صراخ وعويل، هتافات وصل صداها عنان السماء، أم سقطت مغشيّا عليها، وزوجة لم تكف عن الصراخ، وصغارًا تعلقوا بالنعش رافضين رحيله، مشهد بات طبيعيّا على أذهاننا، جنازة تلو الأخرى، لم يخلو شارع من شوارع هذا الوطن إلّا ورفع به الحداد، أمس، استشهد الشباب على الحدود يدافعون عن الأرض، واليوم استشهد غيرهم في قلب المدينة ،منذ ساعات قليلة لحق 3 آخرون بركب زملائهم الذين سبقوهم، رحلوا تاركين خلفهم أمهات مكلومة فقدوا فلذات أكبادهم للتو، وزوجات ترملت بعد رحيل شريك حياتهم، وأبناء أصبحوا أيتام في الصغر.
"أبو اليزيد بن امبابة البطل"
خرج من منزله ودّع صغاره الثلاثة، على باب المنزل أخبرهم أنّه سيعود حاملًا معه جميع طلباتهم، لم يعلم أنّ هذا سيكون الوداع الآخير، أطفالًا لم يتجاوز عمر أكبرهم السادسة ، أصبح هو الآن رجل المنزل، خرج "أبو اليزيد" متوجها إلى مقر عمله بقسم الدرب الأحمر، فوجئ بورود مأمورية له برفقة عدد من ضباط الأمن الوطني والأمن العام وبعضًا من زملائه بالقسم، للقبض على الإرهابي الذي تسبب في تفجير مسجد الاستقامة بالجيزة، والتي وردت معلومات تفيد بإقامته في منطقة الحكيكيين بالدرب الأحمر، وعلى الفور خرج الآمين ورفاقه للحاق بالإرهابي.
دقائق معدودة انتظرتها القوة خارج منزل الإرهابي وفور خروجه، لم ينتظر الشهيد فهم مسرعًا للحاق به خوفا من أن يستقل دراجته ويهرب، وتعلق به من ملابسه ، ليتفاجئ الإرهابي بهم ويفجر نفسه على الفور.
لحظة توقف فيها الزمن منذ وقت خروج الإرهابي من باب البيت ولحاق أبو اليزيد له، وتفجير نفسه، تلك اللحظة التي تسائل الكثيرين عنها ماذا كان يدور في ذهن الشهيد؟، هل فكر في أطفاله الثلاثة الذين من الممكن أن يناموا تلك الليلة دون أبيهم؟، هل فكر في زوجته الشابة التي لا سند لها سواه؟، هل فكر في أمه وآبية كيف سيؤلمهم رحيله؟، ترك الدنيا بكل ما فيها ولم يفكر سوى في وطنه، أرواح كثيرة كادت من الممكن أن تسيل دمائها على تلك الأرض لو لم يخطوا تلك الخطوات.
قالوا عنه
أهل منطقة الدرب الأحمر ورفاق الشهيد وأشقائه، الجميع تحدّثوا عنه سطروا حروفا عن بطولاته وتعامله الخير مع الكثيرين، أيضا جنازته كانت مهيبه، جنازة عسكرية سار بها الصغير والكبير أطفالا ورجالا ونساءًا، الجميع يبكي ويشدوا حكايات عن البطل الراحل، رحل محمود أبو اليزيد مدافعا عن وطنه لم يترك إرثًا من المال لأبنائه، لكنّه ترك لهم كنزًا سيظلون يتفاخرون بإسم أبيهم الشهيد طوال حياتهم.