العقيدة لغة مصدر من اعتقد يعتقد اعتقادا وعقيدة واصطلاحا هى ما يعتقد عليه القلب ويجزم به ويتخذه منهجا بغض النظر عن صوابه أو خطأة.
خلق الانسان لهدف سام وهو إعمار الأرض والإعمار يعنى البناء وهذا البناء يجب أن تأتى ثمارة بالخير فالإنسان خلق بفطرة الخير والصلاح ولكن نجد أن الإنسان اتجه ليرسم لنفسه منهجا خارج هذا السبيل من خلال أنماط سلوكه التى نتج عنها عدة صفات تحمل كل معانى الشر والفتن.
فالحرية هى قدرة الإنسان على فعل كل شىء لا يضر بالآخرين والحق في أن يقول ما يشاء وقدرته على الإختيار فما لا يضر بمصالح باقى المخلوقات.
فالحرية هى منحة فطرية من الخالق ليحفظ بها كرامة الإنسان فهى منهج حياة شامل لا يتجزأ فالإنسان حر في اختيار مسكنه وملبسه ومأكلة وعمله وعلمه حر في اعتناقه واعتقاده وأفكاره.
خلق الإنسان في نظرته للكون ولخالقه حر في اختيار عقيدته دون إكراه من احد.
قد خلق الله لنا عدة مناهج للحياة وأيضا خلقنا بفطرة الحرية والإختيار فكل إنسان حر في اختيار شريعته ومنهجه وكفل له الحرية في ممارسة شعائره العقائدية فالإنسان التى تسلب منه حريته فهو مسلوب الإنسانية لأن الخالق لم يخلقنا ويجبرنا على اعتقاد واحد بل منحنا هبة الإختيار والإرادة بالعقل والفكر والقلب وأيضا حرية الإختيار سواء الصواب منه أو الخاطىء.
فالحرية أو بمعنى أدق حرية الإعتقاد تعنى حق الإنسان في أن يفكر تفكيرا ذاتيا في اعتناق ما يشاء من أفكار أو معتقدات سواء كانت معتقدات ربانية أو حياتية سواء في الدين أو السياسة أو مجالات الحياة الإنسانية والإجتماعية وله الحق أيضا في الإعلان عنها لمجرد المعرفة وليس للإجبار بكافة الطرق السلمية دون التطرق إلى وسائل العنف والقتل لأن الطبيعة الحياتية جعلتنا مختلفين بداية من إبداع الخالق في صورنا وأشكالنا المختلفة إلى اختلافاتنا في أفكارنا ومعتقداتنا فمن ضمن واجبنا أن نجعل الإختلاف الفكرى هو نقطة للتلاقى وليس نقطة للإنفصال والهدم ونشر العنف مثلما اتجه بعض المتطرفين في كافة الشرائع والأديان عندما خرجوا عن منهج الإله الخالق الذى خلق الانسان في الأساس ليقدس كافة سبل الخير والسلام وأن يتقبل الإختلاف دون اللجوء إلى الخلاف الذى ينتج عنه التدمير وليس الإعمار الذى هو الهدف الأسمي من خلق الإنسان في الأرض.
فلنلقى نظرة على كافة العصور نجد صور وأشكال من البشر مستميتين على التعصب في الدين والتمييز بين إنسان وآخر على أسس دينية ومنهجية مما نتج عن ذلك شيوع العنف تحت لواء الدين وكل هذا لأغراض بعض منها سياسية والبعض الآخر أغراض شخصية وجعلوا الدين هو الأداة الوحيدة لتحقيق أغراضهم ومصالحهم بأى وسيلة كانت فنتج عنها الدمار والكراهية فشهدنا انتهاكات واسعة النطاق بداية من استهداف المرأة والشباب والأطفال.
فبالنسبة للمرأة وهى تشكل نصف المجتمع فكان الاتجاه إلى ترسيخ فكرة امتلاكها لخدمتهم والتقليل من دورها واقناعها أنها خلقت بلا هدف والهدف الوحيد هو الطاعة التى تعنى بالنسبة لمعتقداتهم العبودية وتم حصرها في إطار ضيق كالجنس والانجاب والخدمة .وليس الإبداع والفكر وتكوين الشخصية.
أما الشباب لكى يسيطروا على عقولهم ويصنعوا جيلا بلا هدف مغيب العقل مشوه الذهن لا ينتمى إلى فكر ولكن أداة تستخدم وقت الحاجة إلى إحداث أى أعمال خارجة عن الدين والقانون.
أما الأطفال لكى يشكلون عقولهم كيفما يشاءون منذ الصغر ليحققوا لهم أغراضهم عند الكبر فتظل رسالتهم الهدامة مستمرة فنجحوا عن طريق ذلك في هدم أسر كثيرة عندما يعترض الأبناء على توجيه والديهم بحسن الإختيار وهو طريق الخير والبناء والإعمار والتفكير بالعقل وليس باليد.
أرى أن التطور الإنسانى مسألة هامة وملحة على النفس الإنسانية ورحلة إنسانية ذاتية عميقة في البحث عن المعرفة والتعرف والتعلم والتحليل شملت حرية العقيدة الدينية فلهذا من الضرورى قبل أن يحدد الإنسان منهجه وعقيدته لابد أن يدرك تماما أننا مختلفون وأن الإختلاف بين البشرية رحمة بهم ومثلما اختار طريقه الذى يؤمن به بكامل إرادته وحريته يترك الآخر أن يعتقد ما يشاء من أفكار دون إجبار طرف منهم الآخر في الإعتناق دون اللجوء للخلاف والعنف فيتقبلوا اختلافهم ويحترموا أفكارهم وأديانهم.
فالإنسان كما له الحق في إختيار معتقداته أيضا له الحق في تغييرها فلكل إنسان الحرية والحق في تغيير دينه أو معتقداته دون قيود أو شروط مع احترام إنسانيته والإحتفاظ والحفاظ على حقوقه الكاملة للعيش بكرامة إنسانية في المجتمع مع عدم إهانة من الشخص للاخرين من الأديان والمعتقدات الأخرى ولا إهانة رموزها.
فرحلة البحث عن الحقيقة رحلة ذات متاعب شاقة وطويلة ومرتبطة ارتباط وثيق بالذات الإنساني ورغبته في رؤية الكون والعالم من خلال عقلية بصيرة وليس بعقول وأفكار وعيون الآخرين وذلك وفقا لفطرته التى خلق عليها والتى تطورت من وقت لآخر ويرجع ذلك التطور للمتغيرات الوجدانية للإنسان وأيضا المتغيرات المجتمعية فندرك تماما أن الدول تحرص على عدم فتح الدعوة ومشاركة الآخرين بما يؤمنون به عندما يخالف العرف والتقاليد العامة لهذا المجتمع ويرجع هذا لحماية النظام العام للمجتمع والدولة والحفاظ على تقاليد معينة وأقليات مستهدفة فحق الإنسان في حرية الإعتقاد وتغيير معتقداته امر يتطلب تبادل معلومات وأفكار لا يتأصل فيها التمييز ويتطلب العصر انفتاح ثقافى وفكرى قوى لكى لا يساهم في هدم أسس مجتمعية ترتكز عليها بعض الأعمدة الأخرى للمجتمع مع المطالبة أيضا بتطبيق حماية هؤلاء المواطنين من المتطرفين الذين ينشرون القتل والكراهية بإسم الدين رغم أن الدين برىء من هؤلاء الذين يشيعون في الأرض القتل والفساد والإجبار على اعتناق أفكارهم بطرق غير إنسانية والدليل على أن الدين أوجب حرية الإعتقاد وحمايتهم أيضا في قوله تعالى (ولكم دينكم ولى دين) وهذه الآيه تعد فيصل أساسى في حل هذا الإختلاف.
لذلك يتطلب على الدول دعم سبل المساواة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة وأيضا المختلفون في العقيدة والشرائع والحفاظ على كرامتهم الإنسانية وترسيخ مبادىء احترام وتقبل الآخر وتقبل الإختلاف في المناهج التربوية والتعليمية وتدريبهم على مهارات القراءة والكتابة والفهم الجيد والفرص في التعلم والمعرفة وأيضا ثقافة الحوار لكى يصبحوا مسلحين بحرية السؤال والفهم والحوار والنقاش لكى يصبحوا قوة بالعلم والعقل أمام قوى الظلام والجهل والتطرف الفكري.
أؤكد على دور رموز وقادة الأديان في خلق ونشر ثقافة الإحترام والإختلاف وتوضيح أن نظرة الإنسان للإنسان لا تتمثل في شكله ولا دينه ولا عرقه وإنما تتمثل في أسمى المعانى الإنسانية مثل الخير والسلام والتسامح والحب والإحترام وغيرها من الصفات الإنسانية الحميدة التى تسعى في نشر السلام والتعاون والحب الإنسانى وذلك لأن القانون وحده لا يستطيع أن يحافظ على تحقيق ثقافة التعايش والسلام والإختلاف لا الخلاف التى هى أساس المجتمعات الانسانية.