لنتوقف بعضًا من الثواني ونرى الموقف التركي من بعيد، سنجده في أول المقاعد الأمامية ليس كمتفرج، ولكن كمشارك وبفاعلية فى قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجى, وقد حاولت تركيا مرارًا وتكرارًا الهروب بعيدًا عن فخ الجاسوسية فى قضية "خشافجى".
واستطاعت أنقرة أن ترمي بأوراق القضية بعيدًا، من خلال استفزاز السعودية والضغط على الجانب السعودى، فضلاَ عن إلصاق التهمة بهم، وتكبيدهم خسائر سياسية ودبلوماسية, وذلك من خلال التوجيه الإعلامى, وتسريب معلومات وخلق حيل ساعدت كثيرًا على هروب الأتراك من الوقوع في فخ الجاسوسية، ومن ثم تتحول المملكة إلى دولة تخترق السيادة والقانون الدولي.
ومن هنا ظهرت أسئلة تبحث عن إجابة وتسيطر على عقول متابعي المشهد، أبرز هذه الأسئلة تتمثل في؛ ما سبب ظهور خديجة "خطيبة خاشقجي" كما تدّعي فى ذلك الوقت؟، وما قصة الساعة الآبل؟ وما المكسب التركي من تلك القضية؟ ولماذا كل تلك الحِيل من الجانب التركي؟ ومَن المستفيد من تسريب معلومات بشكل غير مباشر لوسائل إعلام أجنبية؟.
بدأت المناورات التركية لاستهداف المملكة العربية السعودية، واستقرّت تركيا على السيناريو الذي ستبدأ به المشهد الذي يجعلها بعيدًا عن الوقوع في فخ الجاسوسية, فكان لابد من وجود عامل يجعل من الموضوع مصداقية؛ حيث ظهرت خديجة جنكيز أو "المرأة الغامضة" التي تلازم اسمها مع قضية وفاة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بعد أن كانت أول مَن أبلغت السلطات التركية باختفائه عقب دخوله السفارة السعودية في أنقرة؛ بزعم استصدار وثيقة طلاق من زوجته الأولى، لإتمام زواجهما بعد أن وصفته بـ"خطيبها".
وبحسب رواية خديجة آزرو جينجز، فإن خاشقجي قد دخل مقر القنصلية في الواحدة ظهرًا، وظلّت هي في انتظاره بالخارج حتى منتصف الليل، قبل أن تشعر بالقلق وتتواصل مع مسؤولين بالدولة التركية، ثم عادت مع عمل القنصلية صباح اليوم التالي، لتسأل عن خاشقجي، إلا أنها لم تتوصل إليه.
ومن جانب آخر ووسط روايات مختلفة ومتعددة عن الساعة التي كان يرتديها خشافجي، والتي كانت من طراز "آبل"، فقد صرّح روبرت باير، التقني المسؤول عن شركة "آبل" بأن الساعات التي تنتجها الشركة لا توجد بها إمكانية بصمة الإصبع، كما لم يتسنّ التأكد من المسافة التي يمكن فيها اتصال (البلوتوث) نقل أي تسجيلات بين الساعة داخل القنصلية والهاتف خارجها .
وأضاف "روبرت باير" في تصريحات صحفية أن السلطات التركية ليس لديها دليل صوتي ومرئي يظهر لحظات مواجهة وقتل "خاشقجي" داخل القنصلية السعودية، مؤكدًا أن ساعة "آبل" لا يوجد بها كاميرا لتسجيل مقاطع فيديو، وإن دل ذلك فيدل على أنها حيلة تركيا للهروب من قضية التجسس.
تسريب المعلومات والهجوم الإعلامي
من الواضح فى تلك القضية هو القوة الإعلامية التى كانت بارزة في تلك الفترة من خلال المنصة الإعلامية التركية وكيفية تعمّقها فى القضية وكمية التسريبات التى كانت تسخن المشهد إلى حد الاشتعال, هكذا بدأ أردوغان الخروج من فخ الجاسوسية من خلال تغيير مسار النهاية وخلق روايات عديدة ومتضاربة .
وفى ضوء ذلك، قال الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، إنه يرجح حصول أجهزة الأمن التركية على تسجيلات لمقتل خاشقجي عن طريق أجهزة تجسس زرعت داخل القنصلية وليس عن طريق ساعة "آبل" التي كانت في يد خاشقجي.
وأضاف سعيد لـ"بلدنا اليوم" أن ما حدث ما هو إلا تجسس تركي واضح وصريح على القنصلية السعودية في أنقرة، مؤكدًا أن السلطات التركية أرادت أن تبعد نفسها عن موضوع التجسس، وأن ما حدث من تسريبات للمعلومات ما كان إلا لاشتعال الموقف .
مكاسب تركيا من الأزمة
في الوقت نفسه فإن هذه الرواية تحمل فرصًا ومؤشّرات على مكاسب مُحتملة للنظام التركي، وربما يكون الأمر محاولة لابتزاز المملكة العربية السعودية ماليًّا، أو إجبارها على توافقات وتفاهمات تتضمّن استثمارات أو مشروعات مشتركة.
ومن المُحتمل أيضًا أن يكون ابتزازًا لإمارة قطر التي تعتبر نفسها في صراع مفتوح مع المملكة, كما أنه من المُحتمل أيضًا أن يكون الأمر رسالة دعائية للجار الإيراني، وتحاول تصوير الأمر وكأنه قِصاص من الموقف السعودي تجاه الحوثيين في اليمن، كتمهيد للعب دور الوسيط في تهريب النفط الإيراني مع دخول الحظر الأمريكي حيز التنفيز في نوفمبر المقبل.
شاهد أيضًا:-
- الغاز المصرى يربك الأتراك ويهز العرش القطري
- تعرف على القنصل الذى لمع اسمه في قضية اختفاء ”خاشقجي”