تواجه المقاومة في كل من لبنان وفلسطين تحديات كبيرة بعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت أبرز قياداتها ومراكزها الاستراتيجية.
من أبرز هذه التطورات كانت اغتيال كل من إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، مما شكّل ضربة قوية للهيكل التنظيمي للمقاومتين على حد سواء.
مقتل إسماعيل هنية، الذي كان يُعدّ أحد الشخصيات القيادية الأكثر تأثيراً داخل حركة حماس، ترك فراغاً كبيراً في القيادة الفلسطينية.
حماس، التي تعتبر رأس الحربة في المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، اعتمدت على هنية في تسيير شؤونها وتنسيق العمليات في الداخل والخارج، وبعد مقتله، أصبحت حماس أمام تحدٍ كبير في إعادة ترتيب هيكلها القيادي.
وعلى الرغم من أن الحركة لديها شخصيات قيادية أخرى مثل يحيى السنوار وصالح العاروري، إلا أن هنية كان يتمتع بقدرة فريدة على جمع الفصائل المختلفة وإدارة الأزمات الداخلية والخارجية.
على الجانب الآخر، مقتل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، يمثل نكسة كبيرة للمقاومة اللبنانية.
نصر الله كان يُعد رمزاً قوياً للمقاومة ضد إسرائيل، وشخصية قيادية بارزة على المستوى الإقليمي، وقاد حزب الله في معارك ناجحة ضد الجيش الإسرائيلي وتمكن من بناء شبكة دفاع قوية في جنوب لبنان، مما جعل الحزب لاعباً إقليمياً رئيسياً في الصراع مع إسرائيل.
مقتله أدى إلى صدمة كبيرة داخل حزب الله وأوساطه، وقد أضعف الروح المعنوية للمقاتلين والداعمين للحزب.
فما مصير المقاومة في لبنان وفلسطين بعد الضربات الأخيرة؟ وهل تنتهي المقاومة أم تعيد التشكل بشكل جديد؟
المقاومة ستتطور
قالت شيماء المرسي، الباحثة في الشؤون الإيرانية ومديرة وحدة الرصد والترجمة في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، إن إسرائيل تسعى إلى تقييد وإضعاف المقاومة بدلاً من القضاء عليها بشكل كامل.
وأوضحت المرسي، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن إسرائيل تستهدف تقويض القيادات المؤثرة والبنية التحتية للمقاومة، بهدف إبقائها في حالة ضعف دائم ومنعها من التوسع أو الرد بفعالية.
واعتبرت المرسي أن الهدف الرئيسي هو تحجيم النفوذ الإيراني في غرب آسيا، مما يمنح إسرائيل فرصة لإعادة تأكيد هيمنتها العسكرية والاستخباراتية، خاصة بعد الأحداث التي ضربت قوتها خلال عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي.
وفيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية وتأثيرها على المقاومة، أكدت المرسي أن القضاء التام على المقاومة غير مرجح نتيجة لهذه الضربات، فالضربات قد تُضعف القدرات التنظيمية وتستهدف القيادات، لكنها لا تقضي على الفكرة أو الإيمان الذي يحرك المقاومة، سواء في فلسطين أو لبنان.
وأشارت إلى أن حزب الله والفصائل الفلسطينية تمتاز بالقدرة على التجدد والتكيف مع الظروف المتغيرة، مما يجعلها قادرة على الاستمرار رغم الضربات.
كما أوضحت المرسي أن الوضع الحالي قد يدفع المقاومة إلى تطوير استراتيجيات جديدة أو تنويع مصادر دعمها، وذلك في ظل تأخر إيران بالرد بشكل حاسم على الضربات والاغتيالات الأخيرة التي طالت قيادات مثل حسن نصر الله واعتمادها على بعض الضربات التي لا تماثل الضربات الإسرائيلية.
وأكدت أن هذه الأحداث قد تؤدي إلى زيادة الاستقلالية لبعض الفصائل، إلا أن العلاقة بين إيران وفصائل المقاومة لا تزال قائمة على أسس استراتيجية طويلة الأمد، ولن تؤدي هذه التوترات إلى انفصال المقاومة عن طهران.
وترى المرسي أن إيران لن تفقد ولاء أذرعها بالكامل، حيث أن العلاقة مبنية على مصالح استراتيجية طويلة الأمد وأسس عقائدية متينة.
العودة للعمل السري
ومن جانبه، صرح الدكتور عمرو الهلالي، المحلل السياسي، بأن المقاومة في لبنان وفلسطين ستعيد تنظيم نفسها بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة، وذلك بالعودة إلى العمل السري والاختباء تحت الأرض كما تفعل التنظيمات في مراحلها الأولى.
وأشار الهلالي، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، إلى أن إسرائيل نجحت خلال عام واحد في فتح جبهات قتال على سبع محاور مختلفة، مما أدى إلى إحداث تغييرات كبيرة في بنية القيادات الأساسية لمحور المقاومة، بما في ذلك الصفين الأول والثاني.
وأضاف الهلالي أن التنظيمات المقاومة تدرك أن قياداتها الجديدة ستكون مستهدفة بالاغتيال المباشر، خصوصًا بعد تغير قواعد الاشتباك وتحولها إلى مواجهات مباشرة. وتابع قائلاً إنه حتى في إيران، أعلنت السلطات أن المرشد الأعلى للثورة، الذي يمثل أعلى سلطة روحية وسياسية، يحتمي في أماكن مؤمنة تحت الأرض خوفًا من تعرضه للاغتيال.
وأشار الهلالي إلى أن الاستراتيجيات المقاومة في هذه المرحلة ستتحول إلى التنظيمات العنقودية والعمل السري بدون قيادات واضحة، مما يفتح المجال لظهور ما يُعرف بـ"الذئاب المنفردة"، كما شاهدنا في عملية إطلاق النار الأخيرة في إسرائيل، وأكد أن الهيكلية نفسها تتغير، وكذلك أسلوب المواجهة، حيث ستسعى التنظيمات إلى التهدئة والاختفاء بعد انتهاء العمليات الحالية، لإعادة ترتيب صفوفها داخليًا.
الهلالي أوضح أيضًا أن الفصائل المقاومة ستعود للعمل المعلن ولكن بطريقة مختلفة، حيث ستركز على الرمزية والسرية، مشبهًا الأمر بما فعلته جماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة 2013، حينما اختفت تحت الأرض لإعادة تشكيل قواتها. وأضاف أن إسرائيل تسعى الآن إلى تحويل إخفاقاتها الاستخباراتية في توقع أحداث 7 أكتوبر إلى انتصار معلوماتي، خاصة في الجبهات الأقوى نظريًا، مثل حزب الله وإيران، وهو ما أظهر عمق اختراقها لهذه الجبهات استخباراتيًا.
وتوقع الهلالي أن يتم تشكيل مناطق عازلة في الجبهات الساخنة، مما سيدفعها إلى التهدئة مؤقتًا، في حين تعيد الفصائل بناء تشكيلاتها الداخلية وتظهر قيادات جديدة. وأكد أن هذه القيادات الجديدة يجب أن تظل سرية، موضحًا أن الرمزية والشخصيات الغامضة مثل "الملثم الفلسطيني" ستكون مهمة جدًا في المعركة القادمة، لضمان تفادي الاستهداف المباشر من قبل إسرائيل.