رحلة في أعماق القبطي الباحث عن الحقيقة ”ميلاد حنا”

السبت 10 نوفمبر 2018 | 03:48 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

أحداث طائفية لم تعهدها الأرض المصرية، حرق كنيسة هنا وإشعال نار في مسجد هناك، وصل الصراع إلى ذروته، صراع دموي غير مسبوق، حقبة شهدت أعنف الأحداث، قتلى مسيحيون والمتهم مسلم، والعكس كان قائمًا.

 

في بداية حقبة السبعينيات بدأت الهوية المصرية تضعف شيئّا فشيئًا، انتشرت على الساحة أفكار جديدة متطرفة جذبت إليها الكثير من الشباب تحت مسمى الفكر الوهابي وأنّ السلاح وحده سيعلي اسم الدين، في المقابل ظهر شباب الكنيسة الذين قرروا الاحتماء بها وإعلاء اسم المسيح في كل أمور حياتهم، الطرفان لم يبحثا بداخلهما عن هويتهما الحقيقية مسلم أو مسيحي على أرض مصرية، لم يفكر الجانبان ولو للحظة أنّ هوياتهما واحدة وعرقهما الفرعوني والقبطي واليونان واحد.

 

اشتدّ الصراع في تلك الحقبة لكن في نهاية حقبة التسعينيات بدأت الأمور تسير نحو طريق الهدوء، على الرغم من أنّ التشدد مازال قائمًا لبعض الشيء، ممّا دفع العظيم ميلاد حنا عن طريق "الأعمدة السبعة" للبحث عن الهوية، لإثبات حقيقة أنّ الجميع في النهاية أصحاب هوية واحدة.

 

كل منّا يفضل انتماءه؛ فالمسلم يعتز بـ"عاموده الإسلامي" ولكنّه لا يدرك أنّه يحمل بين ضلوعه قدرًا من "العامود القبطي"، بحكم التواجد والمعاشرة والتداخل بين البشر، كما أنّ كل قبطي يعتز بـ"العامود القبطي"، وغالبًا ما يعتز تقائيًّا وبسبب التراث والامتداد التاريخي بـ"العامود الفرعوني"، ولكنّه لا يدرك أنّه يحمل بين ضلوعه قدرًا من "العامود الإسلام"ي، ويستخدم بالفعل الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث في مجرى كلامه العادي كل يوم، ولعل هذا هو استمرار المسيحية والإسلام على أرض مصر.

 

تلك الكلمات كانت نموذجًا من كلمات كاتب مصريّ عظيم يدعى ميلاد حنا، هذا الراحل الذي قرر الخوض في معركة البحث عن الشخصية المصرية، وبعد رحلة طويلة استطاع إنتاج الأعمدة السبعة، هذا الكتاب الذي سنتحدّث عن بعض سطوره اليوم، والذي أثبت أنّ المصريين ما هم إلّا عرق واحد وأصل واحد مسلم ومسيحي، وأنّ السبعة أعمدة بُنيت مصر على أساسها.

ميلاد حنا ورحلة الأعمدة السبعة

"إنني وبنوع من الخيال أتصور أنّ القاهرة ستتحول في القرن القادم، مثلما أصبحت أسكانس متحفًا مرموقًّا، لكي تصبح متحفَا عالميًّا يجد فيه الزائرون كل رقائق الحضارات المتعاقبة من الفرعونية إلى مصر الحديثة".

 

حفرت تلك العبارات في وجدان حنا واختزنها عقله وقلبه، وقرر حينها دراسة التاريخ حتى يتعرف على الهوية المصرية، سافر العديد من البلدان بحث في شخصياتهم وهوياتهم، حتى استقرّ على البداية، هنا بداية الطريق لمعرفة أصل الهوية المصرية.

 

بحسب ما ذكره حنا في كتابه "الأعمدة السبعة" فإنّ مصر قد غيرت لغتها وديانتها 3 مرات عبر التاريخ، فكانت عقيدتنا الدينية مبنية على أساطير القدماء المصريين، والتي جعلت الحياة بعد الموت على نمط العالم الأرضي، بالإضافة إلى انقسام الفئات الحاكمة إلى فرعون وأمراء والذين كانوا يحكمون الأقاليم، ومعهم الكهنة الذي يمثلون "المؤسسة الدينية، ويحافظون على تراث الأساطير ويعتبرون أولي الحكمة، والجانب الآخر كان الشعب الذي يبني ويعمر ويؤمن بالأساطير والآلهة.

 

 

ومن خلال ذلك تكونت حضارة عظيمة امتدت حتى مينا، لتدخل مصر بعدها مرحلة جديدة هي مرحلة الإسكندر الأكبر، من حيث الديانة واللغة والثقافة وكل شيء.

 

وبعد ما يقرب من 3 قرون من مرحلة الإسكندر تصادف دخول المسيحية مصر في عهدها الأول وسارع المصريون للإيمان بها ليتخلصوا من الاحتلال اليوناني والروماني، واستشهاد عدد كبير منهم تمّ على إثره تغيير التقويم وسمي بـ"تقويم الشهداء" أو التقويم القبطي،  لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة سميت باسم العصر القبطي.

وفي القرن السابع دخل العرب إلى مصر في ظروف خاصة، إذ لم يتم الغزو بحد السيف، بل رحّب المصريون بالعرب كجزء من الخلاص في عهد هرقل، وأخذ تحول المصريين من اللغة القبطية إلى العربية عدة قرون؛ لأنّ المصريين جميعًا كانت لهم عبر العصور المختلفة لغة واحدة وعقيدة واحدة، بحسب ما ذكره الكاتب ميلاد حنا.

 

وأخذ بعد ذلك تحول المصريين من المسيحية إلى الإسلام ما يقرب من 5 أو 6 قرون، وبقي البعض ممن تمسكوا بالمسيحية، لكنّهم عاشوا شعبًا واحدًا نفس الحضارة واللغة واللهجة.

 

ولم تكن بناء مصر قاصرة فقط على الديانة والنشأة، من خلال الرقائق الأربعة التي تمّ ذكرها، لكنّ موقع المحروسة الجغرافي أثرّ أيضًا في الشخصية المصرية، لها أهمها هو انتماء مصر إلى العالم العربي؛ لأنّها بدون العرب ستكون دولة من الدرجة الرابعة، والعرب أيضًا بدون مصر سيتفرقون، بل سيصبحون بمثابة "الخربوش" كما وصف ميلاد حنا في كتابه، لذا فإنّ انتماء مصر للوطن العربي ماهو إلّا قدر ومصير.

 

انتماء مصر الجغرافي إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ليست مسألة تاريخية فحسب، ولكنّها صلة ممتدة إلى هذه اللحظة، وهناك العديد من المفكرين يعتزون بهذا الانتماء، ويرون فيه نهضة مصر، من أمثال رفاعة الطهطاوي وأحمد لطفي السيد وطه حسين، لكن الخطأ التاريخي يكمن في أن يوضع هذا الانتماء كبديل وفي مواجهة الانتماء العربي، لكن الفكرة في هذا الكتاب تكمن في تكامل الانتماءات في سيمفونية واحدة، كما ذكرها حنا.

 

وأخيرًا فإنّ العمود السابع هو انتماء مصر لأفريقيا، والذي رأى ميلاد حنا أنّه ليس انتماءً جغرافيًّا فقط ولكنّه بالنسبة لمصر هو أحد السبل لحل مشاكل الدولة في المستقبل وتحديدًا فيما يتعلق بأزمة الانفجار السكاني والنمو الاقتصادي، خاصة أنّ السوق العربية بدأت تتشبع، لكن تحويل النظام التعليمي في مصر ليؤهل المهنيين والعمال للعمل في أفريقيا هو المخرج في القرن القادم، كما ذكر ميلاد حنا في كتابه "الأعمدة السبعة".

اقرأ أيضا