قال السفير الدكتور صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشئون الإفريقية، إنه لم يبق أمام مصر خيار في أزمة سد النهضة سوى حق الدفاع الشرعي عن النفس في إطار القوانين الدولية طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد وصول المفاوضات لطريق مسدود.
وأشار نائب رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية على هامش ندوة نظمتها جريدة «بلدنا اليوم» أن الأوضاع الإنسانية في السودان مأساوية، ومنظمات الإغاثة الإقليمية والدولية أصبحت عاجزة عن توفير 25% من احتياجات هذا الشعب، وبات أكثر من 7 ملايين مواطن سوداني مهددين بالمجاعات.
وأكد على إطلاق مبادرة مجتمعية من داخل المجتمع السوداني المدني لعقد حوار سوداني سوداني تحت رعاية المجلس المصري للشئون الخارجية، مشيرًا أن هذه المبادرة تتسم بالشمولية ومشاركة كافة القوى والأحزاب والأطياف السودانية، ودول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية، موضحًا أنها ستتم عبر 4 مسارات وهم: مسار أمني عسكري لوقف إطلاق النار ثم مسار إنساني، وبعدها يأتي المسار السياسي للتوصل لفترة انتقالية، وأخيرًا عملية إعادة الإعمار والحفاظ على الحضارة السودانية.
ونوه أن ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية محاولة إسرائيلية لإحداث خلل جغرافي وديموغرافي بهما ليصبحا أرض إسرائيلية، ومضيفًا أن الحل هذه القضية يكون من خلال بإطلاق صفقة شاملة تضم وقف إطلاق النار، والتزام الطرفين بالامتناع عن أي أعمال ذات صفة إرهابية، والإفراج عن الرهائن والأسرى من الجانبين، ومعالجة الأوضاع الإنسانية، ثم حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين، وبعدها تنضم قوى المقاومة إلى منظمة التحرير الفلسطينية لإجراء انتخابات حرة وشفافة.
وإلى نص الحوار:
ما الخطوات التي يجب أن تتخذها مصر بعد وصول مفاوضات سد النهضة الأخيرة لطريق مسدود؟
نود أن نوضح في البداية، أن سد النهضة مرتبط بنهر دولي، وبالتالي عملية ملء وتشغيل هذا السد محكومة بقوانين ومواثيق دولية فضلًا عن الحقوق التاريخية لدول المصب في النيل الأزرق، وهذه الأمور يجب أن تأخذ في الاعتبار، ولذلك فإن السيادة على هذا النهر تعد سيادة مشتركة بين الدول الثلاث وهم مصر والسودان وإثيوبيا، وليس أديس أبابا بمفردها.
والمفاوضات التي تمت على مدار أكثر من 10 سنوات لا تستند لهذه الأسس التي أشرنا إليها من جانب إثيوبيا، كونها تنظر إلى الأنهار التي تجري فيها سواء كانت دولية أو غير دولية على أنها أنهار داخلية، وبالتالي تعتقد طبقًا لرؤيتها أنها صاحبة السيادة المطلقة عليها، وعلى هذا الأساس مارست نوعًا من التصرفات الأحادية، وفرض سياسة الأمر الواقع على دولتي المصب، ما يؤدي إلى وقوع أضرار عليهما حال الاستمرار في هذه السياسة.
ولذلك كان هناك مفاوضات عدة برعاية الاتحاد الإفريقي للتوصل لتسوية الأزمة، لكن" للأسف الشديد" لم يصل الاتحاد لنتائج إيجابية بل تم استخدامه من قبل إثيوبيا مستغلة وجود مقره على أرضها، وبالتالي كان هناك نوعًا من السيطرة من جانب أديس أبابا على توجهات الاتحاد الأفريقي في هذا الأمر، وأصبحت المفاوضات تدور في دائرة مفرغة، وباتت عملية الملء والتشغيل محل مخاطر جسيمة تهدد الأمن القومي المصري وبل وأيضًا الأمن القومي العربي والإفريقي، باعتبار أن موقع مصر واحتياجاتها فيما يتعلق بالقضايا المائية مسألة لا تقتصر عليها فقط.
والاتصالات التي جرت من جانب السودان الفترة الماضية كانت تتمحور حول ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم لعملية الملء والتشغيل على أساس أن يكون هناك نوعًا من تجنب الضرر الجسيم وتوزيع المياه بشكل منصف وعادل، وهذه العبارات تستند إلى مواثيق واتفاقيات وقوانين دولية، وإعلان المبادئ لسنة 2015.
كما أن مجلس الأمن فضلًا عما أشرت إليه من علاقات في الإطار الثنائي والمتعدد بين مصر ودول ومنظمات والتي كانت جميعها تتحدث عن ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم، وفي هذا الصدد لا بد من أن أشير إلى آخر لقاء تم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي صدر عنه بيان يتمحور حول نقطتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم، والثانية تتعلق بأن يكون هناك نوع من التعاون والمشروعات المشتركة في إطار التنمية ما بين البلدين، وهذه النقطة كان منصوصًا عليها في اللجان التي عقدت على مدار 10 سنوات، وشُكلت لجنة خاصة بعملية التنمية لم تجتمع خلال هذه المدة وفي حال الاجتماع انفضت إلى لا شئ.
وبالتالي هذا البند على الرغم من أنه ورد في البيان، ولكنه لاقى نفس المصير السابق الذي حدث في اللجان السابقة والتي كانت تحت مسمى "اللجنة التساعية" أما فيما يخص النقطة الرئيسية الخاصة بعملية الملء والتشغيل التي وردت في البيان، حيث جرى 4 لقاءات على مدى أربعة شهور وهى المدة المحددة في البيان للتوصل لاتفاق ملزم، وبعدها جاء البيان الإثيوبي يتحدث عن اتفاق ودي وكأنما ما صرح به آبي أحمد خلال لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكن له أي مصداقية حيث ناقضة وزير الري الإثيوبي بشكل علاني وصريح، وهذا يوضح أحد الأدلة الأخيرة على عدم حسن نية إثيوبيا ورؤيتها التي ما زلت قائمة حتى الآن وهى "توطين الأنهار" بمعنى أن كافة الأنهار التي تنبع من إثيوبيا حتى لو نهر دولية يعتبر في نظر إثيوبيا نهرًا وطنيًا وبالتالي لها حق السيادة وممارسة التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع على دول المصب.
كما أن بعض الأنهار التي تنبع من إثيوبيا تصل إلى الصومال، وكينيا، وجيبوتي، وإريتريا، وفي هذه الدول الأربع مارست إثيوبيا نفس النهج وهو توطين الأنهار وفرض سياسة الأمر الواقع عليهم جميعًا ولم يثر أي منهما هذه القضية حتى الآن، فالنهج الإثيوبي مؤسس على رؤية ثابتة لا تراعي فيها القوانين الدولية أو الاتفاقيات السابقة.
وحتى عندما تحدثت إثيوبيا عن الاتفاقية الأساسية لسنة 1902، والتي تنص على عدم إقامة أي عوائق تمنع تدفق نهر النيل لدول المصب، أعلنت أنها لا تعترف بها كونها اتفاقيات تم التوقيع عليها خلال العهد الاستعماري.
وهذا مردود عليه بشكل قانوني وهو أن إثيوبيا عندما وقعت على هذه الاتفاقية سنة 1902 و1903 وهى خاصة بمنطقة الفشقة، وكانت إثيوبيا مستقلة ذات سيادة وبالتالي ليس من حقها أن تنكر هذه الاتفاقيات بحجة أنها اتفاقيات استعمارية، ويمكن لمصر والسودان أن يحتجا على ذلك، كما أن إثيوبيا حصلت على منطقة الفشقة لإدارتها، مقابل توزيع المياه لمصر والسودان وفي حال عدم اعترافها بهذه الاتفاقيات فعليها أن ترجع الفشقة إلى السودان، وبعدها يتم التحديث عن اتفاقيات جديدة.
ولا شك أن هناك بعد دولي داعم لإثيوبيا من جانب بعض الدول الكبرى والإقليمية لها مصالح وارتباطات ربما تدفعها إلى الميل للجانب الإثيوبي بشكل أو بآخر.
ومفاوضات السد وصلت لطريق مسدود في كافة المسارات، وطبقًا للقانون الدولي وإعلان المبادئ إذا تم استنفاد كافة وسائل تسوية أي نزاع بالطرق السلمية سواء بالوساطة، التوفيق، أو المفاوضات وهناك آلية موجودة في البند العاشر من إعلان المبادئ تتحدث عن آلية رؤساء الدول الثلاث، وهذه الآلية استنفدت وكان أخرها لقاء آبي أحمد والرئيس السيسي ولذلك لم يبق أمام مصر خيارًا سوى اللجوء للخيارات الأخرى البديلة، وهى حق الدفاع الشرعي عن النفس في الإطار القانوني طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي ينص أن للدولة حق الدفاع الشرعي عما يهددها سواء بشكل فردي أو جماعي.
ونبرر حق الدفاع عن النفس بمضي إثيوبيا في التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع الذي يعد مخالفة صريحة وانتهاك واضح للقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فضلَا عن إعلان المبادئ على النحو الذي يمكن معه اللجوء لحق الدفاع الشرعي لمواجهته، لتجنب حدوث أضرار جسيمة متعمدة نتيجة لهذه السياسات التي تعد نوعًا من أنواع العدوان الذي يجب إدراكه ووأده قبل وقوعه.
_كيف تقيم الوضع في السودان.. ومن وجهة نظرك ما السبيل لتسوية هذه الأزمة؟
الأزمة السودانية معقدة جدًا وأوضاعها تتشابه مع غزة وليبيا؛ وبسبب الحرب أصبحت الأوضاع الإنسانية مأساوية فأكثر من نصف الشعب السوداني ما يقدر بـ 25 مليون نسمة يحتاج إلى مساعدات، و7 ملايين نسمة مهددين بالمجاعات، وباتت منظمات الإغاثة الإقليمية والدولية عاجزة عن توفير 25% من احتياجات هذا الشعب.
وفي الحقيقة مصر تحملت جزءًا كبيرًا من هذه الأزمة سواء فيما يتعلق بتدفق حوالي 400 ألف مواطن سوداني إليها بعد الأزمة، بجانب تواجد 5 ملايين سودانيًا من قبل، ما يشكل عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا وصحيًا وتعليميًا.
والأوضاع في السودان لا تبعث على الأمل أو الانفراجة فلا تزال تتأزم، والدعم السريع ما زال يحقق نوعًا السيطرة، ولكن هناك فرقًا بين السيطرة على منطقة وحكمها، والدعم السريع لا يحكم في المناطق التي سيطر عليها، لأن معظم هذه المناطق خالية من السكان، بجانب أنه غير قادر على إيجاد حكومة أو إدارات أهلية.
والحقيقة على الرغم من إنكارها من قبل البعض، أن الدعم السريع حاضنة سياسية وعسكرية لقوى الحرية والتغيير في ظل الاتفاق الإطاري، ومن وجهة نظري، أن انفجار الموقف في السودان، نتيجة فشل قوى الحرية والتغيير في ضم أطراف أخرى لديها، ورفضها تواجد أي أحزاب سياسية أخرى تشاركها السلطة في الفترة الانتقالية، فأصبحت تقوم بإقصاء الآخرين عن السلطة.
والنقطة الثانية أن هذه القوى صنعت نوعًا من الازدواجية في المكون العسكري وبات وضع قوات الدعم السريع موازيًا للقوات المسلحة، وجعلت تابعية الدعم السريع لسلطة أعلى من السلطة التي يتبعها الجيش، والنقطة الثالثة أنهم أعطوا فترة 10 سنوات لعملية الدمج للدعم السريع في القوات المسلحة، وكان المفهوم لها أن الدعم السريع سيصبح هو القوات المسلحة، والجيش يتبع الدعم السريع.
وهذا الصراع الموجود حاليًا ما بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة يبدوا في ظاهره صراعًا على السلطة والسيطرة على الثروة والنفوذ، ولكنه في نفس الوقت هو صراع من أجل البقاء فهل الدعم السريع سيصبح هو القوات المسلحة أم سيتم اختطاف الدعم السريع ودمجه في القوات المسلحة؟ فهو صراع وجودي من سيبقى ويحصد السلطة والسيطرة والثروة والنفوذ.
وهناك توافق بين الشعب السوداني على إبعاد المؤسسة العسكرية بصفة عامة عن الشأن السياسي، لكن هذا الأمر لا يزال مطروحًا وغير منفذ، وقد يتم تنفيذه من خلال المبادرات التي يتم طرحها.
وفي الحقيقة هناك عدة مبادرات تم طرحها من الأمم المتحدة، إيجاد، والاتحاد الأفريقي، ثم مبادرة دول الجوار التي قامت بها مصر وكانت من أكثر المبادرات التي تحظى بقدر كبير من الآمال لكن "للأسف الشديد" حتى الآن لم تخرج بحيز إنجاز وأن كان هناك آلية من وزراء خارجية دول الجوار، وتقوم حاليًا باتصالات وجهود لوضع خارطة طريق لإنفاذ ما تم التوافق عليه في هذه المبادرة.
دول الجوار لديهم رؤية فيما يتعلق بمعالجة الأزمة السودانية وتقوم على أساس أن يكون هناك مسار أمني وإنساني، وسياسي، لكن هذه الرؤية غير واضحة ولم يتم بلورتها بشكل كاف على النحو يمكن أن يكون هناك تحركًا.
وحاليًا هناك مبادرة مجتمعية من داخل المجتمع السوداني المدني صادرة عن المجلس المصري للشئون الخارجية، وتهدف أن يكون هناك حوار سوداني سوداني تحت رعاية المجلس المصري للشئون الخارجية، وهذه المباردة تتسم بالشمولية ومشاركة كافة القوى والأحزاب والأطياف السودانية في إطار حوار سوداني سوداني، وأيضًا شمولية الآليات التي طرحت مبادرات من قبل ولكن في إطار مجموعة اتصال تتكون من دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية التي شاركت في المبادرات من قبل وهى الاتحاد الإفريقي وإيجاد والأمم المتحدة ونضيف إليهم الجامعة العربية.
والآليات الموجودة هى آليات الدول والمنظمات وهى مجموعة اتصال، والآلية الثانية تشمل مؤتمرًا يضم هذه القوى والأحزاب السوانية التي يدور الحوار بين بعضها البعض.
والحوار يدور بين 4 مسارات وهم: مسار أمني عسكري مرتبط بوقف إطلاق النار والترتيبات وما يعقبها، ثم مسار إنساني يعالج الأوضاع الإنسانية في كافة جوانبها من النازحين واللاجئين والنظام الصحي والبنية التحتية، وكل ما يتعلق بالأوضاع الإنسانية والخدمية، والمحور الثالث سياسي من أجل التوصل لفترة انتقالية يكون فيها نظام حكم مدني يقوم على أساس حكومة كفاءات على ألا يتولى أحدًا ممن يذهب إلى أي منصب في الفترة الانتقالية أي مناصب في فترة بعد الانتخابات لتجنب الصراع المحتدم حاليًا بين الأحزاب والقوى السياسية على السلطة والثروة والسيطرة والنفوذ.
وذلك من أجل الوصول لفترة انتخابية شفافة ونزيهة والقوى السياسية والأحزاب التي لها ثقل ووزن شعبي سيكون لها الحظ الأكبر.
والمسار الرابع هو إعادة البناء والإعمار والحفاظ على الحضارة السودانية، فالكثير من مظاهر الحضارة في السودان سواء من النواحي التي تتعلق بالآثار حدث لها نوعًا من التدمير، لذلك جاء بند الحفاظ على الحضارة السودانية ضمن إعادة البناء والإعمار.
وفي المسار الإنساني كان هناك مقترحات كثيرة موجودة فيما يتعلق بكيفية معالجة المسار الإنساني، وفي الحقيقة خلال المناقشات كان هناك تأييدًا قويًا لهذه المبادرة ومكوناتها.
كم المدة المحددة لتنفيذ هذه المبادرة؟
الفترة الزمنية المطروحة حاليًا لإنفاذ المبادرة لا تزيد عن سنتين، ومدة المؤتمر الذي سيحوي هذه المناقشات شهرًا، ونحن لم نبدأ ومازلنا نستكمل عمليات الحوار بيننا وبين القوى والأحزاب السياسية المختلفة بحيث تخرج المبادرة سودانية من المجتمع المدني السوداني.
كما ذكرت أن هذه المبادرة ستشمل محور إعادة إعمار السودان.. فما الدول المقرر لها المشاركة في هذه العملية؟
كل الدول يمكنها المشاركة، ومصر لها دورًا محوريًا، بجانب دول الخليج كالمملكة العربية السعودية وقطر والكويت، ودول الشمال الأوروبي السويد والنرويج وهولندا، ومؤسسات التمويل الإقليمية والدولية، وهناك مقترحات كثيرة جدًا في إعادة الإعمار والبناء.
حال خروج هذه المبادرة بتوصيات.. فمن المسؤول عن تنفيذ هذه التوصيات؟
من المفترض أن يتم تنفيذها طوعًا باعتبار أن هذه القرارات من الشعب وعلى الدعم السريع والقوات المسلحة القبول بها، وفي حال حدوث نوعًا من عدم القبول يتم القبول جبرًا بضغط من الدول التي شاركت في مجموعة الاتصال والمنظمات التي مهمتها الإشراف والمتابعة وضمان تنفيذ المخرجات.
وهنا نوعًا من القبول الجبري بالضغط السياسي ومواقف هذه الدول، واللجوء إلى القوة العسكرية مسألة غير واردة على الأقل في إطار هذه المبادرة.
كيف ترى الدور العربي والإقليمي ولا سيما الدور المصري منذ اندلاع العدوان على غزة في السابع من أكتوبر؟
الدور المصري بدأ مع بداية العملية العسكرية أو العدوان على غزة، والموقف المصري تبلور من خلال اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع مجلس الدفاع الوطني والذي صدر بعده بيانًا بنقاط محددة وهي ضرورة وقف الحرب، ومعالجة الأوضاع الإنسانية، ومعالجة القضية الفلسطينية فضلًا عن رفض التهجير القسري.
وفي الحقيقة ما يجري في غزة هو امتدادًا لما جرى في الضفة الغربية والهدف منه إحداث خلل جغرافي وديموغرافي لصالح إسرائيل، بمعني إخلاء قطاع غزة لضمه إلى إسرائيل كما يجري في الضفة الغربية من حدوث خلل في سكان لتقليل أعدادهم وسهولة ضمها لإسرائيل لتصبح في النهاية الضفة الغربية وغزة أرض إسرائيلية، وهذا ما يتحدثون عنه أنه لا يوجد ما يسمى بحل الدولتين، أنما سيقولون إنها دولة يهودية موجودة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وبالتالي يتم الحديث عن التهجير القسري الذي وجد نوعًا من المعارضة ومصر تولت قيادة هذا الأمر.
وبعدها حدث نوع من الرفض التام للتهجير القسري في المؤتمرات الإقليمية والدولية التي عقدت، بجانب المواقف التي أيدت هذه الرؤية في البداية مثل بريطانيا، وفرنسا، وهناك دول أوروبية تراجعت عن ذلك.
ولذلك الهدف من العملية في غزة هو تصفية القضية الفلسطينية، من خلال رفض حل الدولتين، والتهجير القسري والطوعي حتى النزوح الطوعي مخالفًا للقانون الدولي.
ومصر عقدت مؤتمر القاهرة للسلام الذي لمس نفس مخرجات اجتماع مجلس الدفاع الوطني المصري، لكن مؤتمر القمة العربي الإسلامية، أعتقد أنه المؤتمر الذي يتناول القضية الآن ويديرها على المستوى الإقليمي والدولي وخاصة في مجلس الأمن والجمعية العامة، فهو مؤتمر شامل كامل فيما يتعلق بمعالجة للقضية الفلسطينية، وشكل آلية من وزراء خارجية 8 دول بجانب الأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، وحاليًا قاموا بتحركات كبيرة جدًا على المستوى الإقليمي والدولي خاصة روسيا والصين وبريطانيا، وفرنسا، ودول أوروبية عديدة، وتمكنوا من تحقيق نتائج إيجابية على الأقل فيما يتعلق بتغيير مواقف بعض الدول الأوروبية كإسبانيا، وبلجيكا، وبعض الدول الأفريقية وفي أمريكا اللاتينية أعلنوا مسبقًا موقفًا إيجابيًا بجانب التأثير الشعبي الموجود في كثير من دول العالم المؤيد للقضية الفلسطينية.
وأعتقد أن ما دار في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان نتيجة هذه الجهود الإيجابية، وما صدر أيضًا من قرارات في مجلس الأمن الدولي رغم الفشل في تمريرها، واستخدام الفيتو يعني أن الموقف الأمريكي والإسرائيلي ضعيف.
كما أن الموقف الأمريكي هو الحاكم بحد كبير فيما يتعلق بفرص التسوية، وأعتقد أنه لا بد من أن يكون هناك مبادرة لوقف إطلاق النار في الوضع الحالي، فعملية استمرار الهدن كل فترة لن تؤدي إلى نتيجة إيجابية كونها تعتبر علاجًا مؤقتًا وبعدها يستأنف القتال، والدمار والتخريب.
ولكن الحل الرئيسي في تقديري الشخصي، أن يكون هناك صفقة شاملة للمسارات الأربعة بمعنى أن يتم وقف إطلاق النار، والتزام الطرفين بالامتناع عن أي أعمال ذات صفة إرهابية سواء حتى من الناحية الفكر أو الممارسة أو التصريحات، ثم الإفراج عن الرهائن والأسرى من الجانبين، ومعالجة الأوضاع الإنسانية في إطار إقليمي ودولي من جميع جوانبه، وننظر إلى حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين تضم غزة والضفة الغربية والقدس، وبعدها تنضم قوى المقاومة إلى منظمة التحرير الفلسطينية بحيث يتم ترتيبها من خلال انتخابات حرة وشفافة، وهذا التصور يمكن استخلاصه من قرارات القمة العربية الإسلامية.
استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية بجنوب قطاع غزة يدفع الفلسطينيين إلى النزوح قسرًا إلى سيناء، وهو ما يهدد بانتهاك الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما تقييمك لهذا؟
هناك بالطبع اتصالات مصرية على مستوى القيادة السياسية مع معظم دول العالم سواء كانت الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الدول الغربية، والأمم المتحدة باعتبار أن التهجير القسري أيًا كان شكله والأسلوب المتبع وهو أمر مرفوض.
ولكن إذا أصرت إسرائيل على الاستمرار في العمليات العسكرية على هذا النحو الذي يهدد أمن مصر القومي بالتهجير القسري أيًا كان شكله ومردودة، فأنا أعتقد وهذا رأي شخصي أننا نلجأ مرة أخرى إلى حق الدفاع الشرعي الموجود في ميثاق الأمم المتحدة الفصل السابع.
كيف أثر العدوان على غزة على الداخل الإسرائيلي، وانعاكسه على مستقبل نتنياهو السياسي؟
مستقبل بنيامين نتنياهو أصبح في مهب الريح، فحتى الآن لم يحقق أي هدف من أهداف العملية العسكرية وبمعنى أدق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ما حصيلة المساعدات المصرية التي دخلت إلى قطاع غزة منذ العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر؟
70% من المساعدات التي دخلت قطاع غزة مصرية.
برأيك هل قتل إسرائيل لمستشار الحرس الثوري الإيراني سيؤدي إلى تصعيد الأحداث في غزة؟ وكيف سيكون الرد الإيراني على ذلك؟
هذه الحادثة تكررت في مسارات أخرى من قتل بعض العلماء والقيادات الإيراني عبر عمليات قامت بها إسرائيل، وأنما رد الفعل الإيراني قائم وموجود ولكن أعتقد أنه لن يكون في أي وقت قريب، حتى أن طهران حريصة ألا يكون لها دورًا مباشرًا في هذا الصراع.
كيف ترى مقترح إنشاء تحالف دولي في البحر الأحمر؟ وهل سيؤثر هذا التحالف على قناة السويس؟
إنشاء تحالف دولي في البحر الأحمر نوع من أنواع التصعيد للتوتر وزيادة حدة احتمالات الصدام، فعدم وقف إطلاق النار في غزة أدى إلى محاولة التواجد العسكري الدولي في البحر الأحمر، ولا بد من معالجة أسباب قيام هذا التحالف من خلال وقف إطلاق النار والدخول في عملية تشمل المسار الإنساني والأمني والإفراج عن الرهائن وتسوية القضية الفلسطينية.
وهناك أيضًا مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر والذي يضم الدول الموجودة على البحر الأحمر ماعدا إسرائيل وهم: مصر، السعودية، الأردن، اليمن، جيبوتي، إريتريا، الصومال، والسودان ويهدف هذا المجلس إلى تحقيق الأمن والتنمية، ويمكن أن يوكل له عملية الأمن والاستقرار في البحر الأحمر دون أن يكون هناك أي فرصة لأي تدخل على المستوى الإقليمي والدولي من دول خارج هذا المجلس.
كيف تقيم العلاقة بين القاهرة وتل أبيب في الفترة الحالية؟
العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تعاني من تباين كثير في وجهات النظر، وفيما يجب أن يتم، لأن بالطبع القضية الفلسطينية قضية محورية وما قامت به إسرائيل على غزة نوع من أنواع العدوان، ممارساتها تتجاوز ليس فقط الإرهاب وأنما الإرهاب المنظم الممنهج.