في الوقت الذي تتخذ بعض الدول إجراءات احترازية قاسية نوعاً ما، منعاً لتفشي مرض فيروس "كورونا" المستجد بين مواطنيها، مثل غلق الحدود أو الحجر الصحي أو منع السفر، كانت كوريا الشمالية سباقة بإجراء أكثر قسوة وغرابة بإعدامها رميًا بالرصاص لأول حالة ثبت إصابتها بالفيروس.
ووفقاً لما نشره موقع "انترناشونال بيزنس تايمز"، قتلت كوريا الشمالية أحد المرضى بعد أن أثبتت التحاليل إصابته بالفيروس، فيما لم تتضح بعد أي تفاصيل حول المريض.
ليست الحالة الأولى
وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أشارت التقارير إلى مقتل مسؤول تجاري كوري شمالي بالرصاص، بسبب تركه للحجر الصحي لفيروس كورونا للذهاب لحمام عام.
ووفقاً لوسائل الإعلام الكورية الجنوبية، تم إعدام الضحية، الذي كان قد عاد إلى البلاد بعد زيارة للصين.
ووفقاً لبيانها الرسمي، أكدت كوريا الشمالية، مرارًا وتكرارًا على أن البلاد ليست لديها حالة واحدة من حالات الإصابة بـ"كورونا" على أراضيها، رغم أنها أشارت إلى وجود أشخاص يشتبه في ظهور أعراض لهم، فيما تزداد المخاوف العالمية من احتمالية إخفاء بيونج يانج تفشي المرض.
وبحسب ما نقله الموقع الأمريكي عن وسائل إعلام كورية جنوبية، فهناك حالتان على الأقل يشتبه في إصابتهما بالمرض في مدينة سينويجو الكورية الشمالية، المتاخمة للصين.
فيما ذكرت صحيفة ديلي كوريا الشمالية ومقرها كوريا الجنوبية، أن ما يصل إلى خمسة أشخاص لقوا حتفهم بسبب الفيروس التاجي في نفس المدينة.
وبدأ فيروس كورونا في الصين، وتفشى في القارات كلها، لكن أقرب دولة إلى بكين نجت، فيما يبدو حتى الآن، من إعصار الفيروس المميت.
ولم تعلن كوريا الشمالية حتى الجمعة، عن أي إصابة بفيروس كورونا، علما بأنه لا يمكن التثبت بشكل قاطع من المعلومات الواردة من بيونج يانج بسبب الرقابة الصارمة على المعلومات.
ويبدو أن هناك عدة أسباب دفعت نحو خلو الدولة الشيوعية المنعزلة حتى الآن من المصابين.
فبحسب تقارير إعلامية، صرح نائب وزير الصحة العامة في كوريا الشمالية، الخميس، بأن البلاد ستبقي على إغلاق الحدود حتى إيجاد علاج للفيروس.
إجراءات صارمة
ويظهر هذا التصريح جانبًا من الإجراءات الصارمة، التي اتخذتها بيونج يانج منذ بداية تفشي الفيروس قبل نحو شهرين.
وأطلقت بيونج يانج "حملة لمكافحة الفيروس"، تتمثل في زيارات إلى المنازل للتحقق من صحة السكان أو إرسال شاحنات في جولات للتذكير عبر مكبرات للصوت بإرشادات النظافة، ودعوة المواطنين لـ"الطاعة المطلقة" لإرشادات السلطات الصحية.
ومددت السلطات إجازة الشتاء بالنسبة إلى الأطفال في المدارس، وقبل أيام فرضت السلطات حظرًا مؤقتًا على تشغيل المرافق العامة في البلاد.
ومن بين الإجراءات المشددة التي فرضتها كوريا الشمالية، وضع الأشخاص الأجانب الذين يريدون زيارتها في الحجر الصحي لمدة 30 يومًا، بخلاف بقية الدول التي تعتمد 14 يومًا فقط، بحسب معلومات موقع "نورث كوريا نيوز" المتخصص في شأن الدولة الشيوعية.
دولة منعزلة
كوريا الشمالية ليست بالأساس دولة سياحية، ولا تجذب الآخرين لزيارتها بسبب نظامها السياسي، وحدودها الجنوبية مغلقة رسميًا منذ عقود.
وبعد ظهور فيروس كورونا أغلقت كوريا الشمالية حدودها مع الصين وروسيا.
وأكدت وكالة "فرانس برس"، أن خطوة غلق الحدود أفضل وسيلة لحماية كوريا الشمالية من وباء الفيروس، نظرًا لضعف نظامها الصحي.
ولا يوجد الكثير من الأجانب داخل كوريا الشمالية، وحتى البعثات الدبلوماسية الموجودة في بيونج يانج، فرضت عليها المزيد من القيود، إذ منع أفرادها من التواصل مع المواطنين الكوريين الشماليين أو مغادرة مجمعاتهم، وكل شيء يدار بالمكالمات الهاتفية.
وأكد السفير الروسي لدى بيونج يانج، إليكسندر ماتسيجورا، أنه لا يسمح لموظفي السفارة بالمغادرة إلا من أجل إلقاء القمامة، ويسارع الخبراء الكوريون إلى تظهير مركبة السفارة التي نقلت القمامة، بحسب وكالة "تاس".
حجر مستمر
وحتى قبل كورونا، لم يكن بوسع مواطني كوريا الشمالية السفر بحرية حتى داخل بلادهم، ناهيك عن السفر إلى الخارج، لأن السلطات تسيطر على حركة الأشخاص بأشكال مختلفة عبر تصريحات السفر وتسجيل الإقامة.
وعلى سبيل المثال، يجب على أولئك الراغبين في زيارة العاصمة بيونغ يانغ من خارجها الحصول على موافقة خاصة، طبقا لموقع "كي. بي. أس" الكوري الجنوبي.
ويعيش معظم سكان كوريا الشمالية في مدنهم أو المناطق المجاورة طوال حياتهم، باستثناء بعض المناسبات الخاصة مثل الذهاب إلى مؤسسات التعليم العالي، والخدمة في الجيش والزواج.
تهديد وجودي
وقال سكوت سنايدر، الباحث المتخصص في شؤون كوريا الشمالية لدى مجلس العلاقات الخارجية في أمريكا، إن بيونج يانج تعتبر "فيروس كورونا" مسألة بقاء.
وأضاف سنايدر، في مقال نشره في مجلة "فوربس" الأمريكية، أن كوريا الشمالية تحركت سريعًا وأغلقت الحدود تفاديًا لتفشي الفيروس.
واعتبر أن كورونا في حال انتشاره إلى كوريا الشمالية، سيعد تهديدًا وجوديًا للدولة، التي تشهد ترديًا في نظام الصحة العامة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.