ما أن تسمع أذنيك اسمه يتبادر إلى ذهنك أعماله قنديل أم هاشم، البوسطجى التى ترسخت فى وجدان المشاهد المصرى خاصة والعربى عامة، الأديب والروائى يحيى حقى، الذى تحل ذكرى وفاته اليوم 9 ديسمبر عام1992م، فقد نقش اسمه على شريط السينما المصرية ليظل طوال الدهر محط نظر المشاهدين بجانب القراء، فهو يعد واحدا من رواد الأدب المصرى، الذين تحولت أعمالهم الأدبية النصية، إلى "لحم ودم" ينطق ويعبر وينقل التفاصيل التى كانت بخاطر كاتب الرواية وهو يخطها بيديه لتصبح بعد ذلك صورة مرئية أمام عينيه.
ولروايته البوسطجى وقع خاص أنذاك والتى صورت عالم أقاصى الصعيد البعيد عن العاصمة وما يدور فيها من حياة رغدة، فى صورة تنقل مدى انغلاق الحياة فى قطعة اخرى من أرض الوطن، ويصور أدق التفاصيل لهذا العالم المترامى الأطراف الذى إنتقل إليه ساعى البريد "عباس"، الذى تأفف من عيشة أهل القرية، الخالية من معانى الحياة المدنية التى اعتاد عليها.
تميز يحيى حقى فى رصد أحداث قصته بأسلوب سهل وبسيط وفى رسم الصور والمشاعر خاصة فى حالات الحزن والوحدة والكأبه والروتين والامبالاه التى يغرق فيها هذا المجتمع، ولا تلائم حياة عباس الذى لم يجد مؤنس لوحشة غربته غير أن يتسلى بالخطابات التى يحملها فى حقيبته ويصاحبها ليل نهار.
لتنتقل بنا الأحداث ما بين العادات الجامدة التى يكسرها أحد الاباء ويقرر أن يرسل ابنته جميلة حتى تتعلم، وتتفتح عينها على حب خليل الاخ الأكبر لصديقتها، ويبدأ ببث اشواقه إليها عبر الخطابات، التى يتسلمها مرسال خاص بدلا عنها، وتأتى اللحظة التى ينتظرها القلبين العاشقين ليكلل حبهما بالزواج، إلا أن الأب يرفض لتبدأ اللقاءات الخفية بين جميلة وخليل ويقعا فى الخطيئة.
ووجد عباس فى تلك الخطابات ما تهواه نفسه وتسلى بها فخطابات الحب والغرام التى لم يكن يتوقع أن تكون موجودة فى تلك البيئة، فما أن قرأ الجواب الأول ليظل يبحث عن اصحاب القصة ليتسبب عباس بإهماله ورعونته فى افساد احد الخطابات، ولا تفلح الحيل فى اصلاح الخطاب فيكتفى بأن "يكفى ع الخبر ماجور" مما يترتب عليه كشف ستر الفتاة وتهدر روحها على يد ابيها "اللى غسل عاره".