من جديد، عاد جيش الاحتلال الصهيوني ليوجه ضربة قوية لطهران عبر اغتيال 5 من مستشاري الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريا، وعلى رأسهم مسؤول استخبارات ساحة سوريا في فيلق القدس بالحرس الثوري ونائبه، بينما تستمر لعبة تكسير العظام بين الدولتين بالتزامن مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
فبعد أقل من شهر على اغتيال رضا موسوي، مستشار الحرس الثوري الإيراني، أواخر ديسمبر الماضي، استهدفت طائرات تابعة لجيش الاحتلال المستشارين العسكريين الإيرانيين في حي المزة بدمشق، مرسلةً رسالة إلى الجانب الإيراني بأنها لن تتوقف في الوقت الحالي رغم محاولات العديد من القوى الإقليمية والدولية العمل على احتواء الصراع ووقف التصعيد حتى لا يتحول إلى حرب إقليمية.
وبدورها، توعدت طهران، على لسان رئيسها "إبراهيم رئيسي"، أن ترد بقوة على اغتيال كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا، مضيفةً أنها سُتحدد الوقت والآلية المناسبة لترد على الضربات التي كالتها لها تل أبيب.
الصبر الإستراتيجي مقابل محاولات إشعال حرب إقليمية
ووفقًا لمراقبين فإن عمليات الاغتيال الأخيرة لقادة الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريا تعد جزءًا من الصراع الممتد بين إيران والكيان الصهيوني، وتهدف تل أبيب من هذه الضربات إلى تقويض القدرات العملياتية والاستخبارية للجانب الإيراني في المنطقة وإظهار أن جيش الاحتلال ما زال يحتفظ بجزء من قدرته على الردع بعد أن مُني بخسائر كبيرة في معاركه مع المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، فضلًا عن سعيها لإشعال حرب إقليمية في وقت تعيش فيه المنطقة بأسرها على حافة الهاوية وتكاد تنزلق إلى حرب واسعة النطاق.
وفي المقابل، تواصل طهران اتباع نهج الصبر الإستراتيجي وتعمل على تقوية نفوذها في دول الطوق المحيطة بالكيان الصهيوني، وتعزيز الفصائل الولائية المرتبطة بها في العراق وسوريا ولبنان، معتمدة على نهج الصبر الإستراتيجي والمواجهة في الظلال دون أن تنخرط في مواجهة واسعة مع الكيان الصهيوني في الوقت الحالي.
على أن عملية الاغتيال الأخيرة التي أطاحت بمسؤول استخبارات الحرس الثوري الإيراني في سوريا "الحاج صادق" ونائبه مثلت خروجًا عن قواعد الاشتباك التقليدية، لأنه استهدف شخصيات لها ثقل كبير في الحرس الثوري الإيراني وليس مجرد استهداف بعض المسؤولين العملياتيين أو التنفيذيين.
خبراء: إيران لا تُريد فتح جبهة مباشرة مع الكيان الصهيوني حاليا
ومن جانبه، قال علي رجب، الصحفي والباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني، إن طهران تواصل اتباع نهج الصبر الإستراتيجي لأنها لا تُريد أن تفتح جبهة مع تل أبيب في الوقت الحالي لأسباب عديدة منها أنها منشغلة بالوضع الداخلي، بالإضافة إلى أنها ترى أن عملية الاغتيال تدلل بشكل أو بآخر على أن المحور الإيراني المُسمى بمحور المقاومة هو الوحيد الذي يتصدى لتل أبيب وهو ما سيخدم الدعاية الإيرانية بالتأكيد.
وأشار "رجب" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" إلى أن طهران لن ترد في الوقت الحالي بشكل مباشر على الاستهدافات الصهيونية لأنها تطمح في أن تعود للاتفاق النووي مع الدول الكبرى (مجموعة 5 + 1) حتى تخرج من أزمتها الاقتصادية، كما أنها ليست مستعدة عسكريا لجبهة مفتوحة مع الكيان الصهيوني ولذا فإنها ستواصل العمل على تقوية وكلائها في الإقليم وتتحين الفرص حتى تضرب بقوة في قلب الكيان الصهيوني في أي مواجهة قادمة.
وفي نفس السياق، قال رائد حامد، الباحث العراقي المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة السنية والشيعية، إن عملية الاغتيال الأخيرة ليست كسابقتها التي شهدت اغتيال مستشار الحرس الثوري الإيراني رضا موسوي، مضيفًا أن استمرار الضربات الصهيونية للجانب الإيراني يُظهر طهران بصورة هشة وكأنها عاجزة عن الرد على الضربات المتكررة.
وتوقع "حامد" في تصريحات لـ"بلدنا اليوم" أن تُحاول طهران تنفيذ ضربات ضد أهداف تابعة لدولة الاحتلال الصهيوني حتى تحفظ جزء من ماء وجهها، مردفًا أن طهران ستُوعز إلى وكلائها في المنطقة بتنفيذ ضربات انتقامية لكنها قد تُفكر برد أكبر خارج حدود العراق وسوريا لأن السياق الحالي يُجبرها على التخلي عن صمتها وصبرها الإستراتيجي ويدفعها نحو التفكير في رد غير متوقع.
وأيد الباحث العراقي الطرح القائل بإن إيران لا تُريد فتح جبهة مباشرة مع الكيان الصهيوني في الوقت الحالي، مضيفًا أنها تواصل تعزيز نفوذها في المنطقة بما يخدم أهدافها وفتح أي جبهة مباشرة سيكلفها الكثير وبالتالي فهي قد تواصل اتباع نهجها المعروف لكنها ستُغامر في تلك الحالة بخسارة الصورة التي رسمتها لنفسها وسوقتها بأنها القوة الأكثر نفوذا وفاعلية في المنطقة وستمنح تل أبيب فرصة لإثبات أن ردعها الإستراتيجي المزعوم ما زال قائمًا، وفق تعبيره.