تتجدد التساؤلات حول العادات والقوانين المرتبطة بشهر رمضان الكريم، خاصة مع انتشار تحذيرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى حملات متوقعة تستهدف المقاهي والشوارع لضبط المجاهرين بالإفطار خلال ساعات الصيام.
وفي إطار السعي لفهم هذا الأمر وتونس والسعودية والإمارات والسودان تفرض بالفعل عقوبات قانونية على هذا السلوك، تتراوح بين الغرامات المالية والحبس. أما في مصر، فتظل المسألة محل جدل وتباين في الآراء بين رجال الشرطة والقانونيين والحقوقيين ورجال الدين، مما يجعل الوضع مختلفًا وغير موحد.
بدأت في عام 2019 جهود للتصدي لما يُعرف بظاهرة المجاهرة بالإفطار، عبر تنفيذ حملات أمنية في عدد من المحافظات، أدت إلى ضبط العشرات من الأفراد في محافظات مثل أسوان وبورسعيد والسويس والإسكندرية، مع تحرير محاضر ضدهم بتهمة التجاهر بالإفطار خلال شهر رمضان.
مساعد وزير الداخلية الأسبق: الإعلام يجبرنا على تنفيذ الحملات
يروي اللواء أشرف أمين، مساعد وزير الداخلية السابق، أنه خلال تلك الفترة كان يعمل في جهاز الأمن العام، وجاء تنفيذ تلك الحملات نتيجة ضغوط كبيرة مارستها وسائل الإعلام على رجال الشرطة للتصدي لظاهرة انتشار الشباب الذين يتجاهرون بالإفطار في الشوارع، مضيفًا أنه تم تنظيم عدة حملات في عدد من المحافظات لضبط الوضع، وتحررت محاضر ضد من تم القبض عليهم، لكن جميعهم أُطلق سراحهم من النيابة بعد دفع غرامة قدرها 50 جنيهًا.
ويبيّن مساعد وزير الداخلية السابق أن التهمة الموجهة إليهم استندت إلى مواد في قانون العقوبات، مؤكدًا وجود عقوبة قانونية لفعل المجاهرة بالإفطار، لأن استياء الناس من تصرفات هؤلاء الشباب قد يتسبب في اندلاع مشاجرات وفتن في مدن وقرى متعددة، نتيجة الرفض المجتمعي والديني للتفاخر والتباهي بالإفطار في شوارع رمضان نهارًا.
وأضاف قائلاً: إنه بمجرد تراجع الظاهرة وتحقيق الهدف من تلك الحملات، توقفت عمليات الضبط، لا سيما أن الأولوية الأساسية لرجال الشرطة في رمضان تتمثل في تنظيم المرور، ومتابعة الأسواق والأسعار، ومداهمة أوكار المخدرات، وليس تتبع من يصوم أو يفطر. وأكد أن عمليات القبض كانت تتم وفق أساس قانوني مستمد من قانون العقوبات.
محامي: لا يوجد مادة في القانون المصري بلفظ "الجهر بالإفطار"
من جهته، ينفي المحامي محمد ميزار وجود عقوبة قانونية صريحة لفعل المجاهرة بالإفطار، مشيرًا إلى أن قانون العقوبات لا يتضمن أصلاً مصطلح "الجهر بالإفطار". وأوضح أن ما يحدث يعتمد على قرار وزاري سابق، أو ربما يستند إلى قانون تنظيم عمل المقاهي والأماكن التي يُقدم فيها الطعام والشراب، وليس عقوبة محددة لجريمة تُعرف بالجهر بالإفطار. وأضاف: "قد يُحرر محضر ضد من يُجاهر بالإفطار بناءً على مواد في قانون العقوبات تتعلق بتهديد أمن الشارع أو سلامة المارة".
وأشار "ميزار" إلى أن مثل هذه الأمور تندرج ضمن إطار الذوق العام والآداب العامة، ولا يمكن تنظيمها بقانون ملزم، خاصة مع وجود غير المسلمين الذين لا يمكن إجبارهم على الامتناع عن تناول الطعام أو الشراب في نهار رمضان، فضلاً عن المرضى وكبار السن الذين قد يضطرهم وضعهم الصحي إلى عدم الصيام.
داعية أزهري.. تجريم الإفطار ضروري لحماية المجتمع من تفشي الفتنة
أما الرأي الديني في المسألة فقد بيّنه الدكتور أحمد المالكي، عضو المكتب الفني لمشيخة الأزهر، أن الهدف الأسمى من فريضة الصيام هو تحقيق التقوى، مستندًا إلى قوله تعالى "لعلكم تتقون"، وأن التهاون في الصيام يعد معصية كبيرة، مضيفًا أن إفطار المسلم مع المجاهرة بذلك يفاقم من خطورة العصيان والإثم، داعيًا الدولة إلى سن تشريع يعاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان، واعتبر أن هذا السلوك لا يندرج تحت الحرية الشخصية بأي حال، مؤكدًا أن تجريمه ضروري لحماية المجتمع من تفشي الفتنة.
وأردف قائلاً إن النبي الكريم حذّر مرارًا من المجاهرة بالمعصية في عدة مواقف، مستشهدًا بقوله: "لعن الله المجاهرين، من ابتلي فليستتر بستر الله، وكل أمتي معافى إلا المجاهرين".