سيناريوهات عودة الحياة لطبيعتها بعد انتهاء كورونا

الاحد 03 يناير 2021 | 09:32 مساءً
كتب : مها عبدالرازق

بعد مرور أكثر من عام على تفشي وباء كورونا، يطرح كثيرون أسئلة عن شكل العالم بعد فيروس "كوفيد-19"، وما سيناريوهات عودة الحياة إلى طبيعتها وكيف سيؤدي إلى تحولات دائمة في القوة الاقتصادية والسياسية داخل البلدان وفيما بينها.

تتحدث مجلة "فورين بوليسي" في تقرير نشرته مؤخرا، عن ملامح نظام عالمي أعاد وباء كورونا تشكيله، حيث ترصد آراء كبار المفكرين وتنبؤاتهم لفهم هذه التحولات مع دخول العالم فصل جديد من الأزمة في 2021.

- دور القيادة

يرى جون ألين رئيس معهد بروكينجز إن أزمة فيروس كورونا لن تترك سوى قلة من الفائزين الحقيقيين إن وجدوا، لأن غالبية الدول فشلت في ممارسة القيادة والانضباط الذاتي والمجتمعي للسيطرة على الوباء حتى الوصول للقاحات.

وأشار إلى أن فيروس كورونا، بات أحد أسلحة الضغط الأساسية على النظام الدولي الهش، وكشف مدى سوء حالة الانظمة الصحية العالمية، ما أرغم بلدان عدة على انتهاج سياسات انعزالية بدلا من بناء تحالف عالمي لمكافة الوباء المروع.

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أسوأ الأمثلة، في التعامل مع الوباء، بحسب ألين، موضحا أن كورونا عبارة عن سلسلة معقدة من المشكلات العابرة للحدود تتطلب حلولا متعددة الأطراف من قبل الزعماء.

وتابع "في حين أن العلم قد ينقذنا في النهاية.. لكن ليس هناك أمل في اتخاذ إجراءات منسقة ضد الفيروس وفي التعافي نهائيا بدون قيادة".

- وضع أمريكا

وفقا لتقرير "فورين بوليسي" تعتبر آن ماري سلوتر، المدير التنفيذي لمعهد نيو أميركا، أن وباء كورونا أظهر بشكل كبير أن الإدارة الأمريكية لم تعد لاعبا لا غنى عنه في الشؤون العالمية، خاصة بعد انسحابها من منظمة الصحة العالمية ورفض الانضمام إلى تحالف "كوفاكس" لتوزيع اللقاحات.

وتشير سلوتر إلى أن الشركات والمنظمات والجامعات الأمريكية هي من أثبتت أنه لا غنى عنها في ذلك النظام، مشيرة إلى دور مؤسسة بيل وميليندا جيتس في تحالف توزيع اللقاحات.

واعتبرت أن أضخم مفاجأة سببها الوباء، هي الفصل الدراماتيكي بين اقتصاد الأغنياء واقتصاد العامة أو الفقراء، مشيرة إلى أن كثير من أصحاب الشركات الصغيرة والأجور المتوسطة تأثروا كثيرا بسبب الفيروس، بينما ارتفعت أصول الأثرياء، موضحة أن مثل تلك الفجوات تزرع "بذور ثورة".

- تغير العولمة بسرعة

من جانبها، تتوقع لوري جاريت الباحثة في مجال العلوم والكاتبة بالمجلة، أن فيروس كورونا لن يختفي قريبيا، وسيواصل تغيير مسارات العولمة والتصنيع، خاصة مع التأخيرات الحتمية في طرح اللقاحات.

وتوضح أن أكثر من ربع الرؤساء التنفيذيين لمئات الشركات الأمريكية يقولون إن القوى العاملة لديهم لن تستعيد أحجامها قبل انتشار الوء.

كما يعتقد 8 من كل 10 بينهم أن تصبح "القومية" هي القوة المهيمنة في البلدان التي يعملون بها، ويقتنع معظمهم أن التحول الأسرع إلى الروبوتات والذكاء الاصطناعي سيساعد في حمايتهم من أمراض تصيب القوى العاملة في المستقبل والصدمات الوبائية.

وتشير جاريت إلى أن غالبية الشركات والمتعاقدين سيعملون على تنويع مصادر التوريد، ليكونوا أقل اعتمادا على دولة واحدة مثل الصين، وتأمين مخزون احتياطي لأي اضطرابات مستقبلية.

ولذلك، ستبتعد الحكومات عن العلاقات والصفقات التجارية التي دعمت العولمة، وتدعم بدلا منها التزامات أقل استقرارا يمكن التراجع عنها في استجابة سريعة لتفشي أي مرض مستقبلا.

وأوضحت أن أحد التأثيرات بعيدة المدى لوباء كورونا، أنه جعل العالم أقل قدرة على الصمود أمام الجائحة التالية.

- القرن الآسيوي

أما كيشور محبوباني الباحث بمعهد آسيا للبحوث التابع لجامعة سنغافورة، يشير إلى انتقال الكفاءة من الغرب إلى الشرق، وهو ما ظهر من خلال أرقام الإصابات والوفيات بكورونا في آسيا مقارنة بأوروبا وأمريكا.

ويقول محبوباني إن المجتمعات الغربية دائما ما كانت تعرف باحترامها للعلم والعقلانية، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسقط القناع عن ذلك الوهم.

وأشار إلى وجود خطأ وراء وقوع موجة ثانية قوية من الوباء في الغرب، مضيفا أن السبب يكمن في "الرضا عن النفس".

وأكد الباحث أن الغرب اعتقد أنه سيتغلب في هذه المعركة بناء على تجاربه السابقة مع بعض الأوبئة، لكن مجمتعات شرق آسيا وجنوب شرقها عليها أن تكون صارمة ويقظة ومنضبطة، مشددا على أن احترام الحكومة هو أحد المتغيرات الحاسمة.

ورجع أن تتعافى اقتصادات شرق آسيا بشكل أسرع، ما يشير إلى كفاءة في الإدارة الاقتصادية، وتابع "عندما يبحث مؤرّخو المستقبل عن بداية القرن الآسيوي.. فقد يشيرون إلى أن كوفيد-19 هو اللحظة التي عادت فيها الكفاءة الآسيوية إلى الظهور بقوة".

بينما تعتبر شانون أونيل نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، أن المرحلة القادمة من العولمة لن يتم تشكيلها عبر التجارة أو الاستثمار أو انتشار الفيروسات، إنما من خلال الجغرافيا السياسية والنشاط الحكومي.

ورأت أن سلاسل التوريد العالمية تعافت إلى حد كبير من صدمات اقتصادية عنيفة بسبب أزمة كورونا، مسلطة الضوء على استمرار تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرة إلى الحاجة إلى سياسات صناعية ذكية لمعالجة المشكلات المختلفة.

- تحول موازين القوى

يعتقد ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية في كلية هارفارد كينيدي، أن تفشي وباء كورونا أدى إلى تسريع تحوّل القوة من الغرب إلى الشرق، وفرض قيودًا إضافية على العولمة، ما أدى إلى عالم أقلّ انفتاحا وازدهارا.

وأوضح أن الوباء لم يسفر عن حقبة جديدة من التعاون العالمي، ولم يضع حضا للجغرافيا السياسة التقليدية أو الخصومات الوطنية.

وأكمل "في وقت تتعافى فيه الصين.. تواجه أمريكا وأجزاء من أوروبا موجات أخرى من الإصابات نتيجة فشل القادة في التعامل بسرعة مع فيروس كورونا".

وأضاف أن هذا الشكل لا يروج للحكم الاستبدادي، كما تريد الصين، مشيرا إلى تعافي دولا أخرى مثل استراليا وكندا ونيوزيلندا، بينما تعاني روسيا وإيران وغيرهما من الديكتاتوريات الأخرى.

ويرى والت أن التعاون الدولي لمكافحة الوباء كان حازما، موضحا أن حكامًا مستبدين، مثل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ورئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، يتعرضون لضغوط أكبر بعد سوء تعاملهم مع ، فضلا عن خسارة ترمب في انتخابات الرئاسة.

- العلاقات الدولية

بدوره، قال ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية إن أداء بعض الدول الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية كان جيدا، بينما كان تعامل البعض الآخر مع الجائحة "بائسا".

وأشار إلى أن وباء كورونا، أحدث شرخا بين الصين والولايات المتحدة، وكان حافزا لإعادة التفكير حول سلالسل التوريد، مسلطا الصوئ على وجود زيادة هائلة في الديون بكل أنحاء العالم.

ويؤكد ان التأثير السياسي لأزمة كورونا ظهر واضحا في الولايات المتحدة، عندما ساهم بشكل كبير في هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.

بينما تتوقع كوري شايك مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أميركان إنتربرايز، أن التغيرات الأكثر أهمية ستكون اقتصادية.

وتوقعت أن تكون هناك حالة من عدم المساواة، خاصة أن هؤلاء من يصحلوا على رعاية صحية جيدة ووظائف يمكن القيام بها عن بعد، هم أكثر حظا.

ورأت أنه سيجرى إعادة تأميم سلاسل التوريد، أو على الأقل إنشاء قدرة احتياطية وإعادة التفكير في قرارات تحديد موقع تلك السلاسل، كما توقعت انخاض الطب على المواد الخام، و"تباطؤ العولمة" الذي سيؤدي إلى انهيار مكاسب مشروع الحزام والطريق الصيني.

وذكرت أن الاقتصادات الناشئة يمكنها اغتنام الفرص وتحقيق مكاسب هائلة، وأن تلك التغيرات سيكون لها عواقب كبرى على الأمن الدولي.

وتشير التوقعات إلى أن زيادة نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة العامة بدلا من الدفاع، حيث ستدرك الحكومات أن الصحة جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي.

هانى الناظر: تورم العينين وتساقط الشعر وارد بعد الإصابة بكورونا (فيديو)

اقرأ أيضا