لعلّ الصراعات التي شهدها مجتمع القرن العشرين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والوطنية والثقافية، والتغيرات الديموغرافية في خرائط الأوطان، والصراعات الثقافية بين التيارات كافة،نتيجة التطور التكنولوجي والعلمي،و الانفتاح على الغرب، وتنشيط حركة الطباعة والصحافة والترجمة والتعريب،هي التي كانت وقودًا للنهضة الأدبية الحديثة في مطالع القرن العشرين والتي أعادت للغة العربية عمقها ومعناها وشبابها وأفسحت المجال أمام أجيال من الكتّاب ليتحرروا من الجمود ومن عقلية الاستسلام والاتّباع والتقليد ليعبروا عن أنفسهم وغيرهم بألفاظ ومعاني تواكب هذا العصر وما به من تغيرات وصعاب؛ فالأدب شعرًا أو نثرًا هو صوت المجتمع المدوي وكلمته الصريحة المعبرة وإذا ذكرنا الأدب الحديث في مصر فلابد لنا من ذكر أبرز رواد هذا المجال وهو الشاعر والكاتب الراحل صلاح عبد الصبور.
من هو صلاح عبد الصبور (مولده ودراسته) :
هو محمد صلاح الدين عبدالصبور يوسف الحواتكي ولد في الثالث من مايو عام 1931 في مدينة الزقازيق، ودرس في أحد المدارس الحكومية هناك وحصل على الشهادة التوجيهية 1947، ثم التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة وتخصص في قسم اللغة العربية.
تتلمذ على يد الشيخ أمين الخولي، والذي ضمه إلى جماعة "الأمناء"، ثم إلى "الجمعية الأدبية" ، كذلك منحته الجلسة على مقهى الطلبة في الزقازيق أصدقاء الشباب الذين صاروا فيما بعد نجومًا، مثل مرسي جميل عزيز وعبدالحليم حافظ، الذي طلب منه أغنية يتقدم بها للإذاعة ويقوم بتلحينها كمال الطويل، فكانت قصيدة "لقاء".
المناصب والوظائف التي شغلها :
تخرج عبدالصبور ليتم تعيينه مُدرسًا في المعاهد الثانوية،ثم انتقل إلى العمل بالصحافة، وسافر كمستشار ثقافي لمصر بالهند في الفترة من 1977 وحتى 1978، وكان آخر منصب تقلده رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب. كما نال جائزة الدولة التقديرية.
ولعه بالأدب وانشغاله به:
كان صلاح مشغولًا بالأدب، فاختار السير في طريق جديد للقصيدة حيث اعتمد اتجاهًا متحررًا في الكتابة مسلطًا الضوء على قضايا واقعية وواضعًا فيه بصمته الخاصة ورايه الحر الخالي من أي تقليد أو إتباع ، وبدأ ينشر أشعاره في الصحف، ليلمع اسمه بعد نشره قصيدته "شنق زهران"، وصدور ديوانه الأول "الناس في بلادي" الذي يعد أول ديوان للشعر الحديث يهزّ الحياة الأدبية المصرية في ذلك الوقت،والذي أفسح له النطاق بين رواد الشعر الحر مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وجذب أنظارَ القراء والنقاد، حيث جمع بين صور مختلفة للمعاني واستخدام المفردات اليومية الشائعة، كذلك جمع بين السخرية والمأساة، وامتزج فيه الحس السياسي والفلسفي مع الاجتماعي الانتقادي الواضح.
وكانت أفكاره الإبداعية تقوده ليوّظف نمطه الشعري الجديد في المسرح، وتميز مشروع
المسرحي بنبرة سياسية ناقدة، ولكنها حافظت على الموضوعية وعدم التحيز لأي تيار او إتجاه سياسي معين ومن أبرز ما كتب عن الفقر :
"ليس الفقر هو الجوع إلى المأكل أو العري إلى الكسوة، الفقر هو القهر
الفقر هو استخدام الفقر لإذلال الروح
الفقر هو استغلال الفقر لقتل الحب وزرع البغضاء".
تآثره الفكري وأبرز مؤلفاته في الشعر والمسرح:
تنوعت قراءاته من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة، وخوضه في أفكار بعض إعلام الصوفية مثل الحلاج وبشر الحافي - وهما اللذان استخدمهما في كتاباته لإظهار أفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات - كذلك اطلع على الشعر الرمزي الفرنسي والألماني عند بودلير وريلكه، والشعر الفلسفي الإنجليزي عند جون دون، ييتس، كيتس، وإليوت بصفة خاصة، وهو ما ظهر عندما ربط الكثيرين بين رائعة إليوت "جريمة قتل في الكاتدرائية" ورائعته "مأساة الحلاج"، كذلك تأثر بالإيطالي لويجي بيرانديللو، وظهر ذلك واضحًا في مسرحيتي "ليلي والمجنون" و"الأميرة تنتظر"، عندما ظهرت فكرة المسرح داخل المسرح، كذلك اقترن اسم عبدالصبور بالشاعر الإسباني لوركا عندما قدّم المسرح المصري مسرحية "يرما"، والتي صاغ عبدالصبور الكثير منها شعرًا، كما ظهر تأثره بالشاعر الإسباني من خلال عناصر عديد بمسرحيات "الأميرة تنتظر"، "بعد أن يموت الملك"، ليلي والمجنون"؛ وتأثر بكُتّاب مسرح العبث، خاصة أوجين يونسكو، وهو ما بدا في مسرحيته "مسافر ليل".
من بعض مؤلفاته:
الناس في بلادي (1957)
أقول لكم (1961).
تأملات في زمن جريح (1970).
أحلام الفارس القديم (1964).
شجر الليل (1973).
الإبحار في الذاكرة (1977).
مأساة الحلاج (1966).
الأميرة تنتظر (1969).
مسافر ليل (1969).
وفاته:
توفي رائد الشعر الحر العربي صلاح عبدالصبور في 12 أغسطس 1981، نتيجة تعرضه لأزمة قلبية حادة أودت بحياته, تاركًا لنا ارثًا يجعله الغائب الحاضر في أذهاننا جميعًا وقلوبنا لنتذكره بشعر ونثر لامس أفئدتنا وعبر عن آلامنا بكلمات امتزجت بلون الواقع وواكبت سيره.