لم تنفك تلك الأحلام الوردية عنها طيلة مراهقتها وشبابها، أرادت السند والعون والدفء كما أخبروها، كانت تريد العوض عن الأب المهاجر والأم التى من ثقل الهم عليها وتحملها دور الأبوين ما عادت تقوى على شىء، كانت أمها ضحية زوج لم يعرف من الرجولة سوى الاسم، ولم تكن الإبنة تدرى أن مصيرها سيكون أسوأ وأشد سوادًا.
لعله سوء اختيار أو هو الرغبة من الخلاص من الفقر والمعاناة المستمرة فى بيت مفكك جعلها تومئ برأسها بالموافقة على ذلك الزوج الذى غلب عليها الظن بصلاحه، ولكن كان للقدر قول آخر يختلف عن جميع أحلامها وآمالها فيه، فالواقع كان صادمًا، والخيال بما فيه من جمال ومتعة ما هو إلا أوهام لا تمت للواقع بصلة، ولم تجنِ منها إلا التمنى وتعشيم النفس.
«فاتن».. فتاة جامعية عشرينية كانت تقطن مع والدتها وشقيقتها الصغرى، تمني نفسها بالعش الصغير والبيت الهادئ الذي سينقلها من هول طفولتها ومراهقتها إلى شباب منعم مع «محمود» ذلك الشاب الذى تقدم لخطبتها بعد أن رشحها أحد المقربين له.
فى أول لقاء بينهما، جاء الشاب بصحبة والدته والتي قررت بعد أول لقاء أن تتمم الزواج، ففرحت الفتاة بذلك هى ووالدتها وظنت أنه أخيرًا ستكون مع رجل يحميها وتعيش في كنفه وفي ظله، ولكن كان لوالدة «العريس» رأي آخر في إتمام الزيجة فتلك العروس تكاد تكون يتيمة فوالدها تركهم وذهب وراء ملذاته، باحثًا عن حياته هو وراحته بعيدا عن تحمل أعباء البيت ومسئوليته كأب، ووالدتها امرأة ضعيفة لم تقو على شىء، حياتها أشبه بجحيم، حملت بأثقال الدنيا وفي رقبتها ابنتان تريد كأى أم سترهما حتى وصولهما إلى بيتهما الخاص.
تيقنت «الحماة» أن تلك الفتاة تصلح لأن تكون خادمة لها ولابنتها الوحيدة، فلن يكون لها ظهر وستستطيع أن تمارس عليهم ساديتها وتحكمها وتسلطها، وتأكدت أنها جلبت للبيت فتاة «لا بتهش ولا بتنش»، وليس وراءها أحد يرعاها أو يأخذ لها بحق، هذا كان مخطط والدة العريس الذي كان عبارة عن أداة في يدها، تحركه يمينًا ويسارًا كما تشاء، ووقتما تشاء.
تقول «فاتن»: كانت مراسم زفافى فى غاية البساطة، رفضت أن تقدم حتى مشروبا أو قطعة حلوى للمعازيم، فسارت أمى تذهب للمحلات لشراء معلبات من العصائر لتقدمها لهم، ومن قبلها كانت تجادل وتفاصل فى أبسط حقوقى، وكنا نوافق بدافع التيسير فالحياة غالية والستر أهم من الغرف وغيرها وتم الزفاف بعد أن اختارت لى أسوأ شىء وأرخص أجهزة.
وتستكمل: في الليلة الأولى للعروس ببيت الزوجية اكتشفت أن الابن ليس له أى شخصية، فخطبتى لم تستمر طويلًا لكى أراه على حقيقته، شهران فقط كان عمرها، مضيفة، ووقعت فى فخ نصب لى من أول يوم فوالدة زوجى كانت تقف لى بالمرصاد هذا ما دفعنى لأن أهرب من الجحيم بعد شهر واحد من زواجى.
وتتابع: حماتى لم تمهلنى حتى قضاء «شهر العسل» فمنذ أول ليلة وهى تقف لى بالمرصاد كانت تتحكم فى كل شىء فكنت أسكن فوقها فى بيت العائلة كانت شقتى منذ اللحظة الأولى مرتعا لها ولنجلتها الوحيدة، أظل طيلة اليوم معهم فى شقتهم أطبخ وأغسل وأتلقى اللعنات لا أصعد لشقتى إلا بإذنها ولا يختلى بى زوجى إلا إذا وافقت وطلب منها الإذن.
وتضيف: مفاتيح شقتى بيدها لا شىء يملأ ثلاجتى، لا نقود معى، كأنها اعتقلتنى أو تنفذ فى حكمًا بعد أن أجرمت، كل خصوصياتى انتهكتها، وكلما فاتحت زوجى فى الأمر لا أجد منه كلمة واحدة تخفف عنى، كنت من هول الصدمة لا أدرى ماذا على أن أفعل وماذا يجب على، وحينما سمعتنى «حماتى» ذات مرة أشكو لابنها ما يحدث معى؛ طردتنى من البيت بعد 25 يوما فقط من زفافى غير مبالية بما سيقوله الناس عنى حينما يشاهدوننى عائدة لأمى قبل قضاء شهر من زواجى، وحينما صعدت لشقتى لأخذ ملابسى، وقفت لى وطردتنى دون أخذ أى شىء.
وقالت: بعدها كانت تقف بالمرصاد لكل محاولات الصلح وفى إحدى المرات هاتفنى زوجى ليصلحنى ولكنها سرعان ما اختطفت منه الهاتف لتحدثنى ثم وجدتها تصرخ وتخبره بأننى أسبها وأشتمها فى الهاتف على غير الحقيقة، ثم أتبعت ذلك بإغلاقه فى وجهى.
بعدها بعدة أيام أرسلت أمى أحد معارفنا بطلب الطلاق وأخذ «حقوقى» وجهازى، ولكنهم رفضوا وتركونا وأخبرونا أنهم سيتركونى كـ«البيت الوقف»، وأنها ستزوج ابنها بغيرى على عفشى وملابسى، فلم أجد لى أى مخرج سوى طلب إقامة دعوى خلع وبالفعل أقمت دعواى فى محكمة أسرة السيدة زينب وحكم القاضى لى.