قال الباحث والمحلل السياسي الكندي يوسف صداقي في حديث خاص لصحيفة بلدنا اليوم إن الولايات المتحدة وأوكرانيا تقتربان من توقيع اتفاق استراتيجي يمنح واشنطن حق الوصول إلى المعادن النادرة في الأراضي الأوكرانية.
وأشار إلى أن هذا الاتفاق يأتي في توقيت حساس على الساحة الدولية، حيث يتزامن مع التوترات المستمرة بين أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى المنافسة التجارية والتكنولوجية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين.
بنود الاتفاق وأهدافه
وأوضح صداقي، أن الاتفاق يتضمن عدة نقاط رئيسية تهدف إلى تأمين المعادن الاستراتيجية للصناعات التكنولوجية والعسكرية الأمريكية، وفي الوقت نفسه، دعم الاقتصاد الأوكراني الذي يعاني من تداعيات الحرب
البنود المهمة
الاستثمار الأمريكي، في البنية التحتية للتعدين ستعمل الولايات المتحدة على تطوير المناجم ومعامل المعالجة في أوكرانيا، مما يعزز قدرة كييف على تصدير المعادن النادرة.
تقاسم العائدات ستحصل أوكرانيا على ثلثي العائدات من عمليات التعدين، بينما تستحوذ الولايات المتحدة على الثلث المتبقي مقابل الدعم اللوجستي والتكنولوجي والمعدات العسكرية.
إنشاء صندوق استثماري بقيمة 500 مليار دولار ستساهم أوكرانيا بنسبة 50% من عائدات بيع المعادن في هذا الصندوق، بينما ستشارك الولايات المتحدة دون فرض ديون إضافية على كييف.
تأمين إمدادات المعادن لشركات التكنولوجيا والدفاع الأمريكية: مثل "تسلا" و"لوكهيد مارتن"، اللتين تعتمدان على المعادن النادرة في تصنيع بطاريات الليثيوم وأشباه الموصلات والتقنيات العسكرية.
ضمانات أمنية لأوكرانيا طلبت كييف التزامًا أمريكيًا بتعزيز دفاعاتها، ما قد يشمل دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا إضافيًا.
البعد الاقتصادي واشنطن تسعى لتقليل اعتمادها على الصين
وأكد صداقي أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة من هذا الاتفاق هو تقليل اعتمادها على الصين في استيراد المعادن النادرة، حيث تهيمن بكين على أكثر من 60% من الإنتاج العالمي لهذه الموارد. ولفت إلى أن هذا يمنح الصين نفوذًا كبيرًا في الأسواق الدولية، خاصة في ظل النزاعات التجارية المستمرة مع واشنطن.
على الجانب الآخر، شدد صداقي على أن الاتفاق يوفر لأوكرانيا فرصة اقتصادية مهمة، حيث سيخلق فرص عمل جديدة، ويساهم في إعادة بناء البنية التحتية، ويعزز مكانة كييف كمصدر رئيسي للمعادن النادرة في أوروبا والعالم.
التداعيات السياسية والجيوستراتيجية
وأشار الباحث إلى أن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى تصعيد التوترات على المستوى الدولي، حيث سيؤثر على مصالح كل من روسيا والصين:
مع روسيا قد تعتبر موسكو هذه الصفقة تهديدًا مباشرًا لمصالحها، نظرًا لأنها ستعزز الوجود الاقتصادي وربما العسكري للولايات المتحدة في أوكرانيا.
ولفت صداقي إلى أن روسيا قد تتخذ خطوات مضادة، مثل تعزيز نفوذها في أسواق المعادن والطاقة، أو حتى تصعيد عملياتها العسكرية.
مع الصين تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الصين في استيراد المعادن النادرة، لذا فإن تأمين مصادر بديلة عبر أوكرانيا قد يقلل من نفوذ بكين على سلاسل التوريد العالمية.
وأوضح صداقي أن بكين قد ترى في هذا الاتفاق خطوة عدائية، وقد ترد بإجراءات مضادة، مثل فرض قيود على تصدير المعادن أو تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع روسيا.
داخل أوكرانيا
هناك انقسام داخلي حول الاتفاق، حيث يرى البعض أنه خطوة إيجابية لتعزيز الاقتصاد، بينما يخشى آخرون من أن يؤدي إلى تعميق الاعتماد على الولايات المتحدة، خاصة في ظل مطالبة كييف بضمانات أمنية مقابل منح حقوق التعدين.
ردود الأفعال الدولية وتوقعات المستقبل
شدد صداقي على أن الاتفاق أثار ردود فعل متباينة عالميًا، حيث رحبت الأوساط الاقتصادية الأمريكية بهذه الخطوة باعتبارها ضرورية لأمن الإمدادات التكنولوجية والعسكرية، بينما أعربت بعض الأوساط السياسية عن مخاوفها من أن يؤدي تعزيز الوجود الأمريكي في أوكرانيا إلى تصعيد الصراع مع روسيا.
و في الصين، فلم يصدر تعليق رسمي بعد، لكن من المتوقع أن يكون هناك قلق متزايد بشأن التأثير المحتمل لهذا الاتفاق على هيمنتها في سوق المعادن النادرة.
واختتم صداقي حديثه بالقول إن الاتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن المعادن النادرة يمثل تحولًا استراتيجيًا مهمًا له تأثيرات واسعة على الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية. وبينما يمنح واشنطن فرصة لتقليل اعتمادها على الصين، فإنه قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع روسيا.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن الاتفاق يوفر فرصة اقتصادية، لكنه قد يحمل تحديات سياسية وأمنية في المستقبل.