الطبيب الخلوق.. جيران ”استشاري حلوان” يروون اللحظات الاخيرة في حياته

الاربعاء 13 يونية 2018 | 11:42 مساءً
كتب : محمود صلاح - رمضان سمير

"خيرًا تعمل شرًا تلقى" مثل شعبي من ضمن آلاف الأمثال، التي ظهرت في بعض المسلسلات المصرية، والتي تبين قدر الخداع ونكران الجميل من بعض الأشخاص، حتى أصبح واقع يطبقه العديد من الشخصيات في شتى بقاع المحروسة، وهذا ما تجسد بالفعل في منطقة حلوان.

 

لم يكن يتوقع "فتحي عبد الغفار" طبيب النساء والتوليد في حلوان، أن طلقة الغدر والخيانة ستأتي من أقرب الأشخاص له، وخاصةً ممن تسبب في توفير لقمة العيش لها، وخلق لها وظيفة تعمل بها في عيادته، ولكن في بعض الأوقات لا يكتفي الإنسان بما قسمه الله له، وتمتد عيناها إلى غيره حتى وإن كان الثمن قتل الطبيب الخلوق الذي استطاع أن يمتلك قلوب كل من عرفه من أهالي المنطقة، فلا يختلف أحدًا على أخلاقة وحبه للجميع.  

 

ظلت الطلاسم منقوشة على جريمة طبيب حلوان، ولم يستطيع فك شفرتها غير رجال الشرطة، بعد مرور عدة أيام على حدوثها، وتبين للجميع أن من قتله، هي الممرضة التي كانت تعمل معه، بالاتفاق مع زوجها وصديقهما، للاستيلاء على سيارته وأمواله التي يتركها في العيادة، فعقب الوصول لمرتكبي الجريمة، ذهبت "بلدنا اليوم" لمكان الواقعة لمحاورة جيرانه عن حياته ومعاملته قبل حدوث الواقعة.

 

فور نزولك من محطة مترو حلوان، حيث البائعين والإزدحام ، تجد على يدك اليمنى شارع طويل لا يتخطى اتساعة بضع أمتار، ومنازل لا يتخطى ارتفاعها ثلاثة أدوار، وعلى مرمى البصر تجد عمارة فاخرة يراها كل من يمر من هناك، تجد عليها لافتة معلقة، منقوشًا عليها باللون الأبيض "عيادة الدكتور فتحي عبد الغفار" وعند الوصول تجد رجال تتراوح أعمارهم مابين الخمسين والتستين، تتلاعب على وجوههم علامات الحزن والألم، وتخرج منهم عبارات جميلة يتحدثون بها عن أحد يبدوا أنه فقد الحياة.

 

"راجل مشوفتش زيه في حياتي كان راجل بلسم" بهذه العبارات تحدث "عم حسين" البالغ من العمر 63 عامًا، لمحرري "بلدنا اليوم" أنه يسكن بجوار في العمارة المقابلة لمدة 15 عامًا لم يجد منه شيء مخالف على الإطلاق، وكان محبًا للجميع، ومن الأشياء الجميلة التي تذكر له، أنه كان دائم الحضور في المسجد، ومحافظًا على صلاة الجماعة، حتى أن بداية معرفتنا كانت في المسجد.  

 

وتابع حديثه وعيناه شاردة صوب العمارة الفاخرة، وبدأ يحكي بعض المواقف التي حدثة بينهما، حتى أنه من خلال شهور كان أحد  العاملين زوجته تريد الولادة، وحالتهم المادية ليست على ما يرام، فعرض على الدكتور أن ادفع نصف الثمن مقابل عمل العملية، فكان رده:" احنا مش هنعمل حاجة إلا لله" ولم يتقاضى أي مبالغ مادية من هذا الشاب الذي كان يعمل معنا، وهناك العديد من المواقف التي يعملها مع الأهالي، فقد طلب أبنت صديقي ان تعمل مع في العيادة وهى لا تعلم شيء عن هذا العمل، ولكن كان غرضه معاونتها في مبالغ الدروس الثانوية العامة، وكل ذلك بالإضافة إلى أخلاقه التي يشهد لها الجميع.

 

بدوره، جلس شاب ثلاثيني في مدخل العمارة، وبجواره زوجته التي ترتدي جلبابها السوداء، وابنته الصغيرة التي يتردد صوت بكائها العالي، ينظرون جميعًا إلى الكراسي المرصوصة أمامهم في الشارع، ويذكرون هذا الشخص الذي فقدوه منذ أيام.

"أنا لغاية دلوقتى مش مصدق والله" بهذه الكلمات بدأ "أبو جنى" حارس العقار حديثه لـ "بلدنا اليوم" قائلًا إن الطبيب القتيل كان يتمتع بحسن الأخلاق والسمعة وطيب السيرة ومراعاة الله في عمله، مضيفًا "كان عنده ضمير وكل الناس بتشكر فيه وعمره ما زعق لحد أو غلط فى شخص".

وأضاف وهو يقلب كفيه غاضبًا: "لما مراتى كانت حامل هو اللى ولدها ومرضاش ياخد منى فلوس، يتقتل ليه بس"، وبسؤاله عن العزاء الصغير الذى يوجد داخل العمارة رد قائلًا: "سكان العمارة هما اللى عملوه والله يا أستاذ الكل بيحبه". واختم حارس العقار حديثه بقوله «حسبى الله ونعم الوكيل ومنهم لله اللى عملوا كدة".

وبوجه حزين التقطت «سارة. ه» إحدى الممرضات بعيادة المجنى عليه، أطراف الحديث معربةً عن صدمتها لما حدث للطبيب المجني عليه، قائلةً: "مش ممكن تكون دي نهايته دة عمره ما عمل حاجة وحشة في حد"، وتابعت: "أنا واتنين من زملائى بنشتغل مع دكتور فتحى من فترة كان بيعاملنا كأننا ولاده ماكنش بيسيب فرض ربنا أبدا وذكر الله دائما على لسانه".

وتابعت حديثها: "يوم الخميس ليلة الحادث، كان عازمنا على الفطار بعد الانتهاء من حالة ولادة وعقب الفطار كانت لديه 5 حالات كشف انتهى منها وذهب لأداء صلاة العشاء والتراويح فى مسجد خلف العيادة ثم غادر"، مختتمة بقولها "الكل بيحبه عمره ما غلط فى حد أو زعلنا أنا مش عارفة حصل إزاى دة".

 

"علاقته بكل الناس محترمة هو خلوق لدرجة كبيرة وكان بيصلى دايما بالمسجد وبيعمل الخير دايمًا".. هذا ما أكدت عليه إحدى ساكنات العقار ناعية الطبيب القتيل، مضيفةً: "ربنا ينتقم من اللى عمل كدة في الدكتور فتحي، حسبي الله ونعم الوكيل".