"شيعوا الشمس ومالوا بضحاها وانحنى الشرق عليها فبكاها".. كلمات رثى بها أمير الشعراء أحمد شوقي، الزعيم البطل سعد زغلول، منذ سنوات طويلة، وجاءت اليوم لتكرر السيناريو مرة ثانية، بهذه الكلمات مع بطل من نوع أخر، جمع من العلوم والثقافة، ما يجعله علمًا من علوم الدين يقتدي به العديد من المسلمين في شتى أنحاء العالم.
رحيل الشيخ
رحل عن عالمنا اليوم الأربعاء، الشيخ أبو بكر الجزائري، المدرّس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمسجد النبوي الشريف سابقًا عن عمر يناهز "97" عامًا، بعد صراع مع المرض، حيث تقرر أن تؤدى عليه صلاة الميت بعد ظهر اليوم في المسجد النبوي الشريف وسيوارى جثمانه الثرى في مقبرة البقيع.
كان الشيخ الجزائري قد تعرض خلال العام الماضي لالتهاب رئوي حاد نُقل بسببه الى مستشفى الأمير محمد بن عبدالعزيز للحرس الوطني بالمدينة لتلقي العلاج لمدة ليست بقصيرة.
كما تزينت مواقع التواصل الاجتماعي طوال اليوم الأربعاء، ههاشتاج يحمل اسم "وفاة الشيخ ابوبكر الجزائري"، نعوا من خلال الشيخ الجليل، معددين فيه مناقبه ومآثره، وجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين، سرعان ما حل ثالثا في قائمة تريند المملكة.
مولد الشيخ
ولد الشيخ الراحل أبو بكر جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر المعروف بـ "أبو بكر الجزائري" في قرية ليوة القريبة من طولقة، التي تقع اليوم في ولاية بسكرة جنوب بلاد الجزائر عام 1921م، وتلقى علومه الأولية، التي كان أولها حفظ آيات الله من القرآن الكريم وغيرها من المتون في اللغة والفقه المالكي، ثم انتقل إلى مدينة بسكرة، ودرس على مشايخها جملة من العلوم النقلية والعقلية التي أهّلته للتدريس في إحدى المدارس الأهلية، ثم ارتحل مع أسرته إلى المدينة المنورة.
وبدأت في حيات الراحل مرحلة متغيرة تمامًا، حينما وصل إلى المسجد النبوي الشريف استأنف بين جدرانه إلى طرق العلم بالجلوس إلى حلقات العلماء والمشايخ، حيث حصل بعدها على إجازة من رئاسة القضاء بمكة المكرمة للتدريس في المسجد النبوي، فأصبحت له حلقة يدرس فيها تفسير القرآن الكريم، والحديث الشريف، وغير ذلك.
وعمل الشيخ الجزائري مدرسًا في بعض مدارس وزارة المعارف، وفي دار الحديث في المدينة المنورة، وعندما فتحت الجامعة الإسلامية أبوابها عام 1380 هـ كان من أوائل أساتذتها والمدرسين فيها، وبقي فيها حتى أحيل إلى التقاعد عام 1406 هـ، وله جهود دعوية في الكثير من البلاد التي زارها.
وبعد استقراره في المملكة العربية السعودية، ركز الجزائري على الجانب العلمي دون أن يغفل الحديث في جوانب فكرية وعقدية ترتبط بالسياسة، فقد أعلن معارضته لتكفير الحكام المسلمين والخروج عليهم، ورأى أن ذلك كله لا يتحقق إلا على ضوء الكتاب والسنة والرجوع إليهما.
وعُرف أبو بكر الجزائري على نطاق واسع بحكم ممارسته للتدريس بالحرم النبوي الشريف لخمسين عامًا مما أكسب دروسه وكتبه زخمًا كبيرًا، ويعد كتابه "منهاج المسلم" من أكثر مصنفاته قبولا وانتشارا في البلدان العربية.