"معامل الموت"| أخطاء التحاليل الطبية كارثية.. والأطباء: "معظمها بدون ترخيص"

الاربعاء 20 فبراير 2019 | 01:20 مساءً
كتب : مصطفى الخطيب

انتشرت معامل التحاليل الطبية بنسبة كبيرة فى الفترة الماضية؛ مما أدى إلى وجود فوضى فيها بسبب الأخطاء المتكررة التى تحدث داخل جزء ليس بالقليل منها بسبب النتائج غير الدقيقة.

الدكتورة إيناس عبد الحليم، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، سبق وأن تقدمت بطلب إحاطة إلى الدكتور على عبد العال، رئيس البرلمان، موجهًا إلى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، والدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، بشأن إمبراطورية معامل التحاليل الطبية التى خرجت عن سيطرة المسئولين فى وزارتها، مشيرة إلى أن نتائج تحاليل العينات أغلبها غير دقيقة؛ مما يضع الأطباء فى حيرة بدلًا من مساعدة المرضى بالعلاج المناسب.

نسبة الخطأ فى المعامل الطبية أثارت جدلا واهتماما كبيرا بين النواب، حيث يرى البعض منهم أنها تصل إلى 99% فى النتائج التى تعطيها، بيما يرى آخرون أنها لا تصل إلى 70%، وأن ما يحدث ليست إلا "أخطاء أجهزة" وغير مقصودة، وأن الحل يكمن فى الذهاب إلى من يحمل سمعة طيبة منها.

القانون الأزلي

وبعد الضجة العارمة التى حدثت فى الآونة الأخيرة؛ بحثنا فى القانون المنظم لعمل معامل التحاليل الطيبة حيث وجدناه موضوعا فى العام 1954 برقم رقم 367، أى منذ 65 سنة، ولم يتم تعديله إلى الآن، وهو يتيح لخريجى كليات "الطب البيطرى، والزراعة، والعلوم، والصيدلة، والطب البشرى" فتح المعامل، كما يخلط بين معامل التشخيص الطبى ومعامل اللقاح والأمصال ومعامل الأبحاث العلمية.

العقوبة فى هذا القانون تقتصر على غرامة 200 جنيه فقط فى حال فتح معمل دون ترخيص؛ مما سهل من انتشارها بشكل كبير، أدى لفوضى عارمة.

حالات تروى مأساتها

وروى لنا عدد من الأشخاص مآسيهم داخل معامل التحاليل، حيث روى أحد الشباب، رفض ذكر اسمه، قائلا: "إنه منذ فترة شعر بآلام فذهب إلى إحدى العيادات الطبية فطلب منه الطبيب بها إجراء تحاليل بأحد المعامل ليتضح من نتائجها أنه مصاب بفيروس «سى» ما أدى لإصابته بحالة نفسية سيئة، ولكن طبيب العيادة شك فى نتيجة التحليل وطلب منه إجراء تحليل آخر فى معمل مختلف؛ ليتبين أنه غير مصاب بالفيروس، وهو ما فسره الطبيب بأن التحليل الأول- الذى أثبت الإصابة- ربما يكون قد اختلط مع عينة شخص مصاب بالفعل، نتيجة عدم تطهير الأجهزة ومعايرتها بشكل دورى ومستمر.

وقالت إحدى الحالات أيضا إنها كانت مصابة بآلام فى الحنجرة وذهبت إلى الطبيب الذى طلب منها إجراء بعض التحاليل، والتى بينت أنها مصابة بورم فى الحنجرة، وعندما ذهبت للطبيب شكَّ فى نتائج التحاليل وطلب منها إجراء آخر جديد، وتبين من نتائجه أنها تحتاج لـ"إزالة اللوز" على الرغم من أنها أجرت التحليل فى المرة الأولى بأحد المعامل الشهورة.

دور الانعقاد الثانى

ليلى أبو إسماعيل عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، تقدمت بمشروع قانون التحاليل الطبية، لرئيس المجلس منذ دور الانعقاد الثانى، مؤكدة أنه لم تتم مناقشته حتى الآن؛ بسبب وجود قوانين كثيرة داخل البرلمان.

وأوضحت أن القانون ذو طبيعة خاصة جدا، ويحتاج إلى حوار مجتمعى؛ لأنه يشمل أكثر من جهة ونقابة مختصة، مشيرة إلى أن سبب تقدمها بمشروع القانون؛ هو أن الحالى عفا عليه الزمن، خاصة أنه منذ عام 1954 ولم تجر عليه أى تعديلات ولا يتناسب مع الفترة الحالية، مؤكدة أن هناك فوضى عارمة فى معامل التحاليل وانتشارها بشكل كبير، ويجب أن يكون هناك تقنين لها.

وأضافت أن مشروع القانون الذى تقدمت به، ينص على أنه لا يجوز للطبيب العادى أن يأخذ رخصة لفتح معمل، ويجب أن يكون طبيبا متخصصا فى المعامل، حيث أن القديم لم يكن يحدد من هو المخوَّل بفتح معمل، مشيرة إلى أن العقوبة بالقانون القديم 200 جنيه فقط وهذا شىء غير معقول، أدى إلى انتشار معامل بئر السلم والفوضى بها بشكل كبير، ونتائج الأخطاء زادت بشكل كبير سواء فى الصغيرة منها والكبيرة أيضا، خاصة أن تلك النتائج يعتمد عليها الطبيب فى التشخيص، وعلى ضوئها يحدد العلاج المناسب.

لا رقابة

وأشارت إلى عدم وجود رقابة حقيقية على هذه المعامل؛ مما أدى إلى انتشار الفوضى العارمة وزيادة الأخطاء؛ بسبب عدم تخصص من يعملون داخلها، لافتة إلى أنهم يتعاملون مع أرواح الناس؛ لذا يجب التعامل معها بحرص ودقة، ونتمنى صدور القانون فى دور الانعقاد الثانى.

بدون خبرة

ومن جانبها قالت الدكتورة إيناس عبدالحليم، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن إمبراطورية معامل التحاليل الطبية، خرجت عن سيطرة المسئولين في وزارة الصحة، وهو ما دفعها إلى تقديم مشروع قانون التحاليل الطبية إلى لجنة الصحة بمجلس النواب، لمناقشته في دور الانعقاد الحالي.

وأضافت وكيل اللجنة، في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، إن حياة المرضى لا يجب أن تكون مصدر للرزق، مشيرة إلى أن القانون الجديد سيصلح أخطاء قانون 54 من حيث تحديد من يحق له فتح معمل تحاليل، ومن يحق له كتابة تقرير طبي، بالإضافة إلى توحيد جهة إصدار التراخيص.

وأوضحت النائبة، أن بعض معامل التحاليل تكون تحت إشراف طبيب يعطي الاسم للمعمل ولكن لا يديرها ومن يعمل بها فنيين وخريجي معاهد علوم صحية، ليس لديهم خبرة ودراسة خريجي كليات الطب، وبالتالي فإن نتائج التحاليل تختلف من معمل لآخر وهو ما يصعب عمل الطبيب من اتخاذ قرار العلاج المناسب بإجراء جراحة عاجلة أو بالعلاج الطبي للمرضى.

مخالفة للقانون

وأشارت، وكيل اللجنة، أن قوانين الخمسينيات بها أخطاء ويجب تعديلهاـ حيث أعطت الحق لخريجي الزراعة والصيدلة والعلوم بفتح معامل ولكن ليست معامل طبية بل معامل تربة، فخريجي الطب البيطري والصيدلة في المحافظات كان يُسمح لهم بإنشاء صيدليات لتقديم أدوية الطب البيطري ولكن وبالمخالفة للقانون أصبحوا يتوسعوا ويقوموا بصرف وبيع أدوية بشرية.

غير مطابقة للمواصفات

وأوضحت النائبة، أن معظم معامل التحاليل غير مطابقة للمواصفات المحلية أو العالمية، وخلت من طبيب متخصص في التحاليل، بينما يعمل بها أشخاص ليسوا أطباء ولا ممرضين ولا كيميائيين، فهناك كيميائيون يتعدون حدود الرخصة التي حصلوا عليها بإنشاء معمل مايكرو بيولوجي "متخصص في تحاليل البول والبراز والمثانة فقط"، لكنهم وبالمخالفة للقانون، يجروا كافة التحاليل، رغم عدم أهليتهم ومن ثم تقع الأخطاء.

تحاليل الأورام

ولفتت إن بعض أساتذة الأورام أكدوا أن بعض معامل التحاليل في مصر أظهرت نتائج تحاليل بعض المرضى بأنهم يعانوا من أورام سرطانية في حين أن نفس المرضى أعادوا التحاليل في معامل أخرى أثبتت عكس ذلك، مشيرة إلى أن هذا الخطأ قد يؤدي إلى نتائج كارثية تضر المريض.

وأشارت وكيل لجنة الصحة، أن كل معامل التحاليل على مستوى العالم بها نسبة خطأ تصل لنحو 25%، ولا يجب أن تزيد نسبة الخطأ عن هذا المعدل وهو ما نراه في أمريكا، ولكن في مصر لا توجد إحصائية عن نسب الأخطاء، ولكن المؤكد أن هذه النسب كبيرة للغاية، وقد تتسبب في حيرة الأطباء أنفسهم خلال اتخاذ قرار العلاج المناسب للمريض.

قانون معامل التحاليل يحتاج إلى تعديل

ومن جانبه قال الدكتور عصام القاضى عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن هناك أخطاء فى نتائج تحاليل المعامل الطبية بلا شك، ولأن تجهيز العينة وتحضيرها وقراءتها أمر مهم جدا؛ يجب أن يكون هناك تركيز من قبل المتخصص فى إعداد نتائج التحاليل، لأن هناك أخطاء بالفعل، ولكن لا أستطيع أن أقول إنها ظاهرة.

التعديل

وأوضح "القاضى" أن الرقابة على معامل التحاليل وخاصة فى المستشفيات الحكومية تحتاج إلى رقابة شديد، لافتا إلى أن قانون معامل التحاليل يحتاج إلى تعديل وخاصة أن طارئا جدَ على المهنة وانتشرت أمراض كثيرة فيجب أن يكون هناك تعديل للقانون، وخاصة أن التشريعات جاهزة داخل لجنة الصحة بالبرلمان، ولا بد من تغليظ العقوبات على المعامل لأن الطبيب يأخذ رخصة المعمل ولا يكون متواجدا داخله، وهذه كارثة حيث يجب أن يكون هناك إشراف منه يتضمن وجوده به.

وأشار إلى أنه يجوز أن يعمل خريج العلوم، داخل معامل التحاليل، بإشراف الطبيب، خاصة أنه توجد لديه خبرة ويتعامل مع العينات بشكل جيد جدا.

غير مؤهلين

قال الدكتور بهاء طاهر، أمين عام النقابة العامة للأطباء، إن قانون المعامل الطبية الصادر عام 54 سمح لغير الأطباء من خريجي كلية الزراعة والطب البيطري، بإنشاء وفتح معامل تحاليل طبية، وممارسة مهنة طبيب تحاليل طبية، وهم غير مؤهلين.

وأضاف "طاهر" في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، أن هناك تضارب شديد في نتائج العينات بمعامل التحاليل، وهي ما يؤدي إلى تضارب التشخيص ويصعب على الأطباء تحديد التشخيص المناسب للمرض وكتابة العلاج المناسب للمريض.

وأكد "أمين عام النقابة" أن نقابة الأطباء طالبت بتعديل قانون المعامل الطبية، بإلزام أي معمل بالعمل تحت إشراف طبيب بشري، ولكن تعليمات النقابة لازالت حبيسة الأدراج، مؤكدًا أن الأمر ليس مجرد عينة يتم وضعها في جهاز تحليل، فتحاليل التربة ليست كتحليل جسم بشري، ويكمن الاختلاف في طريقة أخذ العينة، التي تحتاج إلى ضوابط معينة، وكل فترة هذه العينات تحتاج إلى إعادة تحليل مرة أخرى.

وأوضح "طاهر"، أن نقابة الأطباء أخذت حكم تاريخي من المحكمة الإدارية العليا دائرة المبادئ، ينص على أن لا تنفذ التحاليل التي تجرى على جسم الإنسان إلا بإشراف طبيب بشري باعتبارها جزء من عمل الطبيب ولا يجوز لغيره القيام به، مؤكدًا على ضرورة عدم تأثير أصحاب المصالح على المنظومة الصحية.

عمل غير الأطباء كارثة

قال الدكتور حسين خيري نقيب الأطباء، إن العمل المهني يمر بمشاكل عديدة، فنقابة الأطباء طالبت مرارًا بحل مشاكل القطاع الصحي، ولكن لا توجد استجابة ولم يكترث أحد لمطالب الأطباء.

وأضاف "النقيب" في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، إن ممارسة العمل بمجال التحاليل الطبية لابد أن يقوم بها خريجي كليات الطب فقط وليس عمل خريجي كليات العلوم والزراعة والصيدلة بالمجال.

وأكد "خيري" أن نقابة الأطباء طالبت بتعديل قانون المعامل الطبية الصادرعام 54 وعدم السماح لخريجي كليات الزراعة والعلوم والصيدلة من العمل بمجال التحاليل ولكن لم يتم تفيذ المطلب، فمعامل التحاليل لاتزال تعمل بخريجي الزاعة والصيدلة والعلوم، وهو ما سيترتب عليه نتائج كارثية.

بدون ترخيص

قال الدكتور طارق كامل، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن هناك قانون ينظم مهنة الطب والأخصائي الصحي، يمنح خريجي كليات العلوم والصيدلة والزراعة الحق في فتح معامل طبية بشرط أن تخضع هذه المعامل لإشراف طبيب بشري.

وأشار عضو مجلس الأطباء، في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، إن بعض معامل التحاليل الطبية تجرى التحاليل على المرضى وهي غير مرخصة ، ونقابة الأطباء ليس لها دور، فهي لا تملك سلطة ضبطية قضائية ومن لديها سلطة التفتيش على المعامل هي وزارة الصحة من خلال التفتيش الدوري على المعامل بحيث يتم التأكد من التراخيص والأوراق والاشتراطات الموضوعة لفتح أي معمل.

وعن نسب الأخطاء الموجودة بالمعامل، ذكر أن أي معمل تحاليل يديره طبيب أو خريج كلية العلوم قد يحدث ب أخطاء ولكن يجب أن لا تكون نسب الأخطاء عالية حتى لا تحدث نتائج كارثية من حيث تشخيص مرض خاطئ، خاصة أن هناك أمراض تعتمد على التحاليل الطبية وتثير الشك فيها، والطبيب وحده هو من يحدد وجود المرض من عدمه.

تضارب فى النتائج

قال الدكتور محمد فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، إن هناك أكثر من جهة تسجل مخاطر إنشاء معامل التحاليل الطبية، وهذه الجهات سمحت لغير خريجي كليات الطب بممارسة مهنة طبيب تحاليل، وهذه المعامل تعمل بموافقة وزارة الصحة، مشيرًا إلى أن التعدد في جهات إصدار التراخيص والسماح لغير الأطباء بممارسة المهنة جعل هناك تضارب في نتائج عينات التحاليل.

وأضاف "رئيس المركز" في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، أن أسعار التحاليل الطبية تختلف من معمل لآخر فهناك معامل أسعار التحليل بها تصل لـ نحو 600 جنيه ونفس التحليل في معمل آخر يصل تكلفته إلى 40 جنيه.

وأشار "فؤاد" إن بعض النقابات المهنية تمنح فرص عمل لأعضائها من خلال منحهم تصاريح مزاولة المهنة غير مكترثين بمصلحة المريض مطالبًا بضرورة توحيد جهات إصدار تصاريح مزاولة المهنة وكذلك إعداد قانون جديد يحدد من له حق مزاولة مهنة طبيب تحاليل بشرية.

اقرأ أيضا