أمنة نصير: المغالاة في تكاليف الزواج مرض اجتماعي خطير
خبيرة للعلاج النفسي: الزواج لا ينجح بالمقتنيات الثمينة بل بالحب والاحترام
"بلاها شبكة" .. "زواج البركة" .."زواج بدون مغالاة" .."معاً لتيسير الزواج" .. "زواج بلا ديون"، هي أسماء لعدد من المبادرات المجتمعية التي ظهرت في بعض قرى ومحافظات مصر مؤخراً لحث الأسر على تيسير وتسهيل إجراءات الزواج من خلال إلغاء الكثير من مظاهر "الفشخرة الزائدة" ــ كما يسمونها ــ والتي لا تتماشى مع الظروف الاقتصادية الراهنة لكونها تكلف الكثير من الأموال وتجعلها عبئاً على كاهل الأسر.
هذه المبادرات المجتمعية لاقت الكثير من الترحيب وأنتشرت سريعاً في العديد من قرى مصر بعد نجاحها خاصة بسبب ارتفاع نسبة العنوسة، وتنص أغلب الشروط الواردة في معظم المبادرات على تخفيف متطلبات الزواج بحيث يتم الاكتفاء بشراء الاساسيات المستخدمة فقط والتنازل عن الكثير من الكماليات مثل إلغاء الشبكة والاكتفاء بالدبلة وإلغاء النيش والفرح.
تقليل نسبة العنوسة ومساعدة الشباب على الزواج أصبح مطلباً شعبياً في الفترة الحالية خاصة بعد انتشار حالات التحرش الجنسي، فهل ستكون هذه المبادرات هي الحل؟، وهل هناك حلول أخرى وكيف سيؤثر انتشارها وتنفيذها على المجتمع المصرى؟
إتفاق جماهيري
بداية حدثتنا زينب ممدوح محمد من محافظة أسيوط عن رأيها في هذه المبادرات قائلة " فرحت كثيرا بانتشارها فهي تساعد الكثير من الشباب والفتيات على الزواج، فهنا في قرية "ساحل سليم" تم تدشين حملة مماثلة تحت اسم "زواج بلا ديون" وكان الهدف منها التخلص من العادات السيئة التي تتمثل في رغبة الأسر في شراء جميع الأشياء والحصول على أكبر قدر من المهر والشبكة مقارنة ببنات الأهل والجيران والأصدقاء".
وتابعت حثت المبادرة أسر القرية على الاكتفاء بالمتطلبات الأساسية فقط مثل جهاز واحد من كل نوع، وتجهيز غرفتين فقط والغاء الأفراح الكبيرة والاكتفاء بعقد قران بسيط في المسجد مع إلغاء الشبكة وكذلك الهدايا الكثيرة التي تقدمها العروس لأهل العريس
وأتفق معاها في الرأي عمر محمد قائلاً "الأسرة المصرية هي السبب الرئيسي في عنوسة بناتها وذلك لأنهم يعجزون الشباب بالطلبات الخيالية التي يريدون الحصول عليها، موضحاً أنه أتفق مع أسرة خطيبته على الاكتفاء بالدبلة فقط وشراء المتطلبات الأساسية بأسعار متوسطة مع التجهيز المشترك للأثاث النصف بالنصف بحيث يخف العبء من على الطرفين وتنتهي التجهيزات سريعاً".
وقال الحاج "سكوتي حامد" رغبة الأهل في شراء شبكة كبيرة والحصول على مهر ومؤخر كبير تكمن من خوفهم على بناتهن، فهم يعتقدون أن قيمة العروس بالأشياء التي تحصل عليها وأيضاً أن هذا حماية لها فالمؤخر الكبير يجعل الزوج يفكر كثيراً قبل أن يقدم على الطلاق".
ونصح حامد الأسر المصرية بتنفيذ شروط هذه المبادرات وتخفيف العب عن الشباب خاصة وأنهم من يقومن بتجهيز أنفسهم دون مساعدة من الأهل، وأكمل يجب أن نقتضي ونتبع رسولنا الكريم الذي قال "أقلهن مهوراً أكثرهن بركة" وأن نهتم بتربية وتدين الزوج أكثر من مستواه المادي وما ستحصل عليه العروس.
وخالفتهم الرأي سمية محمد والتي قالت "لن أتنازل أبداً عن الشبكة والفرح فهما حلم أي فتاة، وكذلك عن المؤخر والقايمة فهما الأمان لضمان حقوقي خاصة مع تزايد حالات الطلاق، وإن لزم التيسير يكون ذلك من خلال شراء المتطلبات الأساسية فقط سواء من الغرف أو الاجهزة أي نقتصر على شراء الاشياء التي سنستخدمها فمثلا لا داعي لوجود غرفة أطفال في بداية الزواج وكذلك لشراء أكثر من غرفة لاستقبال الضيوف فيكفي غرفة واحدة".
مبادرات محمودة تتفق مع الدين
أكدت الدكتورة أمنة نصير أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر على أن هذه المبادرات أمر محمود خاصة وأن المجتمع المصري عانى فترة طويلاً من مرض اجتماعي وهو المغالاة في تأسيس البيت من أجل الزواج بما لا يطيقه بشر، ولعل هذا هو ما دفعها إلى الدعوة لمثل هذا النوع من المبادرات في العديد من المؤتمرات، موضحة أن هذه الدعوة تتفق مع توصية الرسول (ص) حيث قال "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وكذلك قوله "إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقُها".
وقالت نصير "أنصح الشباب الراغبين في الزواج من الفتيان والفتيات بأن يبدؤا حياتهم ببساطة وبأن يكملوا بعد ذلك في بيتهما شراء النواقص على قدر احتياجهم و قدر سعتهم المادية، مشيرة أن هذه الطريقة هي الأمثل فهي تجعلهم يحافظون على استقرار البيت الذي قاموا ببنائه معاً من دون مساعدة أحد".
وأوضحت نصير أن المغالاة في تكاليف الزواج هي مرض إجتماعي خطير كلف المجتمع الكثير من المخاطر –الفساد العظيم على حد وصفها- حيث إنها أحد أسباب إنتشار ظاهرة الزواج السري، ففي بعض الحالات يقوم الشخص المرفوض بمحاولة استمالة الفتاة خاصة في حالة وجود علاقة عاطفية بينهم أو وجود حالة من القبول فيقنعها بالزواج عرفياً، وهو بذلك يكون قد أستلب البنت من أسرتها وأفقدها أمن المستقبل هي وأولادها".
مبادرات جيدة تحارب أرث ضخم من العادات والتقاليد الخاطئة
وحدثتنا الدكتورة فاطمة الشناوي خبيرة العلاج النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية عن رأيها في هذا المبادرات قائلة "مبادرات جيدة جداً خاصة إذا تم تنفيذها فعلياً على أرض الواقع وذلك لأنها تحارب الأرث الخاطئ من العادات والتقاليد المنتشرة في قرى مصر من حيث المقارنة بالغير والرغبة في شراء جميع المستلزمات دون النظر إلى القدرة المادية ممثلة على ذلك بعادات المصريات في المناطق الريفية والصعيد بشراء عدد ضخم من المفروشات وأدوات الطهي التي يمكن أن تكفي لتجهيز أكثر من عروس، فضلا ًعن شراء نوعين من كل جهاز، وعادات تقديم الهدايا لأهل العريس وذهاب العروس إلى بيتها وهي محملة بكل ما لذة وطاب".
وعن تأثير تنفيذ هذه المبادرات نفسياً قالت الشناوي "لها الكثير من التأثيرات الإيجابية أبرزها إنها تؤدي إلى زواج بلا ديون مما يجعل هناك حالة من الراحة النفسية تجعل شكل العلاقة الزوجية أفضل، وعلى العكس ففي حالة وجود ديون وأعباء مالية على الزوج يكون هناك حالة من التوتر والقلق والضغط العصبي مما يزيد من المشاكل الأسرية وبالتالى احتمالات الطلاق".
وأشارت الشناوي إلى أن الزواج الناجح لا يعتمد على كم الأشياء التي يتم اقتنائها بل على وجود التفاهم والاحترام والحب والمودة بين الزوجين، فهي أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها أي زوجين لأنها ستمكنهم من التغلب على الكثير من المعوقات والمشكلات التي سيتعرضون لها خلال حياتهم الزوجية.
تساعد على حدوث حالة من الاستقرار الاجتماعي
وأتفقت معاهم في الرأي الاستاذ الدكتور إنشاد عز الدين استاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية، و التى قالت "مبادرة هامة جداً ينفذها جمعيات أهلية كثيرة بهدف مساعدة الشباب وتيسر الزواج من خلال عمل الاجتماعات مع الأهالى لتوعيتهم بضرورة التخلى عن الكثير من الطلبات غير الضرورية والتي لن تؤثر في إتمام عملية الزواج مثل الشبكة الفاخرة والمهر الكبير والحفلات الضخمة وشراء غرف وأجهزة أكثر من احتياجهم".
وأشارت إلى أن إلتزام الأهالى بتنفيذ هذه المبادرات يساعد على حدوث حالة من "الاستقرار الاجتماعي" لأن الزواج يقلل من نسب الاغتصاب والتحرش الجنسي المنتشرة حالياً وكذلك من ظاهرة أطفال الشوارع نتيجة كثرة العلاقات الغير شرعية، ومن معدلات الجريمة وإدمان الشباب للمخدرات".
وأكملت " كما إنها تقلل كثيراً من عدد الغارمات في سجون مصر فهناك الكثير من الأمهات اللاتي تم إدانتهن بسبب عدم قدرتهن على سداد الديون الخاصة بتجهيز بناتهن أو اولادهن، فإذا أقتنع الأهالى من الطرفين بضرورة الإكتفاء بشراء الأساسيات الضرورية فقط لن يلجأ أي شخص إلى الاستدانة أو الشراء بنظام التقسيط ولن يعرض حياته للخطر".
مبادرات فردية يجب تعميمها
وعن التأثيرات المجتمعية لتنفيذ هذه المبادرات قالت الأستاذ الدكتور سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس "أن هذه المبادرة ما هي إلا أنعكاس للواقع فهي ترصد حالة تعذر الشباب وعدم قدرتهم على تلبية أساسيات الزواج المطلوبة منهم نظراً لضعف الحالة الاقتصادية وغلاء الأسعار وانتشار نسبة البطالة".
وأردفت "رغم إنها مبادرات فردية غير معممة على نطاق الجمهورية، إلا أن لها تأثيرات إيجابية كثيرة أهمها إنها تساعد في القضاء على ظاهرة العنوسة وإرتفاع سن الزواج والتي أصبحت هاجس يؤرق الأسر المصرية، مؤكدة على ضرورة استخدام وسائل الإعلام في الدعاية لها وإبرازها من أجل محاولة تعميمها على نطاق واسع".