ما إن تقف على خشبة المسرح حتى تهتز خشبة المسرح تحت قدميها من كثرة التصفيق ويأتي صوت أحد معجبينها قادما من بعيد وهو يصيح بـ"عظمة على عظمة يا ست"، هي أسطورة فنية وصوت لا يعوض، هي كوكب الشرق أم كلثوم.
النشأة
في يوم 31 ديسمبر 1898 كان الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي إمام ومؤذن مسجد صغير بقرية "طماي الزهايرة" التابعة لمركز السنبلاوين في محافظة الدقهلية، يقف أمام بيته بين جيرانه يحتفلون معه بقدوم مولودته "فاطمة"، لم يدرك أحدهم أن المولودة سوف تصبح فيما بعد كوكب الشرق وأن صوتها سوف يصل إلى كل العالم العربي وربما تناطح شهرتها شهرة الهرم الأكبر.
التحقت فاطمة إبراهيم بكتاب القرية وحفظت القرآن، وتعلمت الغناء على يد والدها الذي كان يعمل منشدا في الحفلات، لمس موهبتها وهي في سن الثانية عشر، وباتت تغني في حفلات القرى وهي ترتدي ملابس الأولاد "الجلباب والعقال"، أدرك الشيخ إبراهيم أن الشهرة تأتي من القاهرة، وبناءا على نصيحة الشيخ أبو العلا محمد، سافر إلي عاصمة الفن وبزغ نجمها في حفلة المعراج التي أقيمت في قصر محمد عز الدين بك بحلوان في 1917 وتقاضت حينها أجر 3 جنيهات.
البدايات عند أم كلثوم
تعرفت في سكتها على الشيخ زكريا أحمد والشاعر أحمد رامي والملحن محمد القصبجي، وفي 1928 أصدرت مونولوج "إن كنت أسامح وأنسى الأسية" وحقق شهرة كبيرة جعلها تشارك في حفلات كبار العائلات وساندتها بديعة مصابني في بداية مشوارها، وكانت المحطة المهمة في حياتها عندما تقابلت مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، وشاركت بصوتها في فيلم "أولاد الذوات، ووقف الحظ بجانبها في 1934 عندما وقعت أول عقد مع الإذاعة المصرية وتقاضت بموجبه 25 جينها لكل حفلة تحييها كل أسبوع، وخطفتها نداهة السينما التي قدمت لها 6 أفلام أبرزها "وداد، دنانير، سلامة، فاطمة".
ملحنين الست
عادت إلى الغناء وغنت لكبار الملحنين فقدمت 12 أغنية من ألحان بليغ حمدي أبرزها "أنساك،كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب، بعيد عنك، فات الميعاد، حكم علينا الهوى"، وقدم لها محمد الموجى أغنيتين "للصبر حدود، اسأل روحك"، و"يامسهرني" مع سيد مكاوي، ومع كمال الطويل نشيد "والله زمان يا سلاحي" ومع رياض السنباطي بدأت بلحن أغنية "على بلد المحبوب" ليكون له النصيب الأكبر وفاز بـ 90 لحنا أبرزها "الأطلال، إفرح يا قلبي، يا ليلة العيد أنستينا".
قدم لها محمد القصبجي ألحان أغاني "مادام تحب بتنكر ليه، رق الحبيب، إن حالي في هواها"، ومن ألحان زكريا أحمد غنت "عادت ليالي الهنا، برضاك يا خالقي"، وكان لقاء السحاب مع محمد عبد الوهاب ولحن لها رائعة "إنت عمري"، وبعدها "دارت الأيام، أمل حياتي، فكروني".
شعراء في مشوار أم كلثوم
تعاونت مع كبار الشعراء أبرزهم "أحمد شوقي، عبد الفتاح مصطفى، بيرم التونسي، عبد الوهاب محمد، مأمون الشناوي، صلاح جاهين، أحمد شفيق كامل، جورج جرداق، بينم أحمد رامي كان له نصيب الأسد من أغاني أم كلثوم وكتب لها 137 أغنية ولم يتقاضى أجر واحدة منهم، وعرف عن "رامي" حبه لـ"الست" وكتب لها كلمات كانت تعبر عن مشاعره ناحيتها منها "جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح" و "ماخطرتش على بالك يوم تسأل عني".
تكريمات
ظهرت وطنية جلية أثناء هزيمة يونيو 1967 عندما قادت حملة تبرعات للمجهود الحربى، وسافرت للدول العربية لجمع التبرعات، حتى أن الرئيس عبد الناصر أرسل لها تحية لما قدمته للثورة والوطن ومنحها الأوسمة والدروع، بينما الرئيس السادات أرسل لها خطابا يشكرها على تبرعها للجيش، وكان صوتها يعبر من المحيط للخليج ليأتي محملا بالنياشين والأوسمة من كل الدول العربية وحصلت على وسام نوط الجمهورية من تونس، ووسام الاستحقاق من سوريا، وسام الكفاءة الفكرية من المغرب، وسام الامتياز من باكستان.
النهاية
عانت من المرض وأصيبت بفرط نشاط الغدة الدرقية التي كادت تؤثر على أحبالها الصوتية في حالة إجرائها عملية جراحية، وتوقفت عن الغناء في الحفلات بعد معاناتها من التهاب الكلى، وكانت آخر حفلاتها في 1973 بعد أغنية "ليلة حب"، وفي أواخر يناير 1975 نقلت إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي ودخلت في غيبوبة ومع حلول عصر الاثنين 3 فبراير 1975 انقطع إرسال الإذاعة المصرية وأصدر مجلس الوزراء بيانا أعلن فيه وفاة أم كلثوم، ومع صباح الأربعاء 5 فبراير كان الملايين في وداع كوكب الشرق في يوم حزين شهدته مصر، رحلت "ثومة" وبقى صوتها يملأ كل الدنيا.