شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي القائد الأعلى للقوات المسلحة، اليوم الندوة التثقيفية الثلاثين: "شهداؤنا في قلوبنا" التي تقيمها القوات المسلحة تزامنا مع احتفال مصر والقوات المسلحة بيوم الشهيد، تكريم عدد من أسماء الشهداء بمنحهم عدد من الأوناط والأوسمة والنياشين.
جاء ذلك بحضور عدد كبير من الوزراء والمسئولين والمحافظين وأعضاء مجلس النواب وقادة القوات المسلحة والشرطة، بالإضافة إلى أهالي وأسر شهداء القوات المسلحة والشرطة إلى مركز المنارة الدولي بالتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة.
وألقى الرئيس كلمة في ختام الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد وجاء نصها كالتالي:
"اسمحوا لي في البداية أن أتوجه لكم جميعًا – وإلى شعب مصر العظيم – بكل التحية والتقدير والاحترام.. كل عام وأنتم بخير..ومصر في سلام وأمان.. دومًا بإذن الله.
إن يوم الشهيد.. الذي نحييه اليوم.. ليس مناسبة لتجديد الأحزان.. وإنما لتكريم أبناء مخلصين.. ضحوا من أجل هذا الوطن الخالد.. دون انتظار مقابل.
قدموا تضحيات جسام.. لا يدرك حجمها الهائل.. إلا من قدم لمصر شهيدًا أو مصابًا.. وإلا من روى دمه وعرقه.. تراب هذا الوطن.. ليستمر نابضًا بالحياة.. ومثمرًا بالخير والسلام والنماء.
إن هذا اليوم.. يوم استشهاد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض.. ويوم استشهاد أي من أبطالنا العظام.. من رجال القوات المسلحة والشرطة البواسل.. أو أي مصري ومصرية على اتساع الوطن.. هو يومٌ نُكرّم فيه.. ليس فقط أرواح من استشهدوا منا.. وإنما أيضًا عطاء الصابرين الصامدين.. الذين يحملون مسئولية هذا الوطن.. ويَصِلون الليل بالنهار.. ليَحيَى المصريون.. في سلام وأمان واستقرار.
يومٌ.. نتوقف فيه معًا.. لنلقي نظرة شاملة على مسيرتنا.. وعلى مجمل أوضاعنا.
إن تقديمكم لأرواح أبنائكم من أجل مصر.. ليس غريبًا على شعب مثلكم.. له في البطولة باع كبير.. فمصر كانت دومًا مقبرة الغزاة.. وهي الآن حائط الصد المنيع.. الذي وقف ولا يزال.. أمام موجات الخطر والإرهاب.. التي طالت منطقتنا بأسرها.. فدمرتها.. وأصابت الملايين من سكانها.. بالخوف والتشريد والقتل.. وضياع المستقبل.
وبرغم تلك الظروف الصعبة.. والثمن الهائل الذي دفعته شعوب المنطقة.. بشريًا وماديًا.. فإنني أقول لكم اليوم.. إن شعب مصر أثبت من جديد.. أنه أقوى إرادة مما تصور أعداؤه.. وأنه في رباط وثيق.. مع دولته ومؤسساتها.. ليشكلوا معًا كتلة واحدة.. عصيةً بإذن الله على الانكسار.
فعلى أسوار هذا البلد الحصينة.. تحطمت موجات الإرهاب والشر.
وأمام كفاءة وصلابة جيشها وشرطتها.. انكسرت إرادة المعتدين.. وضَعُفَت شوكتهم.
لقد نفذت القوات المسلحة والشرطة.. العملية الشاملة.. التي حققت نجاحات ضخمة ومؤثرة.. استطاع من خلالها الجيش والشرطة تأمين مصر وأهلها، وتضييق نطاق الخطر، وحصار العناصر الإرهابية والقضاء على أعداد كبيرة منهم مع معداتهم وأسلحتهم وشبكات إمدادهم ودعمهم، وذلك بالرغم من صعوبة الحروب غير النظامية، التي لم تُرهب أبناء المصريين في القوات المسلحة والشرطة الذين استعانوا على الإرهاب وشره بإيمانهم بالله، وبيقينهم في أنهم على الحق المبين، وبحُسن تدريبهم، وأدائهم العسكري الراقي.
وأَعلَمْ أنّكم.. أبناء الشعب المصري البطل.. تدركون جيدًا أن لكل معركة ضحاياها.. ممن ارتضوا تقديم أرواحهم فداءً لكم.
ومِن بين هؤلاء.. مَن استُشهدوا في الحادث الإرهابي بالعريش.. يوم السبت ١٦ فبراير الماضي.. وكذلك من استشهدوا.. في الحادث الإرهابي بمنطقة الأزهر.. يوم الإثنين ١٨ فبراير الماضي.. فتحية تقدير واحترام نتوجه بها اليوم لأرواحهم الطاهرة.
إننا إذ نستمر في مواجهة الإرهاب.. ونثق في قدرتنا بإذن الله.. على النجاح في هزيمة خطره.. فلا يمكن أن نقبل أن يحصد الإهمال أرواح مواطنين أبرياء مِنّا.
لا يمكن أن نقبل أن تتسبب أخطاء فردية في مقتل العشرات من المواطنين، كما حدث في محطة مصر يوم الأربعاء ٢٧ فبراير الماضي، الذين نتقدم بخالص التعازي والمواساة لأسرهم.
ودعوني أصارحكم.. بأننا كمصريين.. يجب أن نقف وقفة صادقة مع النفس، ندرك فيها أن خطر الإهمال لا يقل عن خطر الإرهاب، وأن الفساد وانعدام الكفاءة والضمير يحصد مِنّا ليس فقط الأرواح، وإنما كذلك الأمل في المستقبل الأفضل الذي نعمل جميعًا من أجل تحقيقه.
إنني أحرص دائمًا على مصارحتكم بالحقائق والوقائع.. إيمانًا بأهمية أن يعرف الشعب حقيقة ما يجري من جهود ضخمة للإصلاح الحقيقي.. ولكي يعرف الجميع أن الدولة تسابق الزمن.. وتبذل أقصى جهد لتوفير الموارد المالية اللازمة للإصلاح والتطوير.. وهذا الإصلاح نعلم أنه صعب.. ويتكلف الكثير.. ولكن المضي فيه بإصرار هو الطريق الوحيد لتقديم خدمات حديثة ومتقدمة للمواطنين.
ونحن إذ نمضي في طريقنا.. نُدركُ جيدًا.. أن نجاحات مصر في الداخل والخارج.. وتعزيز مكانتها.. وصمودها في وجه المحن والشدائد.. بل وتقدمها للأمام بخطىً ثابتة وواثقة.. لا يَرضى عنه البعض الذي يسارع بتسديد سهامه المسمومة نحو صدورنا، هادفًا إلى وقف تقدمنا، وعرقلة خطواتنا.
لقد قُلتُ لَكُم مِرارًا.. إنني لا أخشى على مصر من أخطار الخارج وتحدياته ما بقيتم في الداخل جبهة متماسكة، ويدًا واحدة قوية وراسخة، ولقد أظهرت لكم الأيام الماضية أنه عندما استعصى على مَن يريدون بنا السوء إلحاق الأذى بمصر من الخارج، فإنهم يعمدون إلى الحرب النفسية وإلى حروب الشائعات، بهدف تكوين صورة ذهنية غير حقيقة تستقر في وعي المواطن.. لتحبطه.. وتهدم ثقته في نفسه.. وفي دولته وقيادته.
فَلَهُم.. وللجميع أقول.. والله على ما أقول شهيد:
إن الغاية الوحيدة.. التي تحكم جميع تصرفات الدولة وسياساتها.. من رئيس الجمهورية إلى جميع مؤسسات الدولة.. هي مصالح المواطن المصري أولًا وأخيرًا.. أمنه.. وسلامته.. ومستقبله.
نعمل من أجل تحقيق نهضة حقيقية.. يكون لمصر فيها شأن كبير بين الأمم.. وتنتقل من مصاف الدول النامية إلى الدول المتقدمة.. بإذن الله.
ويحظى فيها الإنسان المصري.. بأفضل مستوى تعليم.. وأرقى رعاية صحية وطبية.. وأحدث مقومات البنية الأساسية.. من كهرباء ومياه وطرق ومواصلات.. وخدمات حكومية متطورة ومُيسرة.. ليشعر المواطن بآدميته وكرامته.
أقول لكم.. إنّ برنامج الإصلاح الاقتصادي.. وجميع ما يتم تنفيذه من مشروعات قومية كبرى.. كلها.. وبلا استثناء.. تستهدف أولًا وقبل أي شيء.. تحسين جودة الحياة للشعب المصري بأكمله.. وتوفير الموارد المالية الضرورية التي بدونها لا تستطيع الدولة تحسين الخدمات العامة.. التي طالما اشتكى منها المواطنون وطالبوا بتحسين مستواها.
وأقول للجميع بكلمات واضحة:
إنّ كثرة الشائعات لن تؤثر في شعب مصر الواعي.
ولن تُضعف جميع الحروب النفسية عزيمته الصلبة.
لن تخدعه الأكاذيب.. ولن يهزمه الباطل.
سيظل شعبنا واعيًا تمام الوعي.. بالحق من الزيف.. وستظل بصيرته.. التي صقلتها حضارة آلاف السنين.. قادرة على التفريق.. بين الصدق والخداع.
إن الشهر الماضي.. كما جاء لنا برياح حزينة ومؤلمة.. فإنه شهد افتخاركم بوطنكم.. وهو يستعيد مكانته الدولية.
فلا يخفى عليكم.. كيف كان وضعُ مصر على الساحة الدولية منذ سنواتٍ مَضَت.. وكيف أصبح الآن.
فما بين رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي.. بعد أن كانت عضويتُها معلقة به.. وقيامها بدورها الطبيعي في القارة الأفريقية.. يدًا بيد مع أشقائنا الأفارقة.. الذين نتشارك معهم وحدة الهدف والمصير.
ثم استضافتنا.. لأول وأكبر تجمع من نوعه على الإطلاق بشرم الشيخ.. بين الدول العربية والأوروبية.. وبحضور الغالبية العظمى من قادة هذه الدول.. الذين أتوا إلى مصر.. لنضع أسسًا جديدة لتعاون عربي أوروبي.. يقوم على الاحترام المتبادل والندية والشراكة الحقيقية.
ما بين تلك الأدوار النشطة.. على الساحات الأفريقية والعربية والأوروبية.. فقد عادت شمسُ مصر للسُطوع، وليعلم الآن كُلُّ مصري أن صوتَ بلادِه باتَ مسموعًا.
وأنها تمضي على الطريق الصحيح.. نحو مكانة راسخة ومؤثرة.. في الإقليم والعالم.. لتعود بالخير والنفع.. على كل المصريين.
وسنظل جميعًا بإذن الله.. ثوابتنا راسخة لا تتزعزع.. انتماؤنا ثابت كثبات الجبال.. دفاعنا عن الوطن لا يلين.. نتصدى لأعدائه بالفكر والرأي.. قرارنا حر.. نخلص في كلماتنا.. يحكمنا الضمير والوعي المستنير.. نتماسك ونتمسك بوطننا وترابه لا نفرط فيه.. نشد من أزر بعضنا البعض ونساند قواتنا المسلحة وشرطتنا.. ضد أعداء الوطن ومن خانه أو باعه والمفسدين.. نرد الجَميل لأرواح شهدائنا وأبطالنا.. وفاءً وعرفانًا.. لهم ولهذا الوطن العزيز.. الذي يستحق منّا كل التضحية.. وكل الإخلاص والصبر".