تصدرت الحلقة الـ 28 من مسلسل "الطاووس" تريند مؤشر البحث جوجل، خاصة بعدما توفيت أمينة الشخصية التي تجسد شخصيتها الفنانة "سهر الصايغ" بطلة مسلسل "الطاووس"، وقام كمال الإسطول الشخصية التي يقدمها النجم العربي جمال سليمان، بإقامة عزاء لها، بعد قيام زين المتهم الأول بقضية اغتصابها بقتلها في حادث سيارة وذلك انتقاما منها على إقامة دعوى قضائية وفضحهم أمام الرأي العام.
وأثارت الحلقة الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، خاصة أن أمينة كانت تركز للبراءة وإحلام البسطاء، وبموتها ضاعت كل أحلام البراءة و تشتت أحاسيس الطمأنينه والامان وانهمرت دموع اليأس على روحٍ هامت في السماء بدون ذنب ارتكبته حيث كانت هذه الفتاة المسكينة تحلم بحياة بسيطة كلها حب وحنان وعطف وأمن واستقرار... مطالب بسيطة لاى فتاة فى عمرها لم تفق الحد الادنى للخيال!!!.
وكانت الدموع أقوى من الكلمات وكان الصمت أقوى من الحديث لقد ماتت امنية مرتين وليس مرة واحدة المرة الأولى عندما وقعت ضحية اغتصاب من مجموعة من الذئاب البشرية معدومي الضمير الذين تجردوا من كل معاني الإنسانية والأخلاقية وكل معانى الرحمة الذين داعبتهم شهوتهم نحوها وهى تحاول كسب قوتها بالحلال فالاغتصاب الوحشى قتلها وهى حية وهذا أخطر أنواع القتل وترك داخلها الآلام النفسية التى لا يداويها إلا الرحمة إلالهية ماتت عندما فقدت شرفها عنوة فى مجتمع يضحك على من فقد عِرضه خوفًا من كلام الناس دلالة على تدنى الثقافة واختلال الفكر والمعايير الصحيحة ماتت وهى تجر من الحسرة الممزوجة بالألم ما لم يقدر على حمله بشر ماتت عندما مات والدها امامها مقهورا و حزينا عليها ماتت في كل لحظة وكل ثانية خوفا من نظرات الناس لها ولسيرتها الملطخة بفضيحة لم يكن لها ذنب فيها.
وفى المرة الثانية ، ماتت وهى تحاول التأقلم مع الحياة والناس والعمل والأمل والتواجد والتمرد على ضعفها ماتت بسبب دفاعها عن حقها وشرفها وهى تحاول أن تسترده ممن اغتصبوها فى جريمة تهتز لها المشاعر ، وتنخلع لها القلوب ، ولا تقبلها فطرة إنسان، ويبقى هنا دور المخرج رؤوف عبد العزيزفي إيصال الفكرة الى المتفرج، فعلاوة على إقتناعه بفكرة المسلسل الجريئة، وهذا بالطبع يمثل شجاعة إجتماعية تحسب له كمخرج، فقد أظهر إيمانه وتبنيه لهذه الفكرة بوسائله الفنية التي حققت إستفزازية المتفرج وتعاطفه مع شخصية امينة، ولا يمكن نكران ذلك الجهد الفني المبذول من المخرج في التعبير بالصورة وطرق تنظيم وبناء المشاهد والإحتفاظ بالنبض المتدفق والإيقاع السريع واللاهث للمسلسل ولقد نجح رؤوف في الموازنة بدقة بين الإيقاع الفنى الدرامى للمسلسل، وبين إيقاعه كفكرة تحمل فى طياتها اهدافا فكرية و إجتماعية وانسانية.
وامتدت عملية استدعاءات استلهام الفكرة على مستوى الواقعية الاجتماعية و الميلودراما النفسية في المسلسل ، بدون أي تجميل أو رتوش، في أقوى تجسيد درامى لخلق عوالم موازية عن جريمة الاغتصاب وبشاعتها، ونقلنا لنعيش حياة واقعية اخرى نسمع عنها ولكن لم نراها، وإن الإيمان بأن هناك طبيعة بشرية وأن البشر ليسوا مجرد نتاج بيئاتهم، هو فرضية ضرورية أخلاقيا ونظريا لمن يؤمن بإمكان وجود نظام اجتماعي آخر ، ومن خلال الأحداث تبرز لنا قدرة المخرج رؤوف عبد العزيز، فى تقديم جزء هام من الواقع المعاش والاقتراب منه كثيرا من خلال معالجة درامية بصرية لهذا الواقع بشكل إنساني صادق، حيث لا يقدم لنا النقد الاجتماعي علي شكل مواعظ ونصائح مباشرة ، وإنما يطرحه من خلال الحدث الناتج عن اغتصاب امنية في إثارة وإنارة منه للراى العام بشكل متناسق وشيق من الصدق الفني والانسانى، مما يعطى مدلول عن رمزية الجانب النفسى عن سلوكيات متناقضة فى الواقع المعاش عندما تصطدم امنية كنموذج للفتاه البسيطة بقيم مغايرة لقيم الطهر والبراءة فى مجتمع مشوه فى واقع غريب و متغير.
السيناريو محكم وواعي جدا لكريم الدليل في الرؤية والمعالجة والشخصيات فيه مدروسة بعناية، والخطوط الدرامية منطقية ومتماشية مع منطق الاحداث والايقاع متوازن جدا من خلال عرضه لمأساة انسانية تتم معالجتها بصريا بصورة فنية وفلسفية فى إيقاع سريع ومتدفق ومحفز، تشوبه بعض المفارقات الدرامية المكثفة والنقلات الجيدة التى جاءت موفقة ومنطقية ومقنعة وتحمل عنصر المفاجاءة وتدفع المتلقى للتأمل والتحليل واستطاع رؤوف عبد العزيز بنجاح في المزج بين عناصر التشويق والغموض والتوتر والاثارة في بناء الأحداث حتى الان.
وتتحدد الرؤية الإخراجية فى المسلسل من خلال معادلة درامية شديدة الدقة بنوع من التوقع من المخرج خلال التصوير بتصور عام مسبق واضح للعمل، يتضح بمعرفتة المسبقة لما سيحتفظ به، وما سيتخلى عنه، والكيفية التي ينتقل بها من لقطة إلى أخرى ، وصياغة القصة مع التعبير عن وجهة نظره للسرد البصرى بشكل تقنى دقيق فى فرد المواد المصورة بانسيابية شديدة ووضوح و صياغة نسيج فنى معبر دراميا مع تتطور الاحداث باستخدام ادواته الفنية وحرفيته كمخرج ومدير تصوير مثل حركة الكاميرا ، وعمق التفاصيل المصورة و زوايا التصوير المبتكرة ، والإضاءة المعبرة والمونتاج االسريع المتدفق والاداء الحركى والتمثيلى وتعبيرات الوجه للممثلين كانت ممتازة ،والموسيقى الرائعة جداً لخالد حماد ، التى استطاعت أن تعمق الكادر مع وجود تناغم واضح للعناصر الفنية مع بعضها فى عملية لها دلالة عن التعبير الدرامى الدقيق فى نقل نص السيناريو بحرفية إلى الشاشة.
وقدمت سهر الصايغ وأحدا من أجمل أدوارها فى المسلسلات الدرامية ، حيث أمسكت بكل خيوط الشخصية باقتدار وبعناية وتحضير ممتاز سواء للشكل الخارجى والمظهر العام للشخصية أو الداخلى بقدرتها على التعبير عن الانكسار النفسى الداخلى للفتاه المغتصبة طوال الأحداث بشكل متغير مع المواقف وايصاله للمتفرج بشكل سلس وتلقائى و اقتربت كثيرا جدا من شكل وروح الشخصية من خلال انفعالاتها وتعبيراتها الصادقة ، أما عن النجم جمال سليمان فلا حديث عليه لأنه حقيقي مبدع اينما كان قدم دور المحامى ببراعة وبشكل مبهر وحيوية فى الإداء والاتقان التام لتفاصيل الشخصية، اما عابد عنانى فقد نجح في أن يثبت قدراته وتميزه على ان يصبح من نجوم الدراما المصرية واظهر قدرتة وموهبة فائقة فى تجسيد الشخصية ووظف كل انفعالاته وملامحه لأداء شخصية الشاب العابث بشكل مبهر وصادق.
فالتركيب الدرامى لمشهد وفاة امنية رغم عدم نهاية الحلقات موظف بشكل جيد جدا داخل الاطار العام لمنطقية الاحداث الشبه ثابتة مع المنطقية الدرامية للسيناريو وبيان حقيقة البناء الداخلي للمشهد يطرح العديد من التساؤلات والمزيد من الاثارة والتشويق فالجريمة لم تهز الراى العام فحسب، فقط بل هزت المشاعر الإنسانية كلها وجعلت الجمهور يتعاطف مع البطلة التى ماتت بعد معاناة بدون ان تاخذ حقها امام العدالة والمجتمع وجعل ذلك المشهد الجميع يتسائلون عن مصير الجناة بعد موتها و منتظرين قرار المحكمة العاجل فى تحقيق العدالة ونجح رؤوف عبد العزيز فى جذب المشاهدين اكثر لاهمية الموضوع بادواته الفنية وقيادته الحكيمة للعمل بحس فنى واعى للمجتمع الذى يعيش فيه والقضية التى يدافع عنها.
مسلسل "الطاووس" بطولة جمال سليمان، سميحة أيوب، سهر الصايغ، هبة عبدالغني، رانيا محمود ياسين، أحمد فؤاد سليم، هالة فاخر، خالد عليش، يوسف الأسدي، حليم، مها نصار، فرح الزاهد، دانا حمدان، عابد عناني، وإنتاج شركة ستار ميديا المنتجة شيرين مجدي، والمسلسل سيناريو وحوار كريم الدليل وإشراف على الكتابة محمد ناير، وإخراج رؤوف عبدالعزيز.