ألقى الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، محاضرة لعدد من مفتي دور الفتوى الماليزيين الذين يحضرون دورة تدريبية بدار الإفتاء المصرية.
وأطلقت دار الإفتاء المصرية، في الـ27 من أغسطس الجاري، برنامجًا تدريبيًّا لعدد من علماء دُور الفتوى في ماليزيا، وذلك في إطار البرامج التدريبية التي تعقدها الدار لتدريب المفتين وتأهيلهم، ومن المقرر أن تستمر الدورة حتى 5 سبتمبر المقبل.
ويأتي البرنامج التدريبي في إطار الجهود التي تقوم بها الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم لتنمية وتطوير مؤسسات الفتوى في العالم حتى تستطيع القيام بواجباتها الدينية والوطنية في تقديم الفتاوى الصحيحة المعبرة عن أحكام الشرع الشريف ومقاصده، الأمر الذي يرسِّخ السلام والأمان، ويكافح التطرف والإرهاب.
وفي بداية المحاضرة، رحب الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، بوزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة، مؤكدًا أنه دائمًا ما يقدم في محاضراته الكثير من الأفكار المستنيرة المتقدمة في فهم النص الشرعي، والتي نستفيد منها كثيرًا كونها من صلب عمل المفتي.
وعبَّر وزير الأوقاف عن شكره وتقديره لفضيلة المفتي لاستضافة دار الإفتاء هذه الدورات المهمة، كما جدَّد التهنئة لفضيلته على تجديد الثقة به، ومد خدمته لمدة عام آخر مفتيًا للجمهورية.
وأكد وزير الأوقاف أن العلم النافع لا ينحصر في العلوم الدينية فحسب، بل يتسع ليشمل كل العلوم النافعة التي تنفع الإنسان في دنياه وفي أخراه، مشيرًا إلى أن ما جاء في السنة النبوية المطهرة من حثٍّ على العلم إنما هو في مطلق العلم النافع، حيث يقول سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وهذا في مطلق العلم، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ".
وأشاد "جمعة" بحرص علماء ماليزيا على تلقِّي العلم رغم اختلاف درجاتهم العملية والعلمية وفي جميع مراحل العلم دون استحياء.
وأضاف وزير الأوقاف، خلال كلمته، أن طلب العلم يكون من المهد إلى اللحد، ونظل في حاجة إلى مزيد من التعلم، ومهما بلغ الإنسان في العلم فعليه أن يتذكر قول الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، فكلما ازداد الإنسان علمًا ازداد إدراكًا لحاجته إلى المزيد من العلم، موضحًا أن طلب العلم يستدعي حسن القصد وصدق النية والإخلاص والتجرد وبذل الجهد، مستدلًّا بقول الإمام الشافعي: "ومَنْ لَمْ يَذْقْ مُرَّ الَتَعلُّمِ سَاعَةً تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَياتِهِ".
وشدد وزير الأوقاف على أهمية تلقِّي العلم والاستمرار في ذلك مهما كبر الإنسان أو علت درجته العلمية، فلا بد دائمًا لطالب العلم أن يكون حريصًا على معالي الأمور في طلب العلم والتعليم والتفقه والعبادة وغيرها، فيستنفد أقصى الطاقة والجهد فيما كلِّف به، فمن أراد أن يخدم دينه ونفسه ووطنه فليجتهد فيما كلف به وأن يخدم من بابه لا من باب غيره، فالمفتي يخدم من باب الإفتاء والمدرس يخدم من باب التعليم والمهندس من باب الهندسة، والمهم أن يكون مميزًا ومخلصًا في عمله.
وأشار إلى أن التقوى والإخلاص أمر مهم، فينبغي لطالب العلم الابتعاد عن الإحساس بتضخم الذات والاستعلاء على التعلم، مؤكدًا أهمية الأخذ بالأسباب، فنحن نؤمن أنه علينا الأخذ بكل الأسباب مع سؤال الله التوفيق لأنه بيده سبحانه وتعالى.
وأردف الدكتور مختار جمعة أن العلم النافع هو الذي يكون سبيل هدى ورحمة ورشد لصاحبه في أمر دينه ودنياه، ولذا رأينا سيدنا موسى عليه السلام يقول للعبد الصالح: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا" (الكهف: 66). فالعلم إن لم يكن رحمة لصاحبه وللناس فلا قيمة له.
وأكد وزير الأوقاف، أن في قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح (عليهما السلام) في سورة الكهف معاني سامية، وقيمًا خالدة، وآيات عديدة، منها: تواضع سيدنا موسى (عليه السلام) في طلب العلم، حيث قال للعبد الصالح بأسلوب تلطف: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}، فقال العبد الصالح : {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}، فقال سيدنا موسى (عليه السلام): {ستجِدُنِي إن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}، زيادة في الأدب والتلطف.
وشدد وزير الأوقاف على أن هناك أنواعًا للعلم وهي العلم الكسبي وهو ما يمكن تحصيله من خلال المحاضرات، وهناك ما يسمَّى بالعلم الكشفي، وليس معنى ذلك الخرافات ولكنه ما يفيض الله به على العالم من علم وفهم.