه: "دينُ الحب في زمن الحرب"، وهو ما يمتد معنى عبر هذه السرديات القصصية بتصنيفه المعهود، لينقلناعبر كل تجلية منها لعالمه المخصوص، برحابة صدر وسخاوة نفس، لنعيش معه هذا الفيض الجلالي والجمالي الذي عاينه في صحبة الكبار من أعلام التصوف».
وفى «الوقت الضائع" نعيش مع الكاتب محاولة الانعتاق الثوري الجذري ليرده الشيخ في سرد طويل إلى حالة التغيير الليبرالي الهادئ، كما نعيش حالة من التوفيق المؤقت في التصالح بين الطين والنفخة الإلهية في "بقدر ما في العالم من ماء"، لينقلنا إلى قصته ودرة تاج أقاصيص المجموعة "حال ما بين الاعتزال والمواجهة"، ولن أفصح أكثر عن تجلياتٍ ما بين السجود والتسبيح، وما فيها من زمن قصير، وإخلاص كثير، ودعاء بالدمع ثخين، بما فتح الله به على عبده فألهمه ما يقول، تاركًا له طرق باب الرجاء، ولربه الإجابة والقبول.
ويختتم الدكتور السيد إبراهيم أحمد، رؤيته الفاحصة إلى أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا تتردد فيه أنفاس وإبداع ونبض كاتبنا الكبير محمد جاد هزاع الساري في كتبه السابقة والمنعكس فيه صدى لصوت، وهو الكاتب الواحد الذي يأتينا عبر نصوص متفاوتة ومتعددة السرد المتفرد للحالة الخاصة بصاحبها حين يحاول إزالة الرتوش التي لا تليق بوجهيِّ الدين والوطن ليضع هو رتوشه الأخيرة لكي يسفر الوجه الصحيح للدين والوطن، وهذا ديدنه، في كتاباته، وتجلياته، ولو تركتُ القلم لصار مُريدًا في هذا الملكوت الروحاني المصوغ بعبارات الوجد والحب بلا تكلف أو تصنع أنْ سردًا أو شعرًا تنتظمه فكرة واحدة عاش ويعيش لها وفيها الكاتب بمنتهى الإخلاص، والتجرد، والحب الخالص.