«أبو مازن» على مكتبه خلال ساعات.. ولديه خطة لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى
نملك الطرق للضغط على الدول الداعمة للقرار الأمريكى بنقل السفارة
لن نوقع اتفاقًا مع الاحتلال أو نجلس على طاولة المفاوضات بدون «القدس»
نشكر الرئيس السيسى على رعاية المصالحة.. ونأمل إتمامها خلال أقرب وقت
لم تتمكن دول العالم من وقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب المسالم، الذى خرج بصدور عارية فى مواجهة الرصاص والبارود. كما لم يستطع العالم أن يثنى أمريكا عن قرار نقل السفارة، ويندهش المجتمع الدولى بين الحين والآخر، باتخاذ الاحتلال الإسرائيلى خطوات استيطانية بحماية من الولايات المتحدة؛ من أجل زيادة الخناق على الشعب الفلسطينى، والاستيلاء على ما تبقى من الأرض. وبينما كان جنود الاحتلال الاسرائيلى، يصيبون أكثر من 10 آلاف مواطن فلسطينى، ويقتلون ما يزيد على المائة، كان قاداتهم يصطفون بجانب كبار مسئولى أمريكا برئاسة إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر، يقرعون كؤوسهم احتفالًا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وحول تصاعد الأحداث الأخيرة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
عطفًا على ما سبق، كان لـ«بلدنا اليوم» حوار مع السفير الفلسطينى بالقاهرة، دياب اللوح، ألقى فيه الضوء على ما يعانيه الشعب من صعوبات فى ظل الاحتلال الإسرائيلى، وإليكم نص الحوار:
- ما تعقيبك على الاعتداءات الأخيرة ضد الفلسطينيين خلال مسيرات العودة؟
مسيرات العودة التى خرج فيها الفلسطينيون بشكل سلمى، كانت للتعبير عن الحق، حق هؤلاء اللاجئين فى العودة إلى بيوتهم التى هُجِّروا وأُخرجوا منها قسرًا وبالقوة، عام 1948م. وبالرغم من أنهم خرجوا بشكل سلمى، كانوا فقط يهتفون ويرفعون الرايات والأعلام الفلسطينية؛ جرت مواجهتهم بالرصاص الحى، والقوة الغاشمة التى استخدمها جيش الاحتلال الاسرائيلى، ما أسفر عن وقوع أكثر من مائة شهيد، وحوالى 10 آلاف جريح، منذ مارس الماضى.
- إلى متى ستستمر تلك المسيرات؟
«مسيرة العودة» هى مسيرات شعبية، تعبر عن الإرادة الشعبية الفلسطينية، وقرار استمرارها من عدمه يملكه الشعب، فهم غير موجهين بـ«الريموت كونترول»، إنما يخرجون بشكل تلقائى، مدفوعين بالحماس، والحق، للتعبير عن إرادتهم بالعودة إلى أرضهم، والخلاص من الاحتلال والعيش بحرية، وكرامة. ونحن فى السلطة الوطنية الفلسطينية، نحاول قدر المستطاع توفير الغطاء الشرعى والقانونى لهذا الفعل الجماهيرى، سواء فى قطاع غزة، أو بأنحاء الضفة الغربية، والذى يتمثل فى حماية هؤلاء المتظاهرين السلميين والدفاع عنهم، وأيضًا دعم مطالبهم المشروعة، والتصدى لقوى الاحتلال التى تفتك بهم.
- ما الإجراءات القانونية التى اتخذتها السلطات الفلسطينية لحماية الشعب؟
تعمل السلطة الفلسطينية بشكل مستمر على حماية أبناء الشعب، حيث تقدمت بطلب إلى رئاسة محكمة الجنايات الدولية، عن طريق وزير الخارجية؛ لفتح تحقيق "دولى، ميدانى، جنائى" فيما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلى، وضباطه، وقناصته، وجنوده، بحق هؤلاء المتظاهرين. وعلى مستوى مجلس جامعة الدول العربية الوزارى، تم تكليف الأمين العام، بتشكيل لجنة تحقيق دولية، موفدة من مجلس الأمن الدولى، إضافة إلى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف، للتحقيق فى تلك المذابح التى ارتكبتها قوات جيش الاحتلال، يوم الثامن من مايو الجارى. كما تقدمت السلطات الفلسطينية بطلب واضح لمجلس الأمن بتوفير حماية دولية للشعب، لأننا شعب أعزل لا نملك سلاحًا، ولا نريد أن ننجر لمربع العنف، الذى تريد إسرائيل وضعنا داخله، نحن نتمسك بالمقاومة الشعبية، وعلى المجتمع الدولى أن يحمى شعبنا من هذه القوة الغاشمة. نحن أصحاب حق، وأصحاب قضية عادلة، وننطلق من هذا الأساس.
- كيف يتم تأمين الشعب فى أثناء الاحتجاجات والمسيرات الشعبية؟
هذا شىء لا يمكن ضمانه، لأن الجهة الأخرى معادية، يطلقون الرصاص الحى بدون وازع أو خجل، أو مراعاة لأبسط قواعد القانون الدولى، فإسرائيل تنتهك القوانين بشكل فاضح، وتتعامل بقوة مفرطة من خلال استخدام الرصاص الحى مع هؤلاء المتظاهرين المسالمين. لم نر فلسطينيا يحمل سلاحا أو سكينا، هو فقط خرج يحمل ابنه ومفتاح بيته رافعًا علم البلاد، ومطالبًا العالم بتنفيذ إرادته الشرعية والدولية، حسب قرار حق العودة لعام 1948، الذى نص على إعادة الفلسطينيين إلى ديارهم التى هُجِّروا منها.
والشعب الفلسطينى لا يطالب بالصعود إلى القمر، هو يطالب فقط بحقه فى العودة إلى بيته، هذا كل ما فى الأمر، فكيف يمكن لأى سلطة أن تمنع لاجئا فلسطينيا أو مواطنا من حقه فى العودة. وبالتالى الشعب الفلسطينى غير قادر على حماية نفسه، من بطش الآلة الحربية الإسرائيلية، والانتهاكات التى تتم ضده بشكل متكرر، ولذلك نحن دائما نطالب بحماية دولية، ضد هذا المحتل المعتدى.
ويجب على محكمة العدل الدولة، ومجلس حقوق الإنسان بجنيف، أن يرسلوا مجالس تحقيق، بشأن ما يحدث من اعتداءات متكررة ضد الشعب.
- لماذا لم تستطع دول العالم أن توقف القرار الأمريكى بنقل السفارة؟
هناك نظام عمل فى مجلس الأمن، يسمى بالميثاق، والدبلوماسية الفلسطينية والعربية أحرزت تقدمًا واضحا، فعقب صدور القرار الامريكى، بأن القدس عاصمة لإسرائيل؛ تقدمت مصر بمشروع قرار لمجلس الأمن، فى السادس من ديسمبر الماضى، فصوتت 14 دولة لصالح مشروع القرار العربى. للأسف الشديد، كان المعترض الوحيد على القرار هو أمريكا، واستخدمت حق الفيتو، ليصبح الوضع وقتها، أن العالم فى كفة، وواشنطن فى الكفة الأخرى، وللأسف ميثاق مجلس الأمن يوفر لها ذلك، لأنها دولة دائمة العضوية، لها الحق فى استخدام «الفيتو»، تستطيع إبطال أى قرار، مهما كان مُهِمًا، أو بلغ عدد الدول التى وافقت عليه، ولذلك أبطلت أمريكا، القرار المصرى، ووقفت أمام إرادة العالم. ولم ينته الأمر عند هذا الحد؛ بل وفرت غطاءً وحماية لإسرائيل التى تقتل الشعب الفلسطينى يوميًا.
- ما موقف فلسطين تجاه الدول التى دعمت نقل السفارة الأمريكية للقدس؟
نحن فى فلسطين استدعينا سفراءنا من الدول التى حضرت حفل افتتاح السفارة، وكذلك من الدول التى تعتزم نقل سفارتها للقدس، وهذا شكَّل ضغطا عليهم، كما استدعينا سفيرنا فى واشنطن، والنمسا والتشيك وغيرهم، ووجهنا مذكرات عاجلة، احتجاجًا على افتتاح السفارة الأمريكية فى القدس. وهناك دول استدعت سفيرها مثل أنجولا، وأوقفت مدير الشرق الأوسط فى الوزارة عن العمل على هذه الخلفية.
- وكيف تتعاملون مع الدول التى نقلت سفاراتها أسوةً بالولايات المتحدة؟
فى هذه الحالة، يبرز دول العمل العربى المشترك، فمثلاً جامعة الدول العربية ألغت بروتوكول التعاون، مع عدد من الدول التى قررت نقل سفارتها إلى «القدس». ومجلس الجامعة على المستوى الوزارى كلف الأمانة العامة، بإعداد خطة متكاملة تشتمل على الوسائل والطرق المناسبة التى يمكن استخدامها لمواجهة القرار الأمريكى، أو قرار أية دولة أخرى تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو تنقل سفارتها إليها، بما فى ذلك من الوسائل والطرق السياسية والقانونية والاقتصادية. وتعمم هذه الخطة على الدول الأعضاء فى غضون أسبوعين من تاريخ صدور هذا القرار لاعتماد العمل بمقتضاه. وهذا يعنى وجود قرارات قمم عربية، ومجالس على مستوى جامعة الدول العربية، سواء على مستوى وزراء الخارجية أو المندوبين الدائمين بقطع العلاقات أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى، مع أى دولة تنقل سفارتها إلى القدس.
- هل تعتبر هذه القرارات كافية للتصدى إلى قرار نقل السفارة؟
من الممكن أن يتم التصعيد أكثر من ذلك، وتتخذ الدول العربية قرارات أوسع، لكننا لم نشترط أى شىء، وتركنا الحرية لكل دولة حتى تتخذ ما تراه مناسبًا بشأن هذه القضية العربية. وألغت جامعة الدول العربية بروتكول التعاون مع الباراجواى فى هذا الشأن، كما كلفت الأمانة العامة تقديم توصيات بخصوص التعامل مع الدول الموالية لأمريكا فى قرارها، سواء من خلال التواصل معها لحثها على الإحجام عن مثل هذه الخطوة غير القانونية، والالتزام بالقانون الدولى، والقرارات الشرعية الدولية، أو النظر فى الإجراءات التى يمكن اتخاذها حال إقدامها على نقل سفارتها. إضافة إلى وجود بحث مستفيض فى مجلس الجامعة على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية، وفى هذا الإطار صدر قرار منه، أكد رفض وإدانة نقل السفارة وطالب أمريكا بالتراجع عن هذا القرار، واعتبر النقل سابقة خطيرة تخرق الإجماع الدولى، حول القدس، باعتبارها مدينة محتلة، وعاصمة دولة فلسطين. أيضًا اعتبر نقل أمريكا سفارتها فى ذكرى النكبة هو إمعان فى العدوان على الشعب الفلسطينى. وذكرتها سابقًا، أن أمريكا انتقلت من المنحاز كليًا بجانب إسرائيل، إلى المعادى كليًا للشعب الفلسطينى.
- كيف حال القدس فى قبضة الاحتلال؟
القدس تواجه تحديات كبيرة، فهناك خطر محدق بها، لأن إسرائيل تعمل على تهويدها، وطمس الرواية الفلسطينية العربية الإسلامية والمسيحية عنها، كما تكرر قواتها الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك. ما زالت إسرائيل تسعى لتقسيم القدس زمانيًا ومكانيًا، كما تمارس تضييق الخناق على المقدسيين لحثِّهِم على الهجرة القسرية، ففى العام الماضى فقط أسقطت 14 ألف هوية لهم. إضافة إلى فرض ضرائب باهظة على المقدسيين، ومصادرة الممتلكات الخاصة بهم، وحرمانهم من السفر، ومن دخول المسجد الأقصى المبارك، كما تغلق محلاتهم، وبالتالى فاقتصاد القدس مشلول، وأمام هذه الأخطار والتحديات أصبح مطلوبا منا كشعب فلسطينى، ومن الأمة العربية الشقيقة، دعم صمود أهل القدس، بالرفض والإدانة والاستنكار بجانب كل أشكال الدعم الأخرى "المعنوى، والمالى، والاقتصادى، والسياسى". وطالبنا الأشقاء فى الدول العربية والإسلامية، بزيارة القدس، وقلنا إن الزيارة تعنى زيارة السجين، وليس السجان.
- هل يعنى ذلك أن التضييق على القدس مشابه لحصار غزة؟
ليس بالضبط، لأن القدس عنوان الصراع، فهى مدينة فلسطينية، وعربية، وإسلامية، ومسيحية، تمثل مهبط الأفئدة لهم جميعًا.
وبالرغم من أهمية ما يجرى فى غزة؛ لكن المسألة بالنسبة للقدس مختلفة، فهى بالنسبة لنا كفلسطينيين تعد فى المرتبة الأولى، كونها النقطة الأساسية التى يدور حولها الصراع. بدون القدس لا توجد تسوية للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، كذلك بدونها لن نوقِّع اتفاقًا مع إسرائيل، أو نجلس على طاولة المفاوضات، فهى جزء لا يتجزأ من الأراضى الفلسطينية التى تم احتلالها. القدس هى العاصمة، وهى قضية من قضايا الحل النهائى مع الإسرائيليين، وإخراجها من طاولة المفاوضات كما تريد أمريكا، هذا يعنى عدم وجود مفاوضات، وعدم وجود لأمريكا على طاولتها، لذلك نحن قلنا إن "لا دولة بدون القدس".
- إذن.. كيف ترى مشروع دولة غزة الكبرى؟
رفضنا، ولا زلنا نرفض هذا المشروع، فلا دولة فى غزة، ولا دولة بدونها، وأرض مصر لمصر، ولا نقيم دولتنا إلا على ترابنا الوطنى الفلسطينى.
- يريد البعض إخراج قضية فلسطين من كونها «إنسانية وعربية» وتحجيمها فى «إسلامية فقط».. هل توافق على ذلك؟
نعم، لكنها محاولات بائسة لإخراج القدس من السياق التاريخى والقانونى، وقد فشلت، وأبدًا لن يُكتب لها النجاح. ونحن فى فلسطين بحالة حراك سياسى ودبلوماسى وقانونى، ونسعى للحافظ على المكانة التاريخية للقدس، باعتبارها مدينة فلسطينية محتلة، كما أن اتفاقية جنيف الرابعة، والعديد من القرارات الدولية تحظر إجراء أية متغيرات جغرافية أو ديموغرافية، وبالتالى، أى قرارات لتغيير وضع القدس سواء من الجانب الإسرائيلى أو الأمريكى، تعتبر لاغية، ولا قيمة لها.
- كيف هى الحالة الصحية للرئيس عباس أبو مازن الآن؟
الرئيس الحمد لله بخير، يتعافى، بعد الوعكة الصحية التى ألمت به، ونشكر الرئيس عبد الفتاح السيسى، ورجال الدولة المصرية، الذين اتصلوا للاطمئنان عليه، وأعتقد أنه خلال الساعات القادمة سيعود لمكتبه، لمزاولة مهامه.
- ما خطة الرئيس الفلسطينى تجاه التغيرات الأخيرة بالقدس؟
تقدم الرئيس بخطة، عبارة عن رؤية لمستقبل عملية السلام فى المنطقة، إلى مجلس الأمن فى 20 فبراير، وهى تشتمل على عناصر كثيرة لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى، أهمها توفير مظلة دولية فى إطار آلية متعددة الأطراف، من خلال مؤتمر دولى للسلام، لدى طرف من الأطراف الراعية لعملية السلام فى الشرق الأوسط، وليس الراعى الحصرى له، وتقوم أساسيات المؤتمر على القرارات الشرعية الدولية، والمبادرة العربية للسلام، وحل الدولتين. وتعد هذه الخطة أساسًا صالحًا، لأى تحرك مستقبلى، وتؤكد تمسكنا بالمبادرة العربية للسلام التى اعتمدتها قمة بيروت عام 2002.
- ما نصيب المصالحة الفلسطينية من خطة الرئيس أبو مازن؟
المصالحة ضرورة ومصلحة وطنية فلسطينية، ولكنها ليست فى إطار الخطة التى تقدم بها الرئيس، لكننا بالمساعدة والتعاون مع مصر الشقيقة، التى قادتها فى الفترة الأخيرة؛ سنعمل على تحقيقها فى أقرب وقت ممكن. وأتقدم بالشكر للرئيس عبد الفتاح السيسى، ومصر على رعايتها للمصالحة، ونتمنى أن تشهد الأيام القادمة، خطوات جديدة فى هذا الإطار.