يشهد العالم تحولات جذرية على المستوى الاقتصادي والسياسي بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، والتي انعكست بالسلب على الدول الأوروبية مما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمطالبة خلال زيارته الأخيرة لبكين باستقلال السياسية الأوروبية الخارجية عن الولايات المتحدة الأمريكية.
ودعت روسيا والصين إلى اعتماد العملات المحلية خلال التبادل التجاري العالمي بين الدول بدلًا من الدولار بعد فرض العقوبات الأوروبية والأمريكية على موسكو، كما تم إخراجها من نظام "سويفت" العالمي.
واتفق دبلوماسيون خلال حديثهم لـ«بلدنا اليوم» أن العالم مقبل مرحلة جديدة وتغير في القوى العظمى بعد الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة التوترات بين الصين وتايوان، بينما استبعد آخرون كسر هيمنة الدولار خلال الفترة المقبلة، مؤكدين أن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية يشكل 23% من اقتصاد العالم، كما أن الدولار يمثل 82% من المعاملات التجارية الدولية.
الغضريفي: أوروبا استوعبت الدرس من الحرب الروسية الأوكرانية
وبدوره، قال السفير ناجي الغضريفي، مساعد وزير الخارجية، إن زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الصين أثارت العديد من التساؤلات كونها تأتي في توقيت حساس للغاية في ظل التصريحات الأوروبية بضرورة الابتعاد عن السير في نفس نهج السياسة الأمريكية التي لا تكترث كثيرًا بمصالح الحلفاء الأوروبيين فضلا عن كثرة تداعيات الأزمة الروسيه الأوكرانية على الدول الأوروبية، بالإضافة إلى التصعيد بين الصين وتايوان واحتمالات الصدام بين الطرفين.
وتابع مساعد وزير الخارجية في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» قائلًا:" إن الدول الأوروبية استوعبت الدرس من الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن التصعيد في الملفات وخلق خصومات لن يكون في مصلحة أوروبا، لأن الدول الأوروبية هي الخاسر من هذه الأزمات، ولعل ذلك هو ما دفع ماكرون للحديث عن ضرورة الاستقلال عن أمريكا ولكن علينا أولًا أن نعلم أن أحد عناصر البرنامج الانتخابي لماكرون وهو ضرورة ابتعاد فرنسا عن السياسة الخارجية لأمريكا وتنوع حلفائها."
وأشار " الغضريفي" إلى أن العالم بات أمام ميلاد نظام دولي جديد لا مفر منه، مؤكدًا أن هذا النظام سوف تتغير فيه التحالفات إلى أنماط مختلفة من التعاون بين الدول على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، مما يعني أن العالم سوف يعاد تشكيلة من جديد على أساس اقتصادي في المرتبة الأولى ثم سياسيًا.
وذكر أن هذا التحول تدركه الولايات المتحدة الأمريكية بصورة واضحة ولديها الرغبة في عدم إتمام هذا التحول في شكل النظام الدولي.
ونوه إلى أن التغير في بنية النظام الدولي بشكله السياسي وتعدد الأقطاب سوف يجعل العالم أمام نظام مالي واقتصادي جديد متعدد الأقطاب المالية كما هو متعدد الأقطاب على الصعيد السياسي والأمني.
بيومي: تصور كسر هيمنة الدولار مبالغة
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومي، إن تصور كسر هيمنة الدولار مبالغة كبرى، لأن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية يشكل 23% من اقتصاد العالم، وثقل الدولار في معاملات صندوق النقد الدولي يصل إلى 42%.
وتابع مساعد وزير الخارجية الأسبق في تصريح خاص لجريدة «بلدنا اليوم» أن الدولار مستخدم في المعاملات التجارية الدولية بنسبة 82% يليه الاسترليني بنسبة 11%، ويأتي في المركز الثالث اليورو بنسبة 11%، ورابعًا الين الياباني 9%، وأخيرًا اليوان الصيني 8%.
وتسائل "بيومي" قائلًا:" من يتوقع كسر هيمنة الدولار والاحتياطات الدولية 82% منها بالدولار فليس هناك دولة تغامر وتتخلي عن كل ما تملك من الاحتياطي الأجنبي من الدولار".
وأشار السفير جمال بيومي إلى أن تصور كسر هيمنة الدولار جاء نتيجة المقاطعة الأمريكية والغربية وحلف الناتو لروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، وتم وقف الاستيراد والتصدير من وإلى روسيا بالإضافة إلى خروج روسيا من نظام سويفت نظام التسوية الدولية، لذلك روسيا أعلنت الاستيراد والتصدير من الدول الأخرى بالروبل الروسي ونظرًا لعدم وجود روبل روسي في الاحتياطات الدولية تتحول التجارة الدولية مع روسيا لنظام المقايضة القديم.
وأوضح أن تعامل مجموعة "البريكس" المتمثل في الهند والبرازيل وروسيا والصين بالعملات المحلية لايمثل إلى 7% وهذه النسبة لن تؤثر على هيمنة الدولار.
وأشار إلى أن النظام المصرفي المصري لا يتعمد على احتياطي نقدية لعملة واحدة فقط بل على سلة من العملات الأجنبية وفقًا للنسب التي تم ذكرها سابقًا، مؤكدًا أن قناة السويس تحصل بنظام حقوق السحب الخاصة وهو يمثل تحصيل من خلال سلة عملات دولية، لافتًا إلى أن إجمالي التجارة العربية تمثل 4% فقط بما فيها البترول من حجم التجارة العالمية.
واستبعد استقلال أوروبا عن السياسة الأمريكية، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعد المحرك الأساسي في جميع الأزمات العسكرية التي تخص الدول الأوروبية، واصفًا أن أوروبا عملاق اقتصادي وقزم سياسي.
عبيد: زيارة ماكرون إلى بكين رسالة أمريكية غير مباشرة
وأوضح الباحث في الشؤون الدولية يسري عبيد، أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصين تأتي في توقيت مهم للغاية، كونها تحمل رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص التقارب الصيني الروسي الأخير، بالإضافة إلى الأوضاع المتوترة حول جزيرة تايوان.
وتابع "عبيد" في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» قائلًا:"إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد إرسال رسالة غير مباشرة خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى بكين، للتحذير من التحالف الروسي الصيني موجهة إلى أمريكا".
وأكد الباحث في الشؤون الدولية، أن واشنطن الآن ليست في وضع يسمح لها بتهديد الصين، لأن التورط الأمريكي الأوروبي في الحرب الأوكرانية أضعفهم بشكل كبير، لذلك أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن لا تمتلك القوة التي تجبر الأطراف الأخرى على تنفيذ الأوامر الأمريكية.
وأشار إلى أن الدول الأوروبية أطلقت التصريحات للاستقلال عن أوروبا عن الهيمنة الأمريكية كونها شعرت بأن الولايات المتحدة غير قادرة الآن على اتخاذ موقف واضح تجاه القوة الموازية التي تستمر مع الوقت في السيطرة أكثر فأكثر.
وأوضح أن فرنسا تفكر الآن في اتخاذ سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الخلافات والتحديات التي غرقت فرنسا بها على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية والتي تتمثل في مشاكل الطاقة وارتفاع معدلات التضخم وغيرها من التحديات الاقتصادية والسياسية التي ضرب فرنسا نتيجة اندلاع الأزمة الأوكرانية.
وذكر الباحث في الشؤون الدولية، أن الدعوات الفرنسية لاستقلال أوروبا عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو موجودة منذ تولي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية وفي المقابل لاقى انتقادات الأمريكية كثيرة، مشيرًا إلى أن الصين أطلعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الخطط الأمريكية التي تدعو إلى إضعاف أوروبا في ظل الحرب الأوكرانية الروسية.
وأكد أن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع بشل كبير خلال هذه الفترة، لافتًا إلى أن الهدف الرئيسي من الصراع الأوكراني الروسي والمساعدات الأمريكية العسكرية إلى كييف هو إضعاف أوروبا وروسيا بشكل كبير لتخرج أمريكا من هذه الحرب الفائز الوحيد وتستعيد قواتها.
وكشف أن التصريحات الفرنسية لاستقلال أوروبا عن أمريكا جرس إنذار للدول الغربية حتى لا تتبع الولايات المتحدة الأمريكية وتتخذ سياسة مستقلة عن أمريكا خاصة في ظل الأزمات ولاسيما الحرب الروسية الأوكرانية وملف تايوان.
ولفت إلى أن هيمنة الدولار الأمريكي بدأت تتراجع بسبب تفكير العديد من الدول الكبرى مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا وغيرها من أعضاء مجموعة بريكس بتعامل بالعملات المحلية في المعاملات التجارية الدولية بدلًا من الدولار، لأن واشنطن تتخذ الدولار كوسيلة لفرض العقوبات والسيطرة على الدول الأخرى، لذلك تحاول الدول خلال الوقت الراهن التخلص من السيطرة الأمريكية.
اقرأ أيضًا| خبراء: انقلاب النيجر صفعة للديمقراطية.. وناقوس خطر على القارة الإفريقية