صلب وشامخ عاش، ومنتصب القامة غادر، ولازال صدى صوته يتردد فى أرجاء المحروسة، ورائحته تطوف على الأنفه الجميع، وكأن ملامحه تنعكس في أعماق المخيلة والذاكرة، ها هو حبيب الملايين جمال عبد الناصر، الذي رأه المصريين دائمًا، أبًا وأخًا كبيرًا.
وبالرغم من رحيله إلا أنه لم تحظَ شخصية وطنية أو قيادة شعبية في تاريخ مصر الحديثة بقدر من الجدل والاهتمام مثلما حظيت شخصية جمال عبد الناصر، وبالرغم من أنه أُشيع حوله مصطلح الديكتاتورية وبطشه بمعارضيه، إلا أنه ظل يحظى بجماهيرية غير مسبوقة وشعبية جارفة حتى بين الجيل الذي لم يعاصره.
حيث نُسبت إليه بطولات وأمجاد، ونُسجت حوله روايات تصل إلى حد الأساطير؛ حتى صار وكأنه أحد أبطال التراث الشعبي، ليس فى وجدان المصريين فقط، وإنما في وعي ووجدان الأمة العربية على امتداد أقطارها من الخليج إلى المحيط.
وعلى مر العصور خاصة في مجال السياسة يحاول الأبناء أن يسلكوا طريق أبائهم، هذا ما سار عليه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حينما كرر أن يساند أبنائهم ذات السلطة السياسية، ليترك الجميع تساؤلًا هل أكتسب أبن عبد الناصر الشهرة بسبب أبيه حتى وأن كانوا ليس على درايه بالأمور السياسية.
"خالد جمال عبد الناصر"، الأبن الأكبر" الذكور" لللزعيم الراحل، متقلدًا منصب أستاذًا كلية الهندسة جامعة القاهرة، ولكنة لم يظل في منصبة، حيث حاول شق طريق سياسى خاص به، ولكنه فشل في حتى أنه في السنوات الأولي ظل والده يسكنه سياسيّا وإنسانيّا، وفى الثانية حاول أن يتخذ لنفسه مسارًا سياسيّا يحفر من خلاله اسمه الخاص، وذلك بالخروج إلى ساحات العمل السياسى منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، حين خطب أمام نحو 10 آلاف فى حديقة نقابة المحامين عام 1982 فى ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر.
ولكنها لم تكن الآولي والآخيرة، وأنما كرر الأمر نفسه فى أكثر من مناسبة، بالإضافة إلى مشاركته فى المظاهرات التى خرجت تضامنًا مع الجندى سليمان خاطر والذى قتل سبعة جنود من الإسرائيليين أثناء خدمته الليلية على الحدود، وكذلك خروجه فى مظاهرة أخرى ضد الغارة الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس، وكانت أمام جامعة القاهرة.
وشارك فيها وقتها عدد من الرموز مثل الراحلين إبراهيم شكرى، رئيس حزب العمل، وفتحى رضوان، لكن خالد بلغ الذروة فى اتهامه فى قضية تنظيم ثورة مصر المسلح، وكان الاتهام أنه القائد السياسى للتنظيم، ولكن لم ينتباه للأمر تاركًا البلاد ومتجهًا إلى يوغسلافي.
وبعد ذلك عاد مرة أخرى إلى القاهرة ليواجه محاكمته والتى انتهت ببراءته لإنكاره الاتهامات الموجهة ضده، ليبتعد بعدها فترة عن العمل السياسى، لكنه كان حريصًا بين الحين والآخر على إبداء رأيه فى القضايا المطروحة، وكان طوق النظام عليه شديدًا إلى درجة متابعة تحركاته شخصيّا، واتصالاته مع الآخرين.