يرى التونسى حازم القصورى، خبير العلوم السياسية، أن الصراع العلمانى الإسلامى فى تونس يرجع إلى القرن التاسع عشر، حيث كان هناك صراع ما بين الحداثة والأصالة فى تونس كجميع الدول العربية ما بين رجالات وطنية فكرت بأن الصراع المطلوب على الوطن هو الأخذ بناصية الحداثة والعلم والتقدم الموجود عند الغرب وهذا مثله خير الدين التونسى، وهناك مدرسة تمثل التقليدية والحركات الإسلامية عبر التاريخ وكانت لها رؤية وتواجد بالحزب الدستورى 1920 بقيادة عبد العزيز الثعالبى، جاءت بعدها مدرسة مدنية بالحزب وكانت ترفع شعار برلمان بتونس والاعتراف بالدولة واحتفاظها بالملكية.
وأضاف، أن وقتها كان هناك أجنحة بحزب الدستور، جناح يمثله الثعالبى والذى يعد بالارتباطات بالعالم الإسلامى والعربى وبالتالى يظهر التأصل بالمدرسة الدينية نوعا ما ومدرسة أخرى حديثة تأسست بفرنسا وتأثرت بالمفكرين الأنوار وتزعمها بو رقيبة، وبين أن الحزب كان يعانى الانشقاق سنة 1934، خاصةً بعد غياب الثعالبى، وبالتالى هناك صراعات تاريخية بين المدارس وتواصل هذا الصراع على مدى قرن كامل من الزمن إلى أن انتصر بو رقيبة بالدولة الوطنية وأصبحت دولة مدنية تعترف بالحقوق وتعترف بالحرية الدينية ونجح فى بناء هذه الدولة.
وتابع: كانت هناك سقطات متمثلة فى بناء ديمقراطية صلبة يمكن تبادل السلطة باستعمال الآليات الديمقراطية، ومن ثم صعدت الحركات الإسلامية وهم يعرفون حاليًا بحركة النهضة وصراعهم مع النظام باعتبار أن النظام كان يعانى فترته الأخيرة من الشيخوخة.
وأكد القصوري، أن النزاع ما بين الحركة المدنية والإسلامية تم حسمه وأحيلت هذه المجموعات للمحاكم لأنها كانت تنتهج أسلوب العنف كوسيلة من أجل الانقضاض على السلطة وصدرت العديد من الأحكام على العديد من القيادات، ومنها على راشد الغنوشى، ومن ثم برز نجم الرئيس السابق زين العابدين أواخر 1986، فى تونس وكان التغيير السياسى الذى مكنه للصعود إلى دفة السلطة فى تلك الفترة كانت الحركة الإسلامية تهتم بالعديد من الملفات بخصوص الحوادث ذات الصبغة الإرهابية، واعتبرت الحركة أن النظام استعمل العنف لتصفيتها وانتهت تلك الإشكالية بإيجاد تسوية سياسية فى تونس وظهر الميثاق الوطنى فى تونس 1989، وتمكن النظام من إيجاد تسوية مع حركة الإسلاميين وإحداث توازن بين الحركة الإسلامية والحركة المدنية التى تمثلها الدولة، ومن ثم اكتشف نظام سياسى للرئيس السابق بن على بأن هناك تخطيطًا لايقاع نظام السلطة وبالتالى قرر اتخاذ إجراءات ذات صبغة أمنية لمعالجة التهديدات بخصوص حل الحركة الإسلامية.
"دستور 2014" أحدث التوازن والتوافق السياسى
ومع ظهور الربيع العربى تطور وجود اتحاد مدنى فى تونس والاتحادات، وجاء سقوط نظام الرئيس بن على ومكن من عودة الحياة السياسية وظهر مجددًا تيار الإسلام السياسى بشكله اليوم المتمثل بحركة النهضة، وشارك بالانتخابات الأولى ونجح فى تلك المرحلة الأولى بوجود توازن بين الإسلاميين والتيارات المدنية، موضحًا أنه يمكن اعتبار فترة الراحل الباجى قايد السبسى تميزت بإحداث التوازن بين الحركة الإسلامية والحركة المدنية للمحافظة على الدولة الوطنية وجاء دستور 2014 وكانت الانتخابات الحاسمة لإحداث التوازن وما يعرف بتونس بسياسة التوافق، توافق قايد السبسى والغنوشى لإدارة المرحلة.
وتابع خبير العلوم السياسية، أن الملاحظ الغياب الذى شكله الباجى السبسى فى 2019 على الساحة السياسية بوفاته كانت مرحلة مفصلية فى تاريخ التيارات المدنية، خاصةً التى تتشكل من حزب حركة نداء تونس التى تمخضت عليها العديد من الأحزاب من مشروع تونس وأمل تونس وتحيا تونس هذه كلها أحزاب تفرعت على نداء تونس الذى أسسه السبسى، وتأكدت الانشقاقات مع وفاته، تلك الانشقاقات ترتب عليها تراجع الحركة المدنية ككل وتقدم الحركة الإسلامية باعتبار أن لها قائدها بجانب تنظيمها، ساعدها فى ذلك تشتت تيارات الحركة المدنية.
وكما كل الأحزاب السياسية، انعدام القيادة وانحراف المشروع السياسى للحركة المدنية، ساهم فى هذا التشتت باعتبار الباجى السبسى يحمل مشروعًا سياسيًا وكانت تمنه شخصيته من التوافق بين الكتل السياسية داخل تونس، واليوم الحركة الإسلامية تسيطر على البرلمان وأن هناك تشتتًا بالحركات المدنية وأحزابها ولكن المجتمع المدنى يقظ للغاية ويستطيع إحداث التوازن، بالرغم من سيطرة الحركة الإسلامية المتمثلة بالنهضة خاصةً بوجود رئيس الحركة على رأس البرلمان.
وأكد أن وجود الرئيس قيس سعيد وبالرغم من صعوده لمنصبه بآراء الأغلبية من الشعب ولكن صعوده بعيدًا عن الأحزاب يمثل عائقًا سياسيًا ليكون طرفًا يستطيع الجمع بين تلك الكتل؛ لأن الحياة السياسية تحكم فى تونس عبر الدستور منذ 2014 عبر الأحزاب وعبر كتل برلمانية، وبالتالى لا يستطيع اليوم أن يشكل كتلة قادرة أن تلعب دورًا أساسيًا فى المرحلة القادمة؛ لأن قيس سعيد لا يزال غير قادر على تقديم الصورة الحقيقية وغير قادر على رسم معالم السياسات التى يريد أن يتخذها.
وتطرق للحديث عن تناول الرئيس قيس سعيد لملف الأزمة الليبية حيث يسعى إلى معالجة هذا الملف والحال، أكد أن تونس لديها قضايا عالقة تنتظر رأس السلطة لمعالجتها بحكمة من خلال طرح مبادرة سياسية قوية، وأن اليوم فى تونس المصالحة الوطنية الشاملة تعد موضوعا عالقا ولم يتم معالجتها بشكل كاف وملائم، ولم يفتح هذا الملف بشكل جدى، خاصةً بعد تراجع ما يسمى فشل العدالة الانتقالية المطلوبة بحسم هذه الملفات باعتبارها عالقة؛ لأن القانون المنظم لهذا يحصر هذه العدالة الانتقالية خلال فترة زمنية لا تتجاوز العامين، وبتأخر العدالة الانتقالية يؤكد أن المصالحة الوطنية تأخرت، وهذا الملف عالق داخل تونس ولا يمكن التغاضى عنه وما نراه اليوم من تجاذبات داخل البرلمان التونسى وعنف لفظى يعد انعكاسًا طبيعيًا لفشل العدالة الانتقالية.
وشدد على صعوبة أن يستطيع قيس سعيد توحيد الكتل السياسية ورسم معالم رؤية سياسية قد تنهض بتونس فى قادم الأيام، خاصةً أنه فشل فى تأخر معالجة المصالحة الوطنية الشاملة.
وأكد أن الأحزاب المدنية فقط هى التى تمتلك مصيرها، وأن الإشكالية غير متمثلة فيمن يتزعم المبادرة، وإيجاد شباب قادر على فهم مقتضيات المرحلة فى منطقة عاصفة بالنزاعات منطقة على الصفيح تفرض على النخب السياسية اليوم وخاصةً شباب تونس، والتنظيم السياسى وخاصةً توحيد الأحزاب المدنية فى مشروع مدنى سياسى لإرجاع التوازن فى مرحلة أولى والحسم فى الانتخابات القادمة.
وأوضح القصوري، أن الصراع بين حركة التيار الإسلامى والحركة المدنية رهينة ببلورة مشروع سياسى قادر أن يجمع الشعب فى كامل الجمهورية التونسية، وهذا المشروع السياسى يفترض بناء الرهان على الإنسان الرهان على العدالة والرهان على المصالحة الوطنية الشاملة والذهاب إلى تنمية كاملة قادرة على أن تستجيب لأوجاع الشعب التونسى داخل كل منطقة بوطنهم، وإيجاد ورسم معالم تونس جديدة ديمقراطية قادرة على جعل شعبها أن ينعم برغد العيش بها، مؤكدًا أن قضية دعم الإخوان لقيس سعيد أمر غير واضح صورته الحقيقية.
خطاب "سيدى بوزيد" يضع النخب السياسية فى قفص الاتهام
وحول الخطاب السياسى للرئيس التونسى فى سيدى بوزيد والذى حمَل فيه قيس سعيد الفشل الاقتصادى والاجتماعى إلى النخبة السياسية، أكد أن هذا الموقف يلزمه أن الطبقة السياسية تقدم فى كل مرة تجتهد لتقديم حلول سياسية واقتصادية واجتماعية، ووضع البلاد يفرض اليوم إيجاد إصلاحات ومشاريع إصلاح والانصراف إلى المصالحة الوطنية؛ لأن هناك العديد من الملفات العالقة التى لها علاقة وطيدة بالتنمية والاقتصاد وإذا لم يتم فتح هذه الملفات ولم يحسم أمرها لا يمكن الحديث عن إصلاحات جوهرية وبالتالى ليست المشكلة فى فساد النخب السياسية، حتى وإن كان هناك فساد يجب مقاومته لكن لا يمكن أن نلقى دائماً التهم ويجب الابتعاد عن الشعبوية ومعالجة الأشياء عن كثب وبشكل حقيقى وفتح ملفات التسوية.
وتابع: أن اليوم تونس على مشارف 2020 وللحديث عن تحديد المسئولية لا يعد كافيا من طرف أى شخص فى تونس بقدر تطوير الخطاب السياسى ليرتقى لوضع الحلول للخروج من هذا الوضع وخاصةً أن العالم يتخبط فى أوضاع اقتصادية واجتماعية ونزاعات دولية كبرى وخاصة منطقتنا التى تشهد صراعات كبرى يرتفع بها صوت السلاح دون صوت الحكمة، وهو ما سينعكس بالسلب على تونس، مضيفاً أن قيس سعيد مطالب بتحديد الرؤى السياسية التى يريد أن ينتهجها، وحتى اليوم لا يعلم الشارع التونسى معالم السياسة الخارجية لرئيسهم وما هو الاتجاه الذى سيعتمده فى السياسة الخارجية وما هى رؤيته فى منطقة متوترة جدا وما هى الرؤى الإصلاحية التى يحملها.
وأكد أنه يجب أن يتكاتف الجميع داخل تونس؛ لأن الوضع يفترض وحدة وطنية للخروج من هذا الواقع المرير فمهما كانت الخطابات والآراء والمواقف فاليوم مطلوب العمل بجدية، وعلى الرئيس أن يبرهن على ثقة شعبه التونسى فى انتخابه للخروج من ذلك المأزق الاقتصادى والاجتماعى.
وحول ما إذا كان سيشعل الخطاب شرارة صراع سياسى فى الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية التونسية ورئاسة البرلمان التونسى، أكد أن هذا الخطاب لن يشعل صراعًا؛ لأن تونس لديها نظام برلمانى فى تونس وفقا لدستور 2014، وبالتالى الرئيس يملك صلاحيات فى التصريحات كما يريد والإشكالية تكمن فى أن الشعب التونسى ينتظر ممن دفعوا به إلى كرسى الحكم وضع الحلول؛ ليحقق شعار شعبه "الشعب ينتظر" ووضع السياسات اللازمة وتمرير القوانين اللازمة لتحسين معيشة المواطن التونسى، وعليه الرهان على عنصر الشباب.