هل تنجح "قمة جوار العراق" في مواجهة التحديات؟.. مركز رع للدراسات يوضح

الجمعة 27 اغسطس 2021 | 06:49 مساءً
كتب : مدحت بدران

تحاول العراق أن تكون لاعباً أو وسيطاً إقليمياً كخطوة لحل مشكلاتها الداخلية، حيث ترغب في إحداث توازن على أراضيها بدخول قوى عربية توازن النفوذ الإيراني والأمريكي والتركي، حتى تكون في وضع أقوى حين تتفاوض مع إيران وتركيا وأمريكا، وفي سبيل ذلك، دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمى إلى استضافة قمة جديدة تحت عنوان "قمة دول الجوار الإقليمي"، ووجه دعوات رسمية لكل من رؤساء الكويت والسعودية وتركيا وإيران والأردن ومصر وقطر للمشاركة في القمة.

يذكر أن"قمة دول الجوار الإقليمي"،  سُتعقد في نهاية هذا الشهر، ويشارك فيها كل من الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبية،على رأسها فرنسا، بالإضافة إلى المؤسسات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وممثلي منظمة المؤتمر الإسلامي.

وفي هذا الصدد نشر مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، تحليل للباحثة بوحدة دراسات الأمن الإقليمي أية الخطيب، لتقدير مدى إمكانية نجاح هذه القمة في تحقيق أهدافها، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والخلافات الكثيرة بين الدول التي من المحتمل مشاركتها في القمة.

أهداف القمة:

 بعد قمة ثلاثية احتضنتها بغداد مع مصر والأردن تحت عنوان الشام الجديد، تأتى قمة الجوار الإقليمي علي نطاق أوسع، لمناقشة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها العراق ودول المنطقة ولتعزيز فرص الأمن والاستقرار والاستثمار في العراق التي تعاني من تدهور سياسي وأمنى واقتصادي نتيجة نظام المحاصصة السياسية والإرهاب، وتأثير العلاقات المتوترة بين دول المنطقة عليها، مما أدى إلي تفشي الفساد والفقر وتدنى مستويات المعيشة، ومن ثم فهذه القمة تعتبر بمثابة المحاولة لإخراج العراق من بؤرة الصراع ولعودة دوره الإقليمي.

ملفات محتملة:

سيكون أمام القمة ملفات عدة عالقة بخصوص الأزمة العراقية، وجميعها مرتبطة بالدول الإقليمية، نظراً لكون العراق بمثابة أرض للحرب بالوكالة بين دول إقليمية ودولية، ويتضح ذلك فى القضايا الآتية:-

(1) أزمة المياه: تؤثر هذه الأزمة علي الأوضاع الداخلية في العراق سواء الصحية أو الزراعية والاجتماعية، وأيضا في علاقاتها الخارجية مع دول الجوار التي تشترك معها بموارد المائية، وهما تركيا وإيران وسوريا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المباحثات حول هذه المشكلة مستمرة بين أطرفها منذ عشرات السنوات، منها القمة ملف المياه بسبب نقص المياه في العراق، حيث أقامت تركيا سدود للبحث عن أمنها المائي. وبالتالي، فإن احتمالات وضع هذه المشكلة على رأس  أجندة القمة، قد يمكن العراق من التوصل إلي استراتيجية موحدة لضمان الأمن المائي.

(2) أزمة الكهرباء: حيث تعاني العراق من أزمة في الكهرباء بسبب الهجمات المتواصلة على محطات الطاقة الكهربائية، وتزامن ذلك مع تعليق إيران صادرات الكهرباء إلى العراق، ومن ثم ستكون هذه الأزمة من أولويات القمة نظراً لأضرارها الكبيرة بالعراق. كما أنه من المحتمل أن تناقش القمة الاستثمارات والشراكات الاقتصادية مع الدول الحاضرة في مجالات أخري كالبتروكيماويات، وبناء المدارس، ومشاريع التعليم والزراعة، والثقافة والبنية التحتية. وهنا تجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذه القمة تأتى في وقت مفاوضات العراق مع صندوق النقد الدولى لإقراضها ما يقدر بـ 4 مليارات دولار للمساعدة في حل أزمتها الاقتصادية، فربما تساهم تفاهمات القمة تسهيل إعطاءها هذا القرض.

(3) ملف الأمن ومكافحة الإرهاب: من المحتمل أيضاً أن تركز القمة على ملف الأمن، وذلك لإعادة هيكلة قوات الأمن العراقية وكبح الميليشيات المارقة كوسيلة للتهدئة الدائمة، ومنع العراق من أن تكون دائما ساحة للاشتباك بين الولايات المتحدة و إيران. ويعتبر هذا الملف من أبرز الملفات الشغالة للرأي العام الإقليمي والدولي في المنطقة، خاصة بعد إطاحة الإرهاب لثلث مساحة العراق الجغرافية، وأحداثه لانقسامات طائفية. كما أن استمرار فلول وبقايا التنظيمات الإرهابية العابرة لحدود الدولة بالعراق سواء كانت خلايا نائمة أو ناشطة في أكثر من منطقة- يمثل خطورة آنية ومستقبلية في مناطق التماس الطائفية في حزام العاصمة بغداد، أو في الخط القومي بين إقليم كردستان والمناطق المركزية من البلاد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ميليشيات إيران وبقايا تنظيم داعش ما زال فى العراق، وأيضا القوات التركية لازلت أيضاً متواجدة، وهو يشكل ارتباط بين عمليات المد والجذر التي يشهدها الإرهاب فى تلك المنطقة سواء فى سوريا واليمن، وغيرهم.

(4) الملف السوري: يتوقع بعض المقربين أن تكون القضية السورية واحداً من اهتمامات القمة، خاصة وأن المناخ السياسي والاقتصادي في سوريا ينعكس علي العراق، وبالتالي قد يكون من الضروري إيجاد حل توافقي للقضية السورية، وهو ما قد يحتاج إلي جملة توافقات إيرانية أمريكية روسية تركية.

(5) مباحثات جانبية: إضافة إلى ما سبق، قد تتضمن القمة مباحثات جانبية بين أطراف إقليمية، فإنه استكمالاً للمحادثات التى تمت بين الرياض وطهران فى الأشهر الماضية، والتى توقفت نظراً لانتقال السلطة فى إيران، قد يتم استحداث هذه المباحثات على هامش القمة بين الطرفين، كما ستتم أنه من المحتمل أن تجرى محادثات أخرى بين طهران والولايات المتحدة.

تحديات كاشفة:

ثمة تحديات قد تواجه القمة وفعالياتها، ومدى قدرتها على تحقيق أو حتى إعداد أوراق نقاشية نهائية حول الأهداف المذكورة سابقاً، وذلك على النحو التالي:

(1) الخلاف الإيراني السعودي: تعتبر الخلافات بين السعودية وإيران من المحددات الرئيسية لنجاح القمة، حيث مازالت هناك قضايا كثيرة عالقة بينهما، منها ما هو خلافي ومنها ما هو قيد التشكيل المتأزم، من أهمها الحرب في اليمن، والأزمة اللبنانية وتزايد نفوذ حزب الله فيها، والتوتر في مياه الخليج، حيث كل منهما يرغبا فى تغيير سياسة الأخرى تجاه تلك القضايا.

(2) الخلاف الأمريكي الإيراني: أدى الخلاف الأمريكي الإيراني وتوابعه  بسبب السلوك الإيراني في العديد من الملفات، وأهمها العراق التي أصبحت مقرا لتصفية الحسابات بين الطرفين عبر العديد من الاستهدافات العسكرية المتبادلة بينهما داخل العراق- إلى زيادة الضغوط على الوضع السياسي والأمني العراقي، وهو ما قد ينعكس بالسلب على مخرجات القمة.

(3) انعكاسات عدم توجيه دعوة للدولة السورية: ربما حرض الدولة المضيف علي نجاح القمة، والرغبة في عدم اعتراف دول مدعوة للقمة بالنظام السورى مثل دولة فرنسا، قد هو يكون السبب في توجيه دعوة رسمية للحكومة السورية. ولكن رغم توجيه الحشد الشعبي دعوة لسوريا، فإن رد الخارجية العراقية كان أكثر تعبير عن الموقف العراقي من الحضور السوري، حيث نفت ” الخارجية السورية” حضور سوريا، مما يثير الشكوك حول قدرة الحكومة العراقية على إنجاح القمة في غياب إجماع داخلي على من يحضرها، فقد يُصعد الحشد الشعبى في الأيام القادمة من ضغوطه من منطلق عدم موافقته على حضور قوى إقليمية يصنفها عدوة له فى مقابل غياب حليفته سوريا.

(4) تدهور الأوضاع الأمنية بالعراق: قد يُصعب من حضور قادة بعض الدول إلى العراق، خاصة فى ظل التعجيل بالقمة، فقد تم الدعوة لها قبل أسبوعين من إتمامها، كما أن الجمع بين قادة الدول فى هذه الفترة قد يكون صعباً، حيث يتطلب ترتيبات مسبقة، مما يؤثر على مستوى تمثيل الدول في المؤتمر.

(5) قرب انعقاد الانتخابات النيابية فى العراق: ربما ما قد تفرزه الانتخابات القادمة من نتائج، والتي من أهمها احتمالات تغيير رئيس الوزراء، واستبداله بجديد- قد يؤدى إلى تأجيل تطبيق أو تفعيل نتائج القمة.

فرص داعمة:

رغم التحديات السابق ذكرها لنجاح القمة، فإنه على الناحية الأخرى لا ننكر أن هناك عوامل كثيرة قد تدعم فرص نجاحها، وأهمها:

(1) توازن الدبلوماسية العراقية: حيث تحاول العراق أن تلعب دور الوسيط فى منطقة الشرق الأوسط فى سبيل حل أزماتها الداخلية الناتجة عن الخلافات الإقليمية، واستطاعت أن تكون وسيطاً بين طهران والرياض، واستطاعت أن تنشئ تحالف الشام الجديد مع مصر والأردن.

(2) الدعم الفرنسي للقمة: أكد الرئيس الفرنسي ماكرون تطلعه لزيارة العراق وحضور مؤتمر قمة دول الجوار، وتلك الزيارة هي الثانية لفرنسا للعراق فى أقل من عام، حيث ترغب فرنسا فى لعب دور بارز في العراق فى إطار سياستها تجاه المشرق العربى، وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، ومن ثم فهي تدعم القمة لتفعيل دورها حتى تتمكن من ملء الفراغ التي تركته الولايات المتحدة الأمريكية.

(3) ترحيب الدول الإقليمية: حيث رحبت عدة دول إقليمية منها ذات أوزان بالقمة، مثل مصر السعودية والإمارات والكويت وقطر، هذا بالإضافة إلى إيران، حيث اعتبرت تلك الدولة قمة بغداد بمثابة خطوة هامة لتهدئة الأوضاع فى المنطقة، يذكر أن هذه القمة تأتى فى التوقيت الذي ترغب به قطر وتركيا تهدئة الأوضاع، وخاصة في ظل محاولة الأخيرة تحسين علاقاتها مع دول الخليج، وهو ما يزيد وفقاً للمراقبين من احتمالية نجاح القمة.

وبناءاً على التحديات والفرص المذكورة مسبقاً يمكن طرح سيناريوهين عن مسار القمة وانعكاساتها، وهما كالتالي:

(1) السيناريو الأول، "تعثر واقع ومخرجات": فمن المحتمل أن تتعثر القمة مع صعوبة الوصول إلى تفاهمات أمنية وسياسية خاصة في ظل الخلافات الراسخة بين دول المنطقة بالتحديد إيران والسعودية، فالفترة الزمنية السابقة على إتمام القمة غير كافية لتوفير المصالحات المطلوبة، وهذا بالطبع يُسهم فى استمرار تدهور الوضع الداخلي العراقي.

(2) السيناريو الثاني، "مخرجات محدودة ومسكنات مؤقتة": فمن المحتمل أن تتمكن القمة من التوصل إلى تفاهمات بشأن أزمة المياه والكهرباء والاقتصاد، مع التوصل إلى تهدئة بين الأطراف المتصارعة خاصة فى ظل رغبة إيران بعدم التصعيد نظراً لزيادة الضغوط الداخلية والخارجية عليها، ويتزامن ذلك مع رغبة السعودية والدول الإقليمية فى استقرار العراق خاصة فى ظل الاتفاقيات الاقتصادية الأخيرة بين مصر والأردن والعراق، والتى قد تنضم لها دول عربية أخرى، لكن ذلك سيسهم فقط فى تهدئة التوترات لفترة معينة، فالأزمة العراقية شديدة التعقيد ولن تُحل بانعقاد قمة واحدة، بل تحتاج إلى إصلاحات جذرية داخلية ومصالحات خارجية تُمكنها من خروج القوات الأجنبية والميليشيات التابعة لإيران من أراضيها.

وختاماً، يُمكن القول إن هذه القمة تعتبر خطوة هامة لحلحلة بعض القضايا العالقة فى المنطقة، وذلك بالتركيز على الأزمة العراقية. ولكن نظراً لترسخ التوترات بين دول المنطقة، فمن الصعب تصفية هذه الخلافات من خلال قمة واحدة ومفاجئة تم الإعلان عنها قبل انعقادها بأسبوعين فقط.

اقرأ أيضا