كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن في الـ 9 من سبتمبر الجاري، عن "خطة عمل" جديدة من ستة محاور تستهدف مكافحة الزيادة السريعة في حالات الإصابة بفيروس "كوفيد -19" التي تسبب بها تفشي متحور دلتا، من خلال إلزام جميع العاملين الفيدراليين بأخذ اللقاح أو إجراء فحص أسبوعي للموظفين غير الملحقين، ويأتي إعلان الإدارة في الوقت الذي يجتاح فيه "متحور دلتا" الولايات المتحدة ويضرب بقوة بشكل خاص في الولايات ذات معدلات التطعيم المنخفضة أو الرافضة لارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، حيث أشارت العديد من الإحصاءات إلى تسجيل الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 153533 إصابة جديدة يومية، الجدير بالذكر ان حتى الان تم تطعيم أكثر من 200 مليون فرد في الولايات المتحدة إما كليًا أو جزئيًا بينما لم يتلق أكثر من 80 مليون شخص جرعة واحدة من لقاح "كوفيد-19"، وفقا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية.
وفي سياق ذلك، أوضحت سلمى العليمي، رئيس برنامج الدراسات الأمريكية وباحثة ماجستير في العلوم السياسية، أن هذا التحليل يسعى إلى تسليط الضوء على أبرز المحاور الرئيسية للخطة التي أعلن عنها بايدن، وكيف أثارت تلك الخطوة جدل عارم بين الأوساط الأمريكية، وما هي حدود نجاح تلك التدابير؟.
ست خطوات لمحاربة "كوفيد-19":
من المتوقع أن تغطي الإجراءات الجديدة، التي وضعها الرئيس الأمريكي جو بايدن حوالي ثلثي جميع الموظفين الأمريكيين، وهي جزء من محاولة أوسع للتصدي لمقاومة اللقاحات في الولايات المتحدة، ويمكن التطرق لأبرز التدابير التي أُعلن عنها في النقاط التالية:
(1) جعل التلقيح إلزامياً: زيادة التطعيمات بين غير الملقحين بمتطلبات التطعيم الجديدة من أجل حماية العمال الملقحين من زملاء العمل غير الملقحين، والعمل على تقليل انتشار "كوفيد-19" من خلال زيادة حصة القوى العاملة التي يتم تلقيحها في الشركات في جميع أنحاء أمريكا، وفي إطار ذلك من المقرر أن تعمل وزارة العمل على وضع قاعدة طوارئ لإلزام جميع أصحاب العمل الذين لديهم 100 موظف أو أكثر والذين يوظفون معًا أكثر من 80 مليون عامل، ضمان تلقيحهم بشكل كامل أو إظهار اختبار سلبي مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، بينما بالنسبة للقطاعات الأخرى مثل أماكن الترفيه من الساحات الرياضية إلى أماكن الحفلات الموسيقية إلى دور السينما ، يجب مطالبة الناس بالتطعيم أو إظهار اختبار سلبي كشرط للدخول.
(2) حماية الملقحين: خلال الشهر الماضي، أعلن كبار الأطباء الحكوميين الأمريكيين عن خطة أولية لجرعات معززة للأمريكيين الذين تم تطعيمهم، حيث يعتقدون أن ذلك سيوفر أعلى مستوى من الحماية حتى الآن، ومن أجل تحقيق ذلك قامت الولايات المتحدة بتوفير ما يكفي من الجرعات المعززة وتصميم نظام لإدارة توزيعها، وبمجرد موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية سيتم توفير الجرعات مجانًا عبر 80000 موقع في جميع أنحاء البلاد لمعظم الأمريكيين.
(3) حماية الأطفال وإبقاء المدارس مفتوحة: تبدأ حماية الأطفال من خلال تطعيم شريحة الأطفال البالغة من العمر 12 عامًا أو أكبر، أما عن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا والذين لا يمكنهم التطعيم، تعتبر أفضل طريقة لحمايتهم هي بتطعيم كل مقدم رعاية من حولهم بداية من أفراد الأسرة حتى المعلمين في المدارس، فيما يتعلق بحماية المدارس إذا تم تنفيذ تدابير السلامة مثل الاختبارات وارتداء الأقنعة وإجراءات التباعد الاجتماعي والتطعيمات، سيكون الأطفال في مأمن في المدارس، وحتى الآن يتم تطعيم حوالي 90% من موظفي المدرسة والمعلمين، كذلك سيتم تطعيم ما يقرب من 300 ألف معلم في البرنامج الفيدرالي المدفوع برنامج "هيد ستارت" Head Start، إلى جانب ذلك سيتم التصدي للمسئولين والولايات التي تقوض إجراءات وتدابير السلامة داخل المدارس، وقد بدأت وزارة التعليم بالفعل في اتخاذ إجراءات قانونية ضد الولايات التي تقوض الحماية التي أمر بها مسؤولو المدارس المحلية.
(4) زيادة الفحوصات وفرض ارتداء الأقنعة: منذ البداية، فشلت أمريكا في إجراء اختبارات كافية لكوفيد-19، لكن اليوم سيتم اتخاذ خطوات لجعل الاختبار متاحًا أكثر وبأسعار معقولة وأكثر ملائمة، أولاً سيتم استخدام قانون الإنتاج الدفاعي لزيادة إنتاج الاختبارات السريعة، بما في ذلك الاختبارات التي يمكن استخدامها في المنزل، ثانياً ستتعاون إدارة بايدن مع كبار بائعي التجزئة ، مثل Walmart وAmazon وKroger، من أجل بيع الاختبار السريع في المنزل، و في موعد لا يتجاوز الأسبوع المقبل، سيبدأ كل من هذه المنافذ في بيع الاختبار السريع في المنزل بسعر التكلفة للأشهر الثلاثة المقبلة، ثالثاً سيتم توسيع نطاق الاختبار المجاني في 10000 صيدلية في جميع أنحاء البلاد، وتوفير مبلغ ملياري دولار أمريكي لشراء ما يقرب من 300 مليون اختبار سريع للتوزيع على مراكز الصحة المجتمعية وبنوك الطعام والمدارس، إلى جانب الاختبارات، لابد من الالتزام بارتداء الأقنعة ولذلك ستضاعف إدارة سلامة النقل الغرامات على المسافرين الذين يرفضون ارتداء الأقنعة.
(5) حماية التعافي الاقتصادي: بسبب برنامج التطعيم وخطة الإنقاذ الأمريكية، تم تحقيق عدد قياسي من فرص العمل ونمو اقتصادي لا مثيل له منذ 40 عامًا، ولذلك سيتم اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز الانتعاش الاقتصادي، من خلال توسيع برامج القروض الخاصة بجائحة كوفيد-19، و سيسمح هذا البرنامج للشركات الصغيرة باقتراض ما يصل إلى 2 مليون دولار من 500000 دولار حاليًا للاستمرار في حالة تأثير كوفيد-19على مبيعاتهم، ولا تتطلب هذه القروض منخفضة الفائدة وطويلة الأجل سدادًا لمدة عامين ويمكن استخدامها لتوظيف العمال والاحتفاظ بهم أو شراء المخزون أو حتى سداد الديون الأعلى تكلفة المتراكمة منذ بدء الوباء، إلى جانب ذلك سيتم اتخاذ خطوات إضافية لمساعدة الشركات الصغيرة على البقاء واقفة على قدميها أثناء الوباء.
(6) تحسين رعاية مصابي كوفيد-19: في أوائل شهر يوليو، تم نشر فرق الاستجابة السريعة، تتكون هذه الفرق من خبراء من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية ومركز السيطرة على الأمراض ووزارة الدفاع والوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ إلى المناطق التي تحتاج إلى مساعدة لوقف انتشار كوفيد-19، حيث نشرت الحكومة الفيدرالية ما يقرب من 1000 موظف بما في ذلك الأطباء والممرضات والمسعفون في 18 ولاية، و اليوم ستضاعف وزارة الدفاع عدد فرق الصحة العسكرية التي ستنشرها لمساعدة زملائهم الأمريكيين في المستشفيات في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى ذلك سيتم زيادة توافر الأدوية الجديدة فقد ثبت أن علاجات الأجسام المضادة أحادية النسيلة تقلل من خطر دخول المستشفى بنسبة تصل إلى 70 % للأشخاص غير المطعمين المعرضين لخطر الإصابة بمرض شديد، وقد تم توزيع 1.4 مليون دورة من هذه العلاجات ، وخلال الفترة القادمة سيتم زيادة متوسط وتيرة الشحن عبر البلاد من علاجات الأجسام المضادة أحادية النسيلة المجانية بنسبة 50 %.
أصداء الخطة داخل أمريكا:
ساهم إعلان بايدن عن خطة إلزامية التطعيم ضد كورونا لجميع العاملين الفيدراليين والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمعلمين، في احتجاجات من قبل المشرعين الجمهوريين الذين اتهموه بتجاوز سلطته وتظاهر بعض الناخبين في مدينة نيويورك، كما تزامنت تلك الخطة مع تراجع معدلات الثقة بين الناخبين في أداء بايدن، على النحو التالي:
(1) استياء شديد بين الجمهوريين: تعهد فريق من النواب الجمهوريين بمقاضاة إدارة بايدن وملاحقتها قانونياً وذلك بعد إعلان بايدن إلزامية التطعيم ضد كوفيد-19، على سبيل المثال أشارت النائبة كاثي ماكموريس رودجرز، العضو الجمهوري البارز في لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب التي تشرف على السياسة الصحية، إلى أن الرئيس بايدن يواصل تقويض الثقة في اللقاحات الآمنة والفعالة عن طريق توظيف آليات الخوف والسيطرة والتفويضات، كما غردت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين ، المؤيدة الصريحة للرئيس السابق دونالد ترامب والتي تم تغريمها نتيجة رفضها ارتداء قناع في مجلس النواب ، يوم الخميس بأنها قدمت مشروع قانون من شأنه وقف التمييز في مكان العمل من تفويضات اللقاح، ومن ناحية أخرى اتهم النائب الجمهوري دان بيشوب، عضو اللجنة القضائية في مجلس النواب ، إدارة بايدن بتجاوز سلطتها ، ومن جهته أعرب حاكم ولاية فرجينيا الغربية جيم جاستيس عن غضبه يوم الجمعة بشأن خطة الرئيس جو بايدن التي أعلن عنها مؤخرًا لمحاربة كوفيد-19، مؤكداً عدم تأييده فرض اللقاحات على ملايين العمال الأمريكيين.
(2) اندلاع مظاهرات في مدينة نيويورك: هتف المئات من الأشخاص، بمن فيهم المدرسون الحاليون والمتقاعدون وأولياء الأمور وموظفو المدرسة الآخرون ضد الرئيس جو بايدن، في ساحة فولي بمدينة نيويورك يوم 13 من سبتمبر، احتجاجاً على تدابير اللقاحات الإلزامية، وذلك في إطار احتجاج نظمته منظمة Teachers for Choice.
(3) تراجع الثقة بين الناخبين الأمريكيين في إدارة بايدن: لم يعد الأمريكيون واثقين من أن الرئيس جو بايدن قد نجح في وضع خطة واضحة للتصدي للوباء، وذلك وفقًا لاستطلاع جديد لمؤسسة جالوب نُشر يوم الثلاثاء في الـ 7 من سبتمبر الجاري، فقد أظهر الاستطلاع الذي تم إجراؤه في الفترة من 16 إلى 22 أغسطس على 3552 بالغًا، أن 42٪ من الأمريكيين لا يعتقدون أن بايدن قد وضع خطة عمل واضحة لمكافحة جائحة كوفيد -19، ارتفاعًا عن نسبة 35٪ في شهر يوليو.
ويتوافق هذا التغيير مع الانخفاض في التصنيف الإجمالي للموافقة على أداء بايدن كرئيس خلال الأشهر الأخيرة والذي حدث مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد نتيجة متحور دلتا في الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لاستطلاع للرأي أجراه موقع RealClearPolitics مطلع الأسبوع الجاري، والذي أظهر تراجع الدعم لأداء بايدن كرئيس لأول مرة منذ توليه المنصب.
خلاصة القول، من المرجح أن تواجه خطة إلزامية التطعيم ضد كورونا، تحديات قانونية ومجتمعية، لاسيما بعد أن تم الاستخفاف بها على الفور من قبل المعارضة الجمهورية ورغبتهم في مقاضاة إدارة بايدن، كما أن لا يزال الكثيرون في الولايات المتحدة متشككين إزاء الحصول على اللقاحات.
وبالتالي، يرى مساعدو الرئيس أن مكافحة الوباء تعتبر أهم قضية في فترة رئاسته، وهي القضية التي ستحدد مصيره السياسي، لان عدم القدرة على منع حالات كوفيد من التفشي السريع ستهدد مستقبل أجندة بايدن التشريعية لأنها قد تجبر الرئيس على تكريس المزيد من الوقت والاهتمام ورأس المال السياسي للوباء بدلاً من توجيه الطاقات نحو رعاية حزمة بنية تحتية ضخمة ومشروع قانون للإنفاق الاجتماعي بقيمة 3.5 تريليون دولار ، كذلك إذا تم تمرير فواتير الإنفاق الهائلة وفشل الوباء في التراجع في العام المقبل ، سيكون من الصعب على البيت الأبيض العودة إلى الكونجرس والمطالبة بحزمة أخرى من أموال الإنقاذ.
بينما في غضون ذلك لا يزال الديمقراطيون في بعض الولايات يعتقدون أن كوفيد-19 يمكن أن يكون قضية رابحة في انتخابات التجديد النصفي المقررة العام المقبل، من خلال الترويج لمنافسيهم الجمهوريين على أنهم خطرون بسبب معارضتهم للتطعيمات وارتداء الأقنعة، حيث تكمن حسابات الديمقراطيين في أنه حتى لو تم احتواء الفيروس بحلول العام المقبل وتلاشت المخاوف، فإن القضية ستبقى في أذهان الناخبين ويمكن أن تكون أداة فعالة لجذب الجمهوريين في المناطق التنافسية بالرئيس السابق دونالد ترامب الذي أثبت تعامله مع الوباء أنه كارثي بالنسبة له في انتخابات العام الماضي، خاصة وأن انتخابات التجديد النصفي ترتبط تقليديًا ارتباطًا وثيقًا بتصنيف قبول أداء الرئيس، والذي سيقضي الجمهوريون شهورًا في العمل على تقليصه مستغلين الانخفاض في التصنيف الإجمالي للموافقة على أداء بايدن كرئيس.