في خطوة جادة نحو تحقيق نهضة صناعية شاملة، أطلقت الحكومة المرحلة الأولى من مبادرة طموحة تستهدف دعم القطاعات الصناعية ذات الأولوية، بتسهيلات تمويلية تصل إلى 30 مليار جنيه.
المبادرة التي أعلنت عنها الحكومة خلال الاجتماع الرابع عشر للمجموعة الوزارية للتنمية الصناعية، تسعى إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بما يتماشى مع خطط التنمية المستدامة.
تفاصيل المبادرة وآليات التنفيذ
المبادرة التي أعلنها الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، بالتعاون مع أحمد كجوك، وزير المالية، تهدف إلى تمويل شراء الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج بتسهيلات ميسرة، مع سعر فائدة مدعم يبلغ 15% لفترة تمتد إلى خمس سنوات.
المبادرة تشمل أيضًا تخفيضات إضافية تصل إلى 2% للأنشطة الصناعية المستحدثة التي لم يسبق إنتاجها محليًا، ما يعكس حرص الحكومة على تشجيع الابتكار الصناعي وتعزيز الإنتاجية.
كما تشمل المبادرة شروطًا تضمن توجيه التمويل لأغراض إنتاجية بحتة، حيث يُشترط تقديم المستندات اللازمة مثل تراخيص البناء، أو فواتير شراء المعدات محليًا أو عبر الاعتمادات المستندية.
ووضعت الحكومة سقفًا للتمويل يبلغ 75 مليون جنيه للعميل الواحد و100 مليون جنيه للأطراف المرتبطة، لضمان توزيع التمويل بشكل عادل وشامل.
القطاعات المستهدفة
المبادرة تركز على 7 قطاعات صناعية أساسية تمثل عصب الاقتصاد المصري، منها الصناعات الغذائية والهندسية والكيماوية، بالإضافة إلى الغزل والنسيج ومواد البناء.
تمثل هذه القطاعات محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي، حيث توفر فرص عمل جديدة، وتعزز التنافسية العالمية للمنتجات المصرية، وتساهم في تقليل فجوة الاستيراد.
قطاع الأدوية، على سبيل المثال، يُعد أحد أهم القطاعات المستهدفة، حيث تسعى الحكومة إلى دعم تصنيع المستحضرات الطبية محليًا لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
أما قطاع الملابس الجاهزة والغزل والنسيج، فهو جزء من خطة أوسع لتطوير صناعة النسيج التقليدية وزيادة صادراتها.
دور وزارة المالية في المبادرة
وزارة المالية تلعب دورًا محوريًا في تمويل المبادرة من خلال الخزانة العامة للدولة، حيث تتحمل فارق سعر الفائدة لضمان توفير تمويل ميسر للمستثمرين.
كما تتابع الوزارة الأداء الفعلي للشركات المستفيدة لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.
وأكدت الوزارة أن التمويلات الميسرة لا يمكن استخدامها لسداد مديونيات قائمة، بل يجب أن تُوجه حصريًا لزيادة الإنتاج.
تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية الحكومة لتطوير المناطق الصناعية الأكثر احتياجًا مثل الصعيد والمحافظات الحدودية، بهدف تحقيق تنمية متوازنة بين مختلف الأقاليم.
المصانع المتعثرة وحلول إنقاذها
إلى جانب المبادرة الحالية، تعمل الحكومة على إطلاق صندوق لدعم المصانع المتعثرة بالتعاون مع البنك المركزي، حيث تُعد هذه الخطوة جزءًا من خطة متكاملة لتحفيز القطاع الصناعي وحل مشكلات التمويل التي تواجه بعض الشركات.
في الوقت نفسه، أعلنت وزارة البترول عن حزمة حوافز لتيسير سداد مديونيات المصانع، تضمنت إمكانية تقسيط المديونيات على فترات تصل إلى 10 سنوات، وتثبيت متوسط سعر الصرف لفواتير المصانع المصدرة بالدولار، وتعكس هذه الإجراءات التزام الحكومة بدعم الصناعة من جميع الجوانب.
الصناعات الاستراتيجية وخطط التطوير
من بين محاور الاجتماع الرابع عشر للمجموعة الوزارية للتنمية الصناعية، برزت مناقشات حول تطوير صناعات استراتيجية مثل الفوسفات والألومنيوم.
وتسعى الحكومة إلى تعزيز القيمة المضافة لهذه الصناعات من خلال توجيه استثمارات جديدة وتطوير خطط إنتاج محلية تتماشى مع المعايير الدولية.
ولتحقيق هذا الهدف، تم تشكيل لجنة مشتركة بين وزارتي الصناعة والبترول لوضع استراتيجية شاملة لتطوير صناعة الفوسفات، مع التركيز على تسويق المنتجات بشكل أمثل وربطها بالسلاسل العالمية.
اقتصادي يوضح أهمية هذه المبادرة
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، إن إطلاق الحكومة سلسلة من المبادرات التمويلية لدعم الشركات الصناعية والمتعثرة يعكس التزام الدولة بتعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار المحلي.
وأشار غراب إلى أن المبادرة التي أطلقتها الحكومة لدعم القطاعات الصناعية ذات الأولوية بتوفير تمويل بقيمة 30 مليار جنيه، مخصصة لشراء المعدات والآلات وخطوط الإنتاج، تمثل خطوة استراتيجية لدعم 7 قطاعات صناعية أساسية، منها الأدوية، الصناعات الغذائية، والهندسية، بالإضافة إلى التعدين ومواد البناء.
وأضاف أن المبادرة توفر تمويلًا يصل إلى 75 مليون جنيه لكل عميل بفائدة مخفضة تبلغ 15% لمدة خمس سنوات، ما يسهم في زيادة الإنتاجية وتوفير فرص عمل جديدة.
وأكد غراب أن هذه المبادرة تأتي ضمن حزمة متكاملة تشمل مبادرات أطلقها البنك المركزي لتمويل المعدات الصناعية، وأخرى تهدف لإنشاء صندوق لدعم المصانع المتعثرة.
ولفت إلى أن هذه الجهود تسهم في تخفيف الأعباء عن المنتجين، وتعزيز تنافسية المنتجات المصرية محليًا ودوليًا، فضلًا عن زيادة حجم الصادرات وتقليل الاعتماد على الواردات، ما يعزز موارد النقد الأجنبي.
وأضاف غراب أن تقديم محفزات للقطاع الصناعي والزراعي يشجع القطاع الخاص على التوسع في استثماراته وزيادة الإنتاج، مما يدعم الاقتصاد الوطني ويخفض معدلات التضخم.
كما أن إنشاء صندوق لدعم المنتجين في المجالات الصناعية والزراعية يسهم في رفع نسبة المكون المحلي بالمنتجات المصدرة إلى ما بين 50% و60%.
واختتم غراب تصريحه بالتأكيد على أن هذه المبادرات ليست فقط دعمًا ماليًا، بل استراتيجية شاملة لإعادة الحياة للمصانع المتعثرة، وتمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في تحقيق التنمية المستدامة، مشددًا على ضرورة استمرار هذه الجهود لتعزيز مكانة مصر الاقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي.