بقلم/ ولاء جمال
كيف لسيمون أن تلبسنا رداء الدهشة والغموض وتحضر طوال أحداث مسلسل الكبريت الأحمر أو الكارما حتي وهي غائبة ومختفية عنا بعد أن ظهرت فقط في الحلقة الأولى التي أبهرت الجميع فيها بأدائها البارع، وأرجعتنا سنينن طويلة للوراء بلغة التعبير بالعيون فقط.
لم نر سيمون من قبل في دور جنية، ولكنها جسدت الجنية المختلفة والعجيبة التي نراها أمام أعيننا أول مرة. ولا شك أن هذه براعة مخرج المسلسل ومؤلفه عصام الشماع، الذي اختار سيمون بالذات وبالتحديد دون كل الفنانات. بالتاكيد هو ذكاء منه ليرينا عبقرية أدائها في هذا الدور المختلف الذي لم يسبق لها ان قدمته. لقد امتعنا عصام الشماع بذكاء عينه المختلفة التي تذهب إلى مناطق بعيدة عن السائد بأداء سيمون في شخصية عائشة قنديشة الجنية التي تنفذ قانون الكارما في معتز أحمد السعدني، وتخفية أربعين يوماً لانعلم عنه شيئا.
لأول مرة اشعر برعب حقيقي ولكنه ممتع مع شخصية عائشة قنديشة المغربية. والمدهش أيضا أن الأطفال خافوا من سيمون رغم أنها لم ترتد زيا غريباً ولم تضع مكياجاً مرعباً، ولكنها فقط بعينيها وادائها نقلت إلى الأطفال شعورا بالرعب، إلى درجة أن أحدهم وعمره اربع سنوات ويتسم بالعناد الشديد ولايخاف شيئا ارتجف رعبا منها، وظل يسير كالالف مع والدته التي لم يكن يطيع اوامرها من قبل، وبدا يسمع الكلام ويذهب لتدريبه وحضانته هادئا دون تذمر خوفا من (عيشة قنديشة) بعد ان قالت له والدته: انها صديقتي ويمكن اجعلها تاتي الينا. والاكثر من ذلك ان الطفل سجل رسالة صوتية لسيمون يقول فيها "ماتجيش باعيشة قنديشة انا هاسمع كلام مامي"
المفارقة الغريبة أن سيمون هي ضيفة شرف فقط في مسلسل الكارما ولكنها استطاعت أن تختطف بهذا الدور انتباه وعقول المشاهدين ويظل لها حضور طاغ طوال احداث المسلسل.
سيمون اتخذت قرار الاختلاف منذ بدايتها، وعندها منهج وهي صاحبة طريق ومشوار طويل. تشعر أحيانا أنها تتكاسل أو تبخل على جمهورها بأعمالها وتختفي، ولكنها في الحقيقة عندها التزام تجاه هذا الجمهور، وهذا الأبقى في تقديري وله تاثيره الأهم في الناس.
أشعر بالصدق والدأب في شغلها، تدقق فيه بذكاء، والدليل على ذلك اختيارها دور عائشة قنديشة. سيمون تعرف كيف تصيب الهدف دائماً في اختيارتها
لا انسي ابدا دور احمد السعدني الجميل، ولا ريهام حجاج او عبد العزيز مخيون العبقري ودور داليامصطفي الجرئ وكل ابطال المسلسل، ولكنني هنا اتكلم عن فنانة هي فقط ضيفة شرف بعدد قليل من المشاهد في مسلسل طويل، ورغم ذلك تخطف الناس بهذه القوة. أولئك الأبطال الذين تحدثت عنهم فرصهم كثيرة في الظهور على الشاشة، ولهم "قماشة" عريضة يؤدون بها ويلعبون بشخصياتهم بكل أريحية، بينما سيمون تظهر قليلا وكأنها جنية فعلا، فتحدث كل هذا التأثير، وهذه عبقرية الأداء من فنانة تملك أدواتها الإبداعية وبثقافتها عندها عمق إدراك للشخصيات بشكل مختلف عن كثير من النجوم
أتوقف كثيرا عند موسيقي الساحر العبقري راجح داود الذي أطلق لسيمون العنان في عمل التترات وكذلك الفواصل الخمسة "الخلفيات"والتي بدأ كل منها مختلف عن الاخر فجاءت حرية سيمون في الغناء بصوت ساحر فموسيقي راجح داود أكثر موسيقي سينمائية او تلفزيونية وجودها مزدحم بالتفاصيل الصغيرة والقضايا الكبيرة محملة بشحنات وجدانية ساحرة كأنها تنويم مغناطيسي يحيلنا الي داخل القصة بكل كياننا.
وبكل تأكيد اعتبر ان البطل الحقيقي لهذا المسلسل هو المخرج والمؤلف عصام الشماع لأنه رجل شديد الثقافة وله أفكاره التي تحترم، وفي مسلسل الكارما يقدم فكرة ورسالة يريد ان يعلمها للناس، وهي فكرة الكارما، والتي تعني أن كل ما تفعله في حياتك من خير او شر سوف تراه ويعود لك كما قدمته تماما، وكل مايقوله عبد العزيز مخيون هو عن علم وثقافة حقيقية للشماع وليست طلاسم مبهمة، فهو لا يكتب في السينايو شيئا اعتباطا، وليت يقدم الشماع مسلسلا لمجرد الإثارة والاستمتاع. وليس هذا عيبا بل على العكس، فالفن اذا كان للاستمتاع فقط فإن هذا هدف في حد ذاته، ولكن إضافة إلى ما يقدمه عصام الشماع من متعة دائما ما تكون هناك فكرة هي البطل بالنسبة له، وتحية لكل مخرج فنان يريد أن يرتقي بمجتمعه مثلما يفعل الشماع.