حارس مخضرم، يقف مستيقظًا لحماية عرين منتخب بلاده، يرتدي قفازه ويستعد للمواجهة وجها لوجه، تقترب الكرة من المرمي وتزداد دقات القلوب، يصمت الجميع في المدرجات، ودعوات بمرور الكرة بسلام، وفي جزء من الثانية تتعالي الأصوات والهتافات «حضري.. الله الله السد العالي»، انقض على الكرة بلا رحمة ولا شفقة، فهو صامد لا يخشى المهاجمين، يتميز بحنكة تجعله حارس منتخب مصر الأول لمده ما يقرب من 22 عام علي ارتدائه قميص المنتخب لأول مرة.
أسطورة لا تكفي الكلمات لوصفها، قدمت الكثير وحصد العديد من الألقاب: «المخضرم، الأسطورة، السد العالي» لكل بداية نهاية، هذه سُنة الحياة، بهذه الكلمات ختم بها عصام الحضري مشواره داخل أحضان منتخب مصر، في رحلة فريدة من نوعها أقسم فيها الحضري علي تحقيق الحلم المنشود وهو نيل شرف اللعب في بطولة كأس العالم، ونجح في تحقيق العهد الذي قطعه علي ذاته في أحدي الليالي.
ولكن عند الحديث عن عصام الحضري، ليس دوما ما يأتي في الأذهان الإنجازات التي حققها علي صعيد المنتخب أو الصعيد الشخصي، وربما لا يأتي في البال خلافه وهروبه من النادي الأهلي، ولكن المؤكد أن مشهد «العارضة» ورقصة الحضري الشهيرة بعد كل فوز مهم وبطولة تحقق، لن تغيب عن أذهان الكثيرين، حتى أصبح الجميع ينتظر المكسب ليري صعود الحضري ورقصته الشهيرة فوق العارضة.
الحضري والرقصة الأولي
دائما كانت طرق الأحتفال معروفة لدي اللاعبين أما بالسجود أو بالهرولة نحو المدرجات للاحتفال مع الجماهير، ولكن في عام 2006 في نهائي أبطال أفريقيا البطولة الأغلى لدي جماهير النادي الأهلي، وتحديدا بعد هدف تريكة القاتل في مرمي الصفاقسي.
قرر الحضري أن يخلد ذكري البطولة بدرسًا هامًا لانصاره، بأنه قادر علي تقديم"سيمفونية" مميزة ليس فقط داخل الثلاث خشبات ولكن من فوقهم ايضا، فأعتلي العارضة في جانبه الأيسر مقابل "الثالثة شمال" في احتفاليه غير معتادة، وأصبح تتعالي اصوات الجماهير اعجابا بما يقدمه وخلدوا معه هتافهم الشهير "ارقص يا حضري".
البطيخ علاقة صدفة جمعت بين "الحضري" وجمهوره
بدأت تلك العلاقة في مباراة جمعت النادي الأهلي ومنافسه نادي الزمالك والتي انتهت بفوز الأحمر، وفي ذلك الوقت تحديدا وعن طريق الصدفة رأي الحضري أحد من جمهور الأهلي يحمل في يده "بطيخه" فأسرع إليه وأخذها منه ومن ثم عاد سريعا لمكانه المفضل، فأعتلي العارضة مع البطيخه وأصبحت عادة دائما ما تتكرر وأصبح جمهور الأهلي يأتون إلي المباريات بالبطيخ، فأصبحت العلاقة بين الحضري والجماهير مبنية علي البطيخ.
ولكن لم تكن الصدفة وحدها هي من جسدت احتفال الحضري فوق العارضة بالبطيخ ولكن عند الإمعان في النظر نجدها إشارة من الحضري في كل مرة لإبداء مظاهر فخره وانتمائه لبلدته الصغيرة"كفر البطيخ"، وهي بلدة تابعه لمحافظة دمياط، فلم يتخلي عنها في اكبر احتفالاته ورقصاته.
ومع مرور الوقت شاهد الجماهير ضيف أخر يحمله الحضري فوق العارضة، فبعد انضمامه لنادي الإسماعيلي لأول مرة استبدل الحضري البطيخ "بالمانجا" نظرا لأشتهار الإسماعيلية بتلك الفاكهة.
نجوم حجزوا مقاعد مميزة لمشاهدة الرقصة
أن تري الحدث فهو شيء ممتع، ولكن أن تكون ضمن الحدث فهو الأمتع، كان دائما الحضري لا يكتفي بما يشاهده من هم خلف الشاشات، ولكن كان دائما يعمل علي تقديم عرض قاسي ومميز لنجوم حجزوا مقاعدهم لمشاهدة الحضري من داخل مستطيل أخضر يجمعهم.
ولعل أبرز الحضور الذين ابتسم لهم الحظ لمشاهدة رقصة الحضري عن قرب في أكثر من مناسبة، والأستمتاع بالعرض الذي يقدمه كان الإيفواري، ديديه دروجبا، فتارة يكشر عن انيابه بحثا عن عارضة الحضري الذي فشل مرارا وتكرارا في التسجيل بها، ليعتلي الحضري العارضة وتتعالي الأصوات فرحا بعدما سدد أبو تريكة ركلة ناجحة حسمت نهائي أمم افريقيا 2006 ، لصالح الفراعنة 4/2، وحينها تصدى عصام لتسديدة دروجبا نفسه.
ولم يسلم الإيفوري من عروض الحضري الممتعة ولكن كان علي الموعد مع أول عروض عصام الحضري والرقص فوق العارضة، في الأدوار الأولي من نفس البطولة بعد ثلاثية تاريخية سجلها المنتخب في شباكهم.
وتكرر المشهد مجددا ولكن هذه المرة المشهد مختلف، يقف دروجبا ينظر إلي"رقصة الحضري" وتمتلئ عيناه بالدموع بعد ضياع حلم العبور للنهائي علي يد الفراعنة بعدما تم أقصائهم برباعية قاسية.
ليأتي الدور علي الكاميروني، صامويل ايتو الذي تمكن من الاستمتاع بمشاهدة رقصات الحضري خلال مباراة النهائي من مسابقة امم افريقيا2008 ، بعدما سدد أبو تريكة تصويبه صاروخية نحو مرمي الكاميرون ليحافظ الفراعنة علي اللقب، وعلي الرغم من أنه نجح في تسجيل هدفين في مرمي الحضري لكن لم ينتصر للنهاية، لأن المستطيل كانت يبتسم للحضري فأصبحت العارضة تنتظر الحضري ليعتليها.
ولم ينجو الحارس العملاق، بوفون من مشاهدة الرقصة فدائما الحضري علي الموعد، وتحت شعار "اسطورة تشاهد اسطورة" تحديدا هذا ما حدث في كأس القارات عام 2009، عندما واجه منتخب الفراعنة نظيرة إيطاليا وتمكن من إقصائهم بهدف نظيف، وعندها وقف بوفون رافعًا رأسه حتى يشاهد اللوحة الفنية التي يقدمها الحضري في اعتلائه للعارضة للأحتفال.
الحلم يتحقق ومعه رقصة النهاية
بعد تاريخ حافل للحضري جاء الوقت ليقف الآن منحني الرأس يقدم الامتنان ويعلنها لحظة الرحيل، ولكن لم يحرم السد العالي جمهوره الذي تواعدوا دائما فوق العارضة بأن يختم حياته بأحتفاله الشهيرة بعد الصعود لمونديال روسيا، فيا كاتب التاريخ جاء الوقت حتى يجف القلم وتغلق الصفحات فالأسطورة قرر أن يتخلي عن قفازة الدولي.
والآن وبعدما تنازل الحضري عن قفازة الدولي، ومع قلة المشاهد التي قد تجعله يعتلي العارضة مجددا ليرقص وتعتلي الهتافات من حوله، نظرا لعدم قدرة فريقه الإسماعيلي علي تحقيق انجازات قريبة تسمح له بتكرار ذلك المشهد الحماسي المبهج، لن يتبقي لنا سوي "حنين الذكري" وبعض اللحظات المصورة قديما، قد يأخنا الحنين لرؤية تلك المشاهد المحفورة في الوجدان، ولكن في كل مرة قادمة حينما نشاهد عارضة ما كانت يوما مسرحا لعروض عصام الحضري الراقصة قد نشعر بلمسة حزن، و تعتري تلك العارضة بعد أن هجرها أحد أهم من احتوته في تاريخ كرة القدم المصرية.