استطاعت ورش السيناريو أن تفرض نفسها على الساحة الفنية في السنوات الأخيرة سواء على الصعيد الدرامي أو السينمائي، فإذا نظرنا إلى الأعمال الدرامية التي عرضت في موسم رمضان 2018، فسنجد أن أكثر من نصف تلك الأعمال اعتمدت على ورش كتابة السيناريو ووصل عددها إلي 14 مسلسل وهم "عوالم خفية، رحيم، سك على اخواتك، أبو عمر المصري، طايع، ليالي أوجيني، لعنة كارما، ربع رومي، الوصية، الرحلة، لدينا أقوال أخرى، عزمي وأشجان، السهام المارقة، الشريط الأحمر"، كما شهد موسم عيد الفطر اعتماد ثلاثة أفلام من أصل خمسة على أكثر من كاتب وهي "قلب أمه، ليلة هنا وسرور، كارما"
وبالرغم من اشتراك تلك الأعمال الدرامية في صفة واحدة وهي ورش الكتابة، إلا أن طبيعة الكتابة تختلف من كاتب لآخر، حيث تعتمد بعض الورش على العمل الجماعي والتجانس والتناغم بين الكتاب، دون بروز أسم كبير حيث تتساوى الأسماء فيما بينها، وظهر ذلك في مسلسل "طايع" لـ محمد دياب وخالد دياب وشيرين دياب، ومسلسلي "عوالم خفية" و"لدينا أقوال أخرى" لـ أمين جمال ومحمد محرز ومحمود حمدان، و"عزمي وأشجان" لـ أحمد محى ومحمد محمدي وهي نفس الورشة التي كتبت فيلم "قلب أمه".
كما اعتمدت بعض الأعمال على أسم الكاتب النجم، وهو الكاتب الذي يعتمد على بعض الشباب في كتابة بعض أعماله الفنية مثل مريم ناعوم في "أبو عمر المصري" ، محمد إسماعيل أمين في مسلسل "رحيم"، وخالد يوسف في فيلم "كارما"، وسبقهم تامر حبيب في "جراند أوتيل وحلاوة الدنيا"، كما قد يحضر أحد المشاهير فكرة فيلم أو مسلسل ويعتمد في كتابة السيناريو والحوار على بعض الكتاب الشباب، وهو ما حدث في مسلسل "سك على اخواتك" من فكرة الفنان كريم فهمي، و"السهام المارقة" للداعية الإسلامي معز مسعود.
ويبدو أن نجاح بعض الأعمال الفنية التي اعتمدت على ورش الكتابة دفع العديد من النجوم وشركات الإنتاج إلى الاتجاه لورش الكتابة الناجحة في موسم رمضان 2019، وذلك قبل عدة أشهر من بدء التحضير للموسم الجديد، ومن أبرزهم أحمد فهمي وياسمين عبد العزيز ومنى ذكي وآسر ياسين وزينة.
وإذا عدنا لبداية انتشار ورش كتابة السيناريو وازدهارها فسنجد أن البداية جاءت من خلال مسلسلات "السيت كوم"، حيث اعتمدت تلك المسلسات على اللوكيشن الواحد والموضوعات المختلفة، وهو ما دفع العديد من المخرجين والمنتجين للإستعانة بأكثر من كاتب لإنجاز أكبر عدد من الحلقات في أقل وقت ممكن، بجانب أن تنوع أفكار الكتاب يعطي موضوعات مختلفة وهو ما يتناسب مع طبيعة مسلسلات السيت كوم، لذلك ظهرت العديد من مسلسلات السيت كوم الناجحة والتي اعتمدت على ورش الكتابة مثل "تامر وشوقية" و"راجل وست ستات" و"الباب في الباب" وغيرها من مسلسلات الناجحة.
ويقول الناقد الكبير طارق الشناوي إن ورش كتابة السيناريو ليست جديدة على عالم الكتابة، حيث كانت موجودة في الخمسينات والستينات ولكنها كانت تتم من الباطن، حيث كان بعض الكتاب المشهورين يستعينون ببعض الكتاب الشباب مقابل أجر مادي دون أن تكتب أسمائهم، لذلك لم نكن نعرف من هم، وهذا يعد ضد القانون لأنه تعدي على الحقوق الأدبية للكتاب الشباب، ولكن مع انتشار الفضائيات وزيادة الأعمال الدرامية، لم يعد هناك كاتب يقبل أن يكتب من الباطن دون أن يكتب أسمه.
وأشار الشناوي في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم" إلى أن ورش الكتابة موجودة بالعالم كله وليس بمصر فقط، ولكننا لا نستطيع أن نحكم على هذه الورش بالإيجاب أو بالسلب، لأن المهم هو النتاج النهائي للورشة، فهناك أعمال ناجحة اعتمدت على ورش الكتابة مثل مسلسل حلاوة الدنيا، وهناك ورش كتابة أنتجت أعمال رديئة.
وأضاف الشناوي أن النجوم والمنتجين يلجأون إلى من يحققون معهم النجاح، فعادل إمام لجأ إلى ثلاثة كتاب شباب بعدما فشل في تحقيق النجاح المطلوب مع يوسف معاطي، وهناك من نجح في الكتابة بمفرده مثل السناريست عبد الرحيم كمال.
وتابع الشناوي أن انتشار ورش الكتابة جاء مع مسلسلات السيت كوم التى تعتمد على تعدد الأفكار وتحتاج إلى سرعة في الكتابة، ولكن بالرغم من موت مسلسلات السيت كوم إلا أن ورش الكتابة لم تمت، مشيرًا إلى أن الورشة النجاحة تعتمد على التناغم بين كتابها ووجود مشرف على الكتابة يستطيع تجميع تلك الأفكار وتوظيفها.
وشهدت السنوات الأخيرة انتشار كم كبير من الشباب الذين يرغبون في الاتجاه لعالم كتابة السيناريو بالرغم من أن بعضهم قد يكون لايمتلك موهبة الكتابة أو حتى دراستها، ولكن الشهرة والعائد المادي المرتفع كانا دافع لهؤلاء للشباب لطرق أبواب شركات الإنتاج للبحث عن فرص عمل أو وظيفة في هذا المجال وهو ما أضعف فرص أصحاب المواهب الحقيقة في الظهور للنور وعرض أعمالهم وأفكارهم على شركات الإنتاج أو الانضمام لورش السيناريو الناجحة بسبب كثرة الراغبين في دخول هذا المجال، لذلك قد نجد بعض الورش تعتمد على بعض الكتاب ضعاف الموهبة وهو ما يؤدي بالطبع إلى عمل فني رديء.
ومن جانبه أشار الناقد الكبير عصام زكريا إلى أن ورش الكتابة ليست بجديدة ولكن الشكل فقط هو ما تغير، حيث أن السيناريو ليس نص أدبي، لأن الفيلم يعتمد على العمل الجماعي ونجد أن المخرج يقوم بالتغيير في السيناريو ببعض الأحيان.
وأضاف زكريا في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم" أن سبب انتشار ورش كتابة السيناريو في السنوات الأخيرة، هو زيادة عدد المسلسلا ت بجانب تحولها عند البعض إلى مطمع و"سبوبة" تجلب الربح المادي، حيث أن بعض من يعمل بمهن قريبة من مهنة الكتابة يطمع في كتابة السيناريو من أجل المال، لذلك يقرر بعض الشباب إنشاء ورش كتابة تحت إشراف أحد الأسماء المشهورة، مع أن بعضم يفتقد للإمكانيات التى تؤهله لكتابة سيناريو بمفرده.
وقال عصام زكريا إن بعض الأسماء المشهورة يطلب منها أكثر من سيناريو في الموسم الواحد، لذلك يلجأ إلى الاستعانة ببعض هؤلاء الشباب بسبب ضيق وقته ويكتفي فقط بالمراجعة على ما تم كتابته ويكتب أسمه على السيناريو، كما قد تقوم بعض شركات الإنتاج بإضافة أحد الأسماء المشهورة للإشراف على السيناريو الذى كتبه بعض الشباب كي يكسب العمل ثقلاً فنيا.
وتابع زكريا أن ما يهمنا كجمهور ونقاد هو الناتج النهائي للعمل الفني بغض النظر عن أن ما كتبه ورشة كتابة أو كاتب واحد فقط, مشيرًا إلى أنه في بعض الأحيان قد يفتقد بعض الكتاب معلومات عن لهجة أو مهنة معينة، وتجد تلك المعلومات موجودة عند كاتب آخر لذلك في التجانس بين أفراد الورش ووجود مشرف على الكتابة يقوم بغربلة وتطوير ما تم كتابته، يؤدي في النهاية إلى عمل جيد.
وفي النهاية فإن ما يفرض نفسه على الساحة الفنية ويضع بصمته في أذهان الجمهور هو السيناريو الجيد، بغض النظر عن اعتماده على الكاتب الأوحد أو ورش الكتابة، فهناك الكثير من الأعمال الفنية التى لم تحقق النجاح بالرغم من اعتمادها على كاتب واحد فقط وأخرى حققت النجاح، والأمر ذاته مع ورش الكتابة التى حققت النجاح في أوقات كثيرة ولم تحقق النجاح في أوقات أخرى.