حددت دار الإفتاء، عدة شروط لجواز نقل الأعضاء البشرية، سواء من الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي.
وقالت الإفتاء في بيان مطول، إن "الله تعالى خلق الإنسان وكرمه وفضله على سائر المخلوقات وارتضاه وحده لأن يكون خليفة في الأرض، قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»، ولذلك حرص الإسلام كل الحرص على حياة الإنسان والمحافظة عليها وعدم الإضرار بها جزئيا أو كليا".
وأضاف البيان، أن "الشريعة الإسلامية أمرت الإنسان باتخاذ كل الوسائل التي تحافظ على ذاته وحياته وصحته وتمنع عنه الأذى والضرر، فأمرته بالبعد عن المحرمات والمفسدات والمهلكات، وأوجبت عليه عند المرض اتخاذ كل سبل العلاج والشفاء، قال الله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»".
زرع الأعضاء من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها
وبيّن التقرير، أن زرع الأعضاء من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في الشفاء للمحافظة على النفس، مؤكدًا أن ذلك جائز شرعًا إذا توافرت فيه شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تباع وتشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان، وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخذ، ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أو المآل.
وأوضحت، أن نقل الأعضاء بالشروط سالفة الذكر، تأتي من باب إحياء النفس والتضحية والإيثار، منوهةً بأنه كما يجوز أخذ عضو من الحي إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق حالا أو مستقبلا، فإنه يجوز أيضا الأخذ من الميت إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق، أو لتحقيق مصلحة ضرورية له؛ لأن الإنسان الميت وإن كان مثل الحي تماما في التكريم وعدم الاعتداء عليه بأي حال.
مصلحة الحي مقدمة على الميت
ولفتت إلى أن هذا التكريم لا يؤثر فيه ما يؤخذ منه بعد موته من أجزاء تقوم عليها حياة إنسان آخر أو رد بصره بعده؛ لأن مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت، فالإنسان الحي يقيم شرع الله ودينه؛ لتستمر الخلافة في الأرض ويعبد الله وحده كما أراد، وإذا كان المقرر فقها أنه إذا تعارضت حياة الأم مع حياة جنينها، فإنه تقدم حياة الأم عليه؛ لأن حياتها محققة وانفصال الجنين منها حيا أمر غير محقق، فيقدم لذلك ما كان محقق الحياة على ما شك في حياته، فمن باب أولى أن يقدم الحي على من تأكد موته، ولا يعد ذلك إيذاء لميت بل فيه ثواب عظيم له؛ لأنه يكون من باب الصدقة الجارية مدة حياة المنتفع المستفيد بالعضو المنقول له، لا سيما وأن ذلك النقل يتم بعملية جراحية فيها تكريم وليس فيها ابتذال كما يتم مع الأحياء تماما سواء بسواء.
الترخيص يشترط الابتعاد عن البيع والشراء
وألمحت إلى أن هذا الترخيص والجواز يشترط فيه أن يكون بعيدا عن البيع والشراء والتجارة بأي حال وبدون مقابل مادي مطلقا للمعطي -صاحب العضو- إن كان حيًّا أو لورثته إن كان ميتًا.
واشترطت الإفتاء في جميع الأحوال وجوب مراعاة الضوابط الشرعية التالية للترخيص بنقل الأعضاء الآدمية من الحي إلى الحي ومن الميت إلى الحي، وهي: أولا: يرخص في نقل العضو البشري من الإنسان الحي إلى الإنسان الحي بالشروط والضوابط الآتية:
1. الضرورة القصوى للنقل، بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور صحي مستمر ولا ينقذه من هلاك محقق إلا نقل عضو سليم إليه من إنسان آخر بينهما درجة قرابة حتى الدرجة الثانية، ويجوز النقل حتى الدرجة الرابعة إذا حالت ضرورة دون النقل من الدرجات السابقة، ويقدر ذلك أهل الخبرة الطبية العدول، شريطة أن يكون المأخوذ منه وافق على ذلك حال كونه بالغا عاقلا مختارا.
2. أن يكون هذا النقل محققا لمصلحة مؤكدة للمنقول إليه من الوجهة الطبية، ويمنع عنه ضررا مؤكدا يحل به باستمرار العضو المصاب بالمريض بدون تغيير، ولا توجد وسيلة أخرى لإنقاذه من الموت والهلاك الحال المحقق إلا بهذا الفعل.
3. ألا يؤدي نقل العضو إلى ضرر محقق بالمنقول منه يضر به كليا أو جزئيا، أو يمنعه من مزاولة عمله الذي يباشره في الحياة ماديا أو معنويا، أو يؤثر عليه سلبيا في الحال أو المآل بطريق مؤكد من الناحية الطبية؛ لأن مصلحة المنقول إليه ليست بأولى من الناحية الشرعية من مصلحة المنقول منه؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ويكفي في ذلك المصلحة الغالبة الراجحة، والضرر القليل المحتمل عادة وعرفا وشرعا لا يمنع هذا الجواز في الترخيص إذا تم العلم به مسبقا، وأمكن تحمله أو الوقاية منه ماديا ومعنويا بالنسبة للمنقول منه، والذي يحدد ذلك هم أهل الخبرة الطبية العدول.
4. أن يكون هذا النقل بدون أي مقابل مادي أو معنوي مطلقا بالمباشرة أو بالواسطة.
5. صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الضوابط وإعطاؤه لذوي الشأن من الطرفين –المنقول منه العضو والمنقول إليه– قبل إجراء العملية الطبية، على أن تكون هذه اللجنة متخصصة ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول وليس لأحد منهم مصلحة في عملية النقل.
6. يشترط ألا يكون العضو المنقول مؤديا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال.
ورأت الإفتاء أنه يرخص في نقل العضو البشري من الميت إلى الحي بالشروط والضوابط الآتية: منها أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتا شرعيا؛ وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أي موتا كليا، وهو الذي تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفا تاما تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى بشهادة ثلاثة من أهل الخبرة العدول الذين يخول إليهم التعرف على حدوث الموت بحيث يسمح بدفنه وتكون مكتوبة وموقعة منهم، ولا عبرة بالموت الإكلينيكي أو ما يعرف بموت جذع المخ أو الدماغ؛ لأنه لا يعد موتا شرعا لبقاء بعض أجهزة الجسم حية؛ وذلك لاختلاف أهل الاختصاص الطبي في اعتباره موتا حقيقيا كاملًا؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فإذا لم يمكن -من قبيل الصناعة الطبية- نقل العضو المراد نقله من الشخص بعد تحقق موته، ويمكن نقل العضو بعد موت جذع الدماغ، فإنه يحرم ذلك النقل ويكون ذلك بمثابة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
الضرورة القصورى التي تستدعي نقل العضو
واستطردت، قائلةً إن الضرورة القصوى للنقل بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور مستمر، ولا ينقذه -من وجهة النظر الطبية- إلا نقل عضو سليم من إنسان آخر حي أو ميت، ويكون محققا للمنقول إليه مصلحة ضرورية لا بديل عنها، ثالثًا: أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية وبدون إكراه مادي أو معنوي، وعالما بأنه يوصي بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيـث لا يؤدي النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي، بمعنى أنه لا تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء تجعل جسد الآدمي خاويا؛ لأن هذا ينافي التكريم الوارد في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ».
نقل العضو لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب
وأردفت: أنه يجب ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال كالأعضاء التناسلية وغيرها، وذلك كما هو الحال في نقل العضو من حي إلى حي تماما، وخامسًا أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخص له بذلك مباشرة بدون أي مقابل مادي بين أطراف النقل، ويستوي في ذلك الغني والفقير، وبحيث توضع الضوابط التي تساوي بينهم في أداء الخدمة الطبية، ولا يتقدم أحدهما على الآخر إلا بمقتضى الضرورة الطبية فقط التي يترتب عليها الإنقاذ من الضرر المحقق أو الموت والهلاك الحال.
واستدلت بما ذهب إلى نحو هذا من المفتين السابقين للديار المصرية كل من: المرحوم الشيخ حسن مأمون -في فتواه المنشورة بالمجلد السابع (ص2552 من الفتاوى الإسلامية) الصادرة عن دار الإفتاء المصرية سنة 1959، والمرحوم الشيخ أحمد هريدي -في فتواه المنشورة بالمجلد السادس (ص2278 من الفتاوى الإسلامية) الصادرة عن دار الإفتاء المصرية سنة 1966م، والمرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق -في فتواه المنشورة بالمجلد العاشر (ص3702 من الفتاوى الإسلامية) الصادرة عن دار الإفتاء المصرية سنة 1979م، والدكتور محمد سيد طنطاوي - في كتابه (فتاوى شرعية) ص43 سنة 1989م، وفي المجلد 21 من الفتاوى الإسلامية ص7950، والدكتور نصر فريد واصل، والدكتور أحمد الطيب، وهناك فتوى لجنة الفتوى بالأزهر عن هذا الموضوع سنة 1981م، وأيضًا وهناك فتاوى أخرى صدرت عن علماء فضلاء، وعن مجامع فقهية في بعض البلاد الإسلامية ويضيق المجال عن ذكرها.
واختتمت أنه ذهب إلى عين ما نحن فيه مجمع البحوث الإسلامية بجلسته رقم (8) الدورة (33) المنعقدة بتاريخ 17 من ذي الحجة سنة 1417هـ الموافق 24 إبريل 1997م.
موضوعات متعلقة:
حكم التستر على سائق دهس مواطن بسيارته.. داعية يجيب
أمين الفتوى : كثرة الإنجاب أحيانًا تكون فتنة على الإنسان (فيديو)