هل جرائم الثأر انتهت في الصعيد أم مستمرة؟، سؤال جدلي يكاد لا يمكن الجزم قطعًا على إجابته، فقضية الثأر هي شيء متأصل في النفس البشرية منذ بدء الخليقة، لكنها تزداد في بعض المناطق بشكل غير مقبول يؤدي إلى هدم الأسر وتشتيتها دون أدنى مبالاة بما يحدث.
وظلت مشكلة الثأر جاثمة على صدر محافظات صعيد مصر التي تحيا ليل ونهار تؤججها ريح الأصالة وتذكيها رائحة التمسك بالعقيدة، ودائمًا ما تعكر صفو الحياة بأصوات الرصاص التي تشق سكون الليل، مُخلفة ورائها نواح وعويل يملأ الأفق، فالثأر سرطان مزمن في شريان الوطن، ينتج عنه خسائر مادية وبشرية جسيمة.
وكان الصعيد من أهم تلك المناطق التي تزداد بها مشاكل واشتباكات الثأر، حيث ابتلي بنصيب الأسد من الخصومات الثأرية، ولكن كان للدولة بمؤسساتها المختلفة منظور آخر في الأمر، ما جعلهم يسعون بكل السبل لإهاء تلك الخصومات الثأرية، والحد من وقوع جرائمها، بإقامة جلسات الصلح العرفية كما هو متعارف عليه في الصعيد، اعتمادًا على آلية ما يسمى بـ"القودة"، التي يقدم فيها المطلوب للثأر كفنه لأهل القتيل فيقبلونه أو يرفضونه طبقًا للعرف الصعيدي.
مبادرات لإنهاء مشاكل الثأر
أطلق شباب من محافظة سوهاج مبادرة لإعلان المحافظة خالية من ظاهرة الثأر الصعيدي، ونجح الشباب في ترتيب مصالحات مهمة بين أهم القبائل التي كانت بينها خصومات ثأرية، متفائلين بأن تكون هذه بداية لنهاية حقبة مُظلمة من تاريخ صعيد مصر، آملين أن تكون تجربتهم نموذجًا يحتذى به في محافظات أسيوط وقنا والأقصر وأسوان.
لجان المصالحات لإنهاء مشاكل الثأر
ويقول ثروت نسيم عضو لجنة المصالحات بسوهاج، أن مشكلة الثأر لا يمكن أن تنتهي، لكن يمكن القول أنه يمكن الحد منها وتقليص حجمها، فلابد من التركيز أكثر على إزالة أسباب الثأر، واقتلاع جذوره، ولا نكتفي بدور المصالحات التي تقام.
ولفت إلى أن المؤسسات الدينية لها دور كبير في الحد من هذه الظاهرة بتقوية الوازع الديني لدى المواطنين، وشرح أهمية البعد عن الجرائم الثأرية، وأيضا الإعلام مسئول بشكل كبير على التوعية.
وذكر أن الثأر يتأثر بشكل كبير بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة، وفي هذه الفترات مشكلة الثأر شهدت ضعفًا كبيرًا مقارنة بأعداد الخصومات والجرائم الثأرية في العقود الماضية.
إسدال الستار على الخصومات الثأرية
أنهت اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر الشريف بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية والأمنية وعدد من نواب البرلمان والوجهاء والحكماء بسوهاج خصومة ثأرية امتدت لنحو 7 سنوات بين أبناء العمومة من عائلة "البوابة" بقرية الساحل بحري بمركز البلينا محافظة سوهاج.
وشهدت منطقة شرق السكة الحديد بوسط مدينة الأقصر عقد جلسة مصالحة وإنهاء خصومة ثأرية بين عائلتين وهما "آل عبد الرحيم" و"آل جمعة عطية الرب"، حيث تم تنظيم سرادق لعقد جلسة المصالحة بين العائلتين لإنهاء الخلافات بينهما بحضور المئات من الأهالى وقيادات مديرية أمن الأقصر، وقيادات محافظة الأقصر، وكبار العائلتين.
وامتدت خصومة ثأرية لقرابة نصف قرن، بين عائلتين في محافظة قنا، كان حصيلتها 14 قتيلًا وعشرات المصابين و60 مدانًا أمام القضاء، لكن مؤخرًا نجحت الجهود الشعبية بمساعدة نائب برلماني في انمام صلح تاريخي أنهى الخصومة التي تسببت في تهجير قسري لبعض الأهالي من قراها.
وبدأت الخصومة عام 1975 بين عائلتي العرب والهوارة، اللتين تقطنان قريتي حمرة دوم ونجع الشيخ نور الدين بمركز نجع حمادي، نتيجة مشاجرة سقط فيها قتلى من إحدى العائلتين.