يأتون من كل فج عميق ليقدموا واجب العزاء الذي لم يجبرهم أحدًا عليه إلا قلوبهم الطائعة، أما بعد.. هل أتو سرادق العزاء ليحرقوا الشيطان الذي شطط بوسواس عقولهم في الماضي، أم يجلدون ضمائرهم بسياط الندامة أم يملكون كل هذا الكم من المثالية التي تجعلهم متعاطفين مع فقدان الأب الذي أعاقه أولاده قبل رحيله.
كل هذه التساؤلات قد تطرق لها عقول المصريين إثر وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وهم لم يكفوا عن صنع وفائهم، حتى قلمي لم يعد قادراً على كتابة المخلوع، لا أعرف لماذا مثلما لا يعرف المصريون دوافع التصرفات التي أنهالت بعد وفاته.
"له ما له وعليه ما عليه" أما عن هذه الجملة التي ترددت كثيرًا على مواقع التواصل وكأنهم يتعاطفون خجلاً، ويقدسونه على استحياء، ويعترفون بوطنيته خلف مواربة الباب الذي كاد أن يفض من خلاله مشاعرهم الجمى بالحنين للماضي.
لم يعد الزمن منُصفًا لأحد فقد اعتصرت الأيام بلا رفق جميع فئات الشعب المصري بكل طوائفه وأيدولوجياته السياسية، تدور متاريس الساعات وبين حدي تروسها بقايا أحلام تملؤها الخيبة.
لدينا إفراط في كل شئ، غضب مفرط، أوصلنا لندم مفرط، يسوقنا لحنين مفرط، لخيبات مفرطة، فقد طوينا صحف الماضي بانتهاء حياته واعتذرنا بعد رحيله، ورقدنا خلف خيباتنا لنفرط في صنع خيبات جديدة وندم من جديد.