في إحدى القرى الصغيرة بمحافظة أسيوط قبل أكثر من 11 عاما، ليلة من ليالي الشتاء القاسية، السماء ممتلئة بالغيوم والرياح تعصف بالأشجار يمينا ويسارا، البرد يشتد والصغار يرتجفون، قرر الأب إشعال النار في بعض قطع الأخشاب الصغيرة حتى يعم الدفئ بالمكان، جلب وعاءً صغيرًا معتقدًا أنّ به جاز، ومع محاولة سكبه لإشعال النيران كان الوعاء ممتلئًا بالبنزين بدلًا من الجاز، تلك اللحظة كان الصغير يقف بجوار والده يترقبه بصمت، اشتعلت النيران بقوة واختارت الفتى ليكون أحد ضحاياها.
إسماعيل علي عبد الحميد، فتى في السادسة عشر من عمره، تعرض لحادث حريق تجاوز ال٨٠% التهم جسده بالكامل، لكن لطف الله كان كفيلا أن ينجيه من الموت المحقق، 5 سنوات فقط كانو عمر إسماعيل أثناء الحادثة، شهورا عدة قضاها بين جنبات المستشفيات عشرات العمليات التي فعلها من أجل إنقاذه، وبرغم صغر سنه حينها لكن إصراره وتمسكه بالحياة جعله يتحدى الموت.
بعد مرحله الخطر التي تجاوزها الفتى قرر العوده الى حياته الطبيعية، بالرغم من أن ملامحه تبدلت من حال إلى حال، فمن الممكن أن نقول أنها اختفت تمامًا التهمت النيران معظمها، لكن الصغير قرر مواجهة الجميع والعودة إلى المدرسة بشكله الجديد، المحاولة في البداية كانت صادمة له، خاصة وأنّ رفاقه بدؤا يتغيرون معه فلم يعودوا كسابق عهدهم.
"أنا بحب يبقى عندي أصحاب كتير بس معرفش إنهم مش هيتقبلوا شكلي" ظل الفتى فترة كبيرة يحاول أن يتقرب لرفاقه من جديد خاصة وأن قليل منهم من كان يتعامل معه فقط، يوما بعد يوم بدأ الرفاق يذهبون إليه، في البداية كانت تتعالى أصوات الضحكات والسخرية عليه من قبلهم، لكن "إسماعيل" هو الآخر قرر أن يتقبل أي شئ بالرغم من صغر سنة، في الجانب الآخر كان هناك شخصًا يحمّل نفسه مسؤولية ماحدث كل يوم، يبكي دائمًا أثناء النظر إليه، فلولاه ما تعرض صغيره لتلك الحادثة.
بالرغم من الحرارة المرتفعة في الغرفة التي كنا نتحدث بها، إلا أن "إسماعيل" كان يرتدي كابًا "طاقية" منذ وصولة وحتى بعد مرور دقائق عدة، لنكتشف فيما بعد أن وراء تلك "الطاقية" رحلة كفاح، فكانت بمثابة الرفيق الحقيقي لإسماعيل، خاصة وأنه بدونها لا يمكن أن يخرج من غرفته، 11عاما وهو يرتديها لا ينزعها نهائيا فبات حلمه الوحيد التخلي عنها، لن يتركها لكنّها فقط ستغير موضعها إلى داخل إحدى صناديق ذكرياته الخاصة لكنًه يأمل أن يسير في الشارع بدونها، "مينفعش أتخلى عنها دي عشرة 11 سنة" على حد قول الفتى.
تدرّج الفتى في المراحل التعليمية، خرج ليعمل برفقة شقيقه وأبناء عمومته، يترددّ بين الحين والآخر إلى مركز الحروق، الذين ساهموا في محاولة منهم لإعادة شعر الفتى، عسى أن ينزع الكاب الذي لاصقه في رحلة حياته، رضي بقضاء ربه بالرغم من مرور سنوات على الحادث إلّا أنّه تأقلم على الحال محاولًا أن يستمر في استكمال طريقه الذي يواجه فيه بعض الصعوبات، لكن مع إصراره على مواصلة الطريق يحاول إزالة العقبات التي تعثره.
كان يتحدث بتلقائية وحب، يبدو عليه صفاء القلب، متقبل لحالته بكل ترحاب لم يعد يهاب نظرات البعض له في الشارع، فقد اعتادها لكنّه مؤمن أنّ جمال روحه طغت على أي شيئ آخر، وهكذا يستكمل مشوار حياته.
تابعوا أخبار بلدنا اليوم على Google News
