سنوات عديدة من الاحتكار والتفرد بالسلطة والعبث بسياسات بلد بأكمله من أجل المصلحة الشخصية، السحابة السوداء الذي القى بظلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأت تزداد لتكون شبحاً يطارده بقوة، ومع تخلي رفاق الدرب عنه واحدا تلو الآخر، ليدق ناقوس الخطر منذرا باقتراب نهايته السياسية.
فمع السياسات القمعية التي يمارسها الرئيس التركي، ومحاولاته السيطرة على مختلف مجالات الحياة في البلاد، بما في ذلك السياسة والقضاء والاستخبارات والاقتصاد، فإن رفاقه ومن أسسوا معه حزب العدالة والتنمية، بدأوا خطواتهم الفعلية للانشقاق وعنه، مما قد يعني نهاية مشواره السياسي قريبا.
وذكرت تقارير صحفية، أن وزير المالية التركي السابق علي باباجان، يعمل على تأسيس حزب جديد، بمساعدة الرئيس السابق عبد الله غول.
ونقلت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، عن المدير السابق لوكالة الأناضول للأنباء، كمال أوزتورك، قوله إن باباجان التقى مع أردوغان في الأسابيع الأخيرة لإبلاغه بصفة شخصية بأن حزبه على وشك الانطلاق، وبأنه سيستقيل من حزب العدالة والتنمية.
وبحسب ما نقل موقع "أحوال" التركي، فإن مصادر مجلة شبيغل في أنقرة تشير إلى أن حزب باباجان قد يتم تأسيسه في شهر يوليو الجاري.
وسبق هذين الاسمين المهمين، وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، الذي كان من المقربين لأردوغان لسنوات، قبل أن يبدأ بالإفصاح عن معارضته لسياساته علنا في الآونة الأخيرة، والتي كان آخرها انتقاداته لـ"سياسات العائلة"، بعد أن عين أردوغان صهره بيرات البيرق وزيرا للمالية.
وقال داوود أوغلو: "أذكر ذلك كما ذكرته سابقا.. يجب فصل العلاقات العائلية عن هيكل الدولة تماما... يجب ألا تكون هناك قرابة من الدرجة الأولى في التسلسل الهرمي للدولة".
ويزداد الجدل بشأن البيرق خاصة مع انهيار سعر الليرة التركية، بفعل التدخل السياسي في عجلة الاقتصاد وسياسات البنك المركزي، مما دفع مستثمرين أجانب لسحب استثماراتهم خشية تعرض مصالحهم للخطر.
أردوغان يضع نهاية العدالة والتنمية
هناك مجموعة من المؤشرات التي تشير بوضوح إلى قرب نهاية أردوغان السياسية، أول هذه المؤشرات هو خسارة حزب العدالة والتنمية، الذي يقوده أردوغان البلديات الكبرى في تركيا، لا سيما في جولة الإعادة في إسطنبول.
أما المؤشر الثاني، فهو أن معظم مؤسسي حزب العدالة والتنمية لم يعودوا في صف أردوغان، فحديثهم يشير إلى أنهم يعتبرون أنه خطف الحزب، وأن الفرصة المتاحة للعودة إلى الحياة السياسية بقوة ستكون من بوابة حزب جديد.
ولا نغفل أن باباجان يملك "شعبية كبيرة ودهاءا اقتصاديا"، بجانب امتلاكه الكثير من الأوراق المهمة جدا لتشكيل حزب، يمثل النهاية السياسية لحزب العدالة والتنمية بالصيغة الأردوغانية.
بالاضافة إلى أنه رجل اقتصادي بحت، وله علاقات متينة مع المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد،
وفيما يتعلق بالمؤشر الثالث، وهو الأهم، فإن تقارير صحفية ذكرت أن نحو 100 نائب رحبوا بفكرة إنشاء حزب جديد.
وفي حال تم إنشاء حزب جديد وانضم إليه بالفعل هذا العدد الكبير من النواب، فإنهم سيشكلون كتلة برلمانية قوية، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية سيفقد أغلبيته داخل البرلمان، ولن يستطيع تمرير القرارات التي يريدها أردوغان.
وعلى الجهة الآخرى، في حال خسر حزب أردوغان الأغلبية داخل البرلمان، فإن هذا قد يعني فتح المجال أمام مسار سياسي جديد، والدعوة لاستفتاء للتخلص من النظام الرئاسي الجديد الذي جاء به أردوغان.
خطوات "شيطانية" من أردوغان
وحول رد فعل أردوغان، فمن المستبعد أن يقف متفرجا ريثما تتم الإطاحة به، لإمتلاكه سلطة كبيرة على الجيش، خاصة بعد الانقلاب، وأصبح يتحكم بنسبة كبيرة في قيادات الجيش والمخابرات، ولديه أيضا صلاحيات أبعد من الحزب والحكومة، قد يستخدمها لمواجهة عملية التمرد والانشقاق داخل الحزب.
ولعل الفكرة الأخطر، هي لجوء أردوغان إلى مجموعات مسلحة من الموالين له، تقوم بدور "البلطجية" لإخافة معارضيه.
وفي هذا الشأن، سبق لبعض الموالين لحزب العدالة أن هاجموا رئيس حزب الشعب الجمهوري، وقاموا أكثر من مرة بتهديد معارضين لأردوغان، وغالبا لا تتم محاكمة هؤلاء، أو يتعرضون لمحاكمات صورية.
سيناريوهات "الإطاحة"
هناك مجموعة من السيناريوهات، التي قد تشكل الحل لدى الأتراك لتخليصهم من حكم أردوغان السلطوي، ما حدث في إسطنبول يعطي بارقة أمل من خلال مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، الذي استطاع أن يكسب ود فئة كبيرة من الأتراك في مختلف المجالات، فهو شخصية محبوبة، وفي حال رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فسيشكل خصما قويا لأردوغان.
من المؤكد أن إمام أوغلو، سيكون قادرا على جمع باقي أطياف المعارضة، والتقرب من المتمردين داخل حزب العدالة والتنمية، وأن يخلق تحالفا مع أحزاب تركية، وبالتالي فهو قادر على تقديم بديل مقنع للأتراك، ليجد أردوغان نفسه مغلوبا في الانتخابات الرئاسية.
أما السيناريو الثاني، فهو أن تستمر عمليات الانشقاق داخل حزب العدالة والتنمية، ليصبح أردوغان محاصرا وضعيفا.
ومع اختلاف الخطوات وتباين الآراء بشأن الفترة الزمنية التي قد تستغرقها عملية الإطاحة السياسية بأردوغان، فإن جميع المؤشرات توحي بالاقتراب منها، خاصة إذا استمر الرئيس التركي في نهجه الاستبدادي بالحكم.