كشف المحلل السياسي اللبناني، الأستاذ محمد الرز، خلال حوار له مع جريدة بلدنا اليوم، أسباب تدهور أوضاع المعيشة للشعب اللبناني، وسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة وطنية، قادرة على إدارة شؤون البلاد، بالشكل الذي يوفر للمواطن اللبناني، المعيشة الكريمة التي تناسبه.
وأكد الرز خلال حواره، أن مبدأ المحاصصة في تولية المناصب، والذي يعتمد على تولية المناصب في الدولة، على أساس طائفي ديني، وليس الكفاءة، من أهم أسباب ما آلت إليه الأوضاع الحالية في لبنان، مؤكدًا رفض الشعب اللبناني لهذا النظام، إلا أن المصالح السياسية للمسؤولين، طغت على المصلحة العامة للبلاد.
ويذكر أن قام الشعب اللبناني، بالخروج في مظاهرات، مطالبين الحكومة بإلغاء مبدأ المحاصصة في تولية المناصب بالدولة، الأمر الذي قُبِل بالرفض من قِبَل المسؤولين.
وفيما يلي، نستعرض أبرز ما جاء في حوار بلدنا اليوم، مع المحلل السياسي اللبناني، الأستاذ محمد الرز:
هل نظام المحاصصة، من أهم أسباب تدني الأوضاع التي يشهدها لبنان الآن؟
ويجيب الرز قائلا: بات معروفا أن السبب الرئيسي في التدهور الذي أصاب لبنان، هو انقلاب الطبقة السياسية على اتفاق الطائف عام 1989 والدستور الوطني المنبثق عنه، حيث شهد لبنان عام 1975 حربا أهلية استمرت 15 عاما كان من أهم مسبباتها الخلل الكبير في المعادلة السياسية الداخلية في لبنان، هذا الخلل الذي جاء به دستور 1926 تحت اشراف المندوب السامي الفرنسي والذي منح رئيس الجمهورية صلاحيات امبراطورية كما أعطى الطائفة المسيحية المارونية امتيازات سلطوية طغت بواسطتها على باقي الطوائف في لبنان.
وتابع: جاء اتفاق الطائف للوفاق الوطني على قاعدة مؤتمري القاهرة والرياض ليحقق السلم الأهلي ويقضي بحل الميليشيات وتوحيد الجيش وإلغاء الطائفية من الإدارات الرسمية وانتخاب مجلس نيابي من خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس شيوخ يطمئن الطوائف إلى مشاركتها في المعادلة اللبنانية، صحيح ان اتفاق الطائف نص على طائفية الرئاسات الثلاث في لبنان، اي رئاسة الجمهورية للموارنة ومجلس النواب للشيعة ومجلس الوزراء للسنة إلا أنه نزع الصلاحيات التنفيذية الإجرائية من رئيس الجمهورية ونقلها إلى مجلس الوزراء مجتمعا بوصفه مؤسسة تتمثل فيه كل الطوائف محققا بذلك قدرا كبيرا من التوازن.
وأضاف: وحده العماد ميشال عون، ودون باقي الزعامات السياسية والدينية المسيحية، رفض اتفاق الطائف وخاض مواجهة عسكرية انتهت بفراره إلى فرنسا.
وأكمل الرز موضحًا: بعد صدور اتفاق الطائف تم نقل زعماء الميليشيات من الساحات إلى الوزارات فتكونت طبقة سياسية أمسكت بمقاليد الدولة وانضم إليها فيما بعد عام 2005 العماد ميشال عون وانقلبت هذه الطبقة على الدستور لحساب دستور خاص بها بنوده تسويات ومحاصصات وتبادل منافع وسيطرة على الإدارات وتقاسم المالية العامة في البلاد مما أوصل لبنان إلى دين عام فاق ال100 مليار دولار من بينها 45 مليارا ديون على مؤسسة الكهرباء التي تولى وزارتها وزراء يتبعون للرئيس عون منذ 11 سنة وحتى الآن إضافة إلى انهيار مقومات الحياة في لبنان وسقوط مريع للعملة الوطنية وسطو على مدخرات الناس في المصارف وتهريب اكثر من 450 مليار دولار إلى البنوك الأوروبية.
وبخصوص عدم القدرة على تشكيل حكومة لبنانية لإدارة شئون البلاد، أكد محمد الرز، أن السبب يرجع لرفض ميشال عون اتفاق الطائف من الأساس، بالإضافة إلى تدخله في كل ما يخص الحكومة وتشكيلها، نظرًا لكونه يريد حكومة تحت سيطرته، حيث قال الرز: سبب عدم القدرة على تشكيل الحكومة يعود إلى تعنت رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يريد حكومة تحت سيطرته من خلال تدخله في تشكيلها وفي حقائبها الوزارية وفي عدد وزرائها، لأنه ضد اتفاق الطائف ويريد استرجاع الصلاحيات القديمة لرئيس الجمهورية، فيما هناك شبه إجماع لبناني على عدم دستورية هذا التدخل، لأن المادة 53 من الدستور تنص على أن رئيس الحكومة المكلف يشكل الحكومة ويتفق مع رئيس الجمهورية على صدور مرسومها، ولم يعط الدستور لرئيس الجمهورية حق تسمية الوزراء او تحديد حصة له من بينهم ، ولذلك تم تكليف ثلاثة رؤساء للحكومة لم يستطيعوا تشكيلها.
وبالحديث مع المحلل السياسي اللبناني، الأستاذ محمد الرز، عن نزول الجيش اللبناني إلى الشارع، وكشفه محاولات مسؤولين كبار، لإحتكار البنزين والسلع، قال: اللبنانيون يعيشون أزمات حياتية غير مسبوقة منذ 150 عاما، ومن اخطرها أزمات الدواء والوقود التي تهدد بفقدان الكهرباء وبالتالي تعطيل المستشفيات والمدارس والمخابز، في ظل خسارة الليرة اللبنانية ل 90 بالمئة من قيمتها.
وتابع: وبما أن مصرف لبنان الذي ينتمي حاكمه رياض سلامة إلى الطبقة الحاكمة منذ 30 عاما، قرر رفع الدعم عن الوقود والدواء ، فإن كبار المحتكرين وهم شركاء لأطراف الطبقة الحاكمة قاموا بتخزين كميات ضخمة من هذه المواد ليعيدوا بيعها بعد رفع الدعم بثلاثة أضعاف سعرها، وعندما داهم الجيش مستودعات التخزين هذه، وجد ان أصحابها يتوزعون بالولاء على التيار العوني وحزب المستقبل والقوات اللبنانية والثنائي الشيعي، فيما يتعرض المواطن للذل في طوابير الانتظار للحصول على الدواء أو الوقود. مؤكدًا إن الطبقة الحاكمة في لبنان كلها حولت الوطن إلى سوق سوداء.
وبالحديث عن كثرة تواجد القوى السياسية الخارجية على الأراضي اللبنانية، سواء ظاهريًا أو في الخفاء، قال الرز: من المعروف أنه حينما تسقط السيادة الوطنية، الداخلية او الخارجية، لأي دولة، فإنها تصبح محط أطماع إقليمية ودولية خاصة إذا كان فيها قوى وأحزاب توالي المحاور الخارجية، ونحن نرى على الساحة اللبنانية وكلاء لأميركا وفرنسا وإيران وتركيا، وكلهم يتنافسون على خدمة مصالح هذه المحاور الأجنبية ولو على حساب مصلحة الوطن والمواطن.
وتابع الرز متسائلا: ألم يوجه الرئيس عبد الفتاح السيسي نداء إلى المسؤولين اللبنانيين بوضع مصلحة الوطن أولا وقبل مصالحهم ؟ ألم تقدم مصر إلى الحكومة اللبنانية عروضا متكررة لتوليد الكهرباء وإصلاح البنى التحتية لكن الطبقة الحاكمة في لبنان سوفت، وماطلت واضاعت الفرصة.
وبسؤاله عن الحلول الممكنة للأزمة التي يشهدها لبنان حاليًا، أجاب: حل الأزمة اللبنانية، بما فيه تشكيل الحكومات، يتمثل في أمر واحد فقط، وهو العودة لتطبيق الدستور وخاصة الالتزام بفصل السلطات واحترام حدود صلاحياتها وتعزيز الجيش ووضع نظام انتخابي وفق الدستور وانتخاب مجلس نيابي من خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ يمثل الطوائف وإصلاح القضاء وتحويله إلى سلطة مستقلة.
وأضاف مؤكدًا: أما إذا إستمرت سياسة التيار العوني في احداث فراغ حكومي وبالتالي تعذر حصول الانتخابات النيابية بعد سبعة أشهر فإن هذا الأمر سيدفع بالقوى السياسية اللبنانية إلى تشكيل جبهة واسعة تدعو لإسقاط الرئيس ميشال عون من منصبه . وهو ما بدأت التيارات السياسية تجهر به .. فإما حكومة تشرف على الانتخابات المقبلة او مطالبة الرئيس بالاستقالة.
وإختتم محمد الرز حديثه، مؤكدًا ضرورة مساندة الدول التي شاركت في عقد اتفاق الطائف عام 1989، حيث قال: ان تحصين لبنان يتحقق بالحل العربي لأزمته تماما كما حصل في اتفاق الطائف، والمطلوب اليوم ان تتدخل الدول العربية المعنية بهذا الاتفاق لتصويب كل المسارات اللبنانية والضغط باتجاه تطبيق الدستور نصا وروحا ، مضيفًا: إن تمدد أدوار بعض الدول الإقليمية سواء من قبل إيران او تركيا في الساحة اللبنانية سببه غياب الدور العربي الأخوي في لبنان.
ويشهد لبنان، تخبطًا سياسيا واجتماعيًا واقتصاديًا، إثر عدم قدرة المسؤولين على تشكيل حكومة لبنانية قادرة على إدارة شئون البلاد.