مشروع قناة اسطنبول للربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، وهو من بناة أفكار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليس مجرد مشروع بنية تحتية مثير للجدل، وإنما مغامرة قد تحدد مصير أردوغان السياسي.
ووفقًا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قوبل مشروع قناة إسطنبول بمعارضة لا يُستهان بها من سياسيين وخبراء يحذرون من آثار سلبية اقتصادية وبيئية للمشروع، وفي الوقت الراهن يتزعم عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، حركة الرفض والضغط ضد المشروع، رافعًا شعار "إما القناة أو إسطنبول".
وأضافت المجلة، أن أردوغان طرح في 2011 مشروعه "المجنون" لحفر قناة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة في الشطر الغربي (الأوروبي) لمدينة إسطنبول، لتكون ممرًا مائيًا موازيًا لمضيق البوسفور، بغرض تخفيف ضغط مرور السفن عن الأخير.
وفي ظل وضع اقتصادي هش ومترد، سيكون على أردوغان بذل جهد مضاعف لإقناع الناخبين الأتراك بجدوى تخصيص ميزانية عملاقة لمشروع قناة إسطنبول، خاصة مع التحذيرات الصاخبة من آثاره البيئية المدمرة.
وتشير تقديرات خبراء جيولوجيين للأثر البيئي المتوقع للمشروع إلى أن 200 ألف و878 شجرة ستتضرر منه، وخلال السنوات السبع التي سيستغرقها تنفيذ المشروع سيتم تنفيذ 360 عملية تفجير سنويًا، واستهلاك 4 آلاف طن من زيت نترات الأمونيوم كوقود، الأمر الذي يجعل من الصعب بمكان إقناع أي عاقل بجدوى المشروع.
وبجانب الأثر الاقتصادي والبيئي السلبي للمشروع، هناك أيضًا الأثر العسكري والأمني، فإمام أوغلو يحذر من أن المشروع سيحول إسطنبول القديمة إلى جزيرة يصعب الدفاع عنها، وفي حال مواجهة اي تهديد عسكري، سيتعين نشر القوات في "جزيرة" إسطنبول إما عبر الجسور أو عبر مضيق البوسفور.
وبحسب "فورين بوليسي"، لا يملك مؤيدو المشروع أي حجة للإقناع بجدواه سوى العوائد المالية المنتظرة منه، لكن مرة أخرى ليس من الواضح لماذا قد تختار السفن دفع رسوم عبور قناة إسطنبول، في حين يمكنها المرور مجانًا من مضيق البوسفور، الذي يخضع لقواعد معاهدة مونترو للمضائق.
وفي استطلاع رأي أجرته شركة "إسطنبول إيكونومي ريسيرش" في ديسمبر 2019، ظهر أن 49% من الأتراك لا يصدقون أن قناة إسطنبول ستولد مصادر جديدة للدخل.
وفضلًا عن ذلك، لا يعرف الأتراك سوى أقل القليل عن المشروع، وفي استطلاع الرأي المذكور آنفًا، قال 49% من المشاركين إنهم لا يعرفون شيئًا تقريبًا عن المشروع، فيما قال 40% إنهم على دراية بمعلومات قليلة عنه، وذكر 11% فقط أنهم يعلمون بعض التفاصيل، أما سكان إسطنبول أنفسهم فتبلغ نسبة من يعرفون بعض التفاصيل عن المشروع 12.5% فقط.
أما ما يشكل تهديدًا لمستقبل أردوغان السياسي، فهو أن أكرم إمام أوغلو يستثمر قضية مشروع قناة إسطنبول ليؤسس موقف وطني مناهض لأردوغان، ويعزز فرص إمام أوغلو في منافسة الرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
واختتمت المجلة بالقول إن أكرم إمام أوغلو، الذي ألحق باردوغان هزيمتين متتاليتين في انتخابات إسطنبول المحلية وجولة إعادتها العام الماضي، يستعد الآن لإلحاق هزيمة ثالثة بالرئيس التركي، لكن في الانتخابات الرئاسية هذه المرة، وإذا ما استطاع تعبئة الرأي العام لإجهاض مشروع قناة إسطنبول فستكون ضربة مبكرة لأردوغان تمهد الطريق لهزيمته في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.