قال الدكتور صبحي عسيلة، رئيس وحدة دراسات الرأي العام بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن استطلاعات الرأي العام آلية مهمة للغاية، وهي كذلك سلاح مهم في عملية توجيه الرأي العام، حيث أنه يُعد اكثر أهمية بالنسبة للنظم الحاكمة لمعرفة توجهات وآراء وطلبات المواطنين لاتخاذ سياسات وقرارات تلقى قبول الرأي العام، وهو أمر لا أعتقد أن النظم الحاكمة في ظل التطورات المتعلقة بتنامي حركة الجماهير وتزايد دورها وتفاعلها مع المجال العام باتت تملك ترف عدم الاهتمام به وتسهيل القيام به، ولم تعد تملك الإمكانية لمنعها تمامًا في ظل آليات إجرائها عبر التليفون أو الإنترنت.
جاء ذلك خلال مناقشة وقانون "تشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج ومتطلبات حرية البحث العلمي" المُدرجة على جدول لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة.
وأضاف عسيلة؛ أن استطلاعات الرأي العام عملية معقدة وتتطلب إمكانيات وكوادر مدربة ومؤهلة بشكل كبير، وهي أيضًا مُكلفة للغاية خاصة عندما تجرى بأسلوب المقابلة الشخصية (الطريقة الأنسب للأوضاع في كثير من الدول ومنها مصر)، وهي من الأهمية والتعقيد بحيث لا يجب أن تترك لكثير من الهواة الذين يستسهلون تلك العملية ولا يقدرون بشكل حقيقي تداعياتها الداخلية والخارجية.
وتابع: استطلاعات الرأي العام ليست عملية من طرف واحد، يجمع فيها المستطلع أراء المستطلعين، بل إنها أيضًا يمكن استخدامها لتوجيه الرأي العام بشأن قضايا معينة قد لا تكون محل أهمية أو أولوية بالنسبة له، كأن تجري جهة ما استطلاع مثلًا عن المثلية، لافتًا إلي أن نتائج استطلاعات الرأي العام توفر ذخيرة كبيرة من البيانات والمعلومات قد لا يقدرها كثيرون، مما يستسهلون إجراء استطلاعات الرأي العام، بينما تعكف جهات أخرى على تحليل نتائج تلك البيانات في سياقات أخرى.
وصرح: حرية إجراء استطلاعات الرأي العام لا تعني أبدًا إطلاق الأمر دون ضوابط، فكثير من الجهات الأجنبية سواء العاملة بنفسها في مجال الاستطلاعات أو التي تمول استطلاعات لها أجندتها الخاصة سواء كانت بحثية أو سياسية أو أيا كان غرضها والتي لا تتوافق بالضرورة مع مقتضيات الأمن القومي المصري وقيم المجتمع المصري، كما أن استطلاعات الرأي العام تتطلب ما نسميه ثقافة استطلاعات الرأي العام وإبداء الرأي، ويسهل جدًا إجراء تلك الاستطلاعات في المجتمعات التي تشيع فيها ثقافة الاستطلاعات، وتليها ثقافة ومهنية نشر نتائج استطلاعات الرأي العام طبقًا للقواعد والضوابط العلمية.
وتابع: التشكيك في قدرتنا على إجراء استطلاعات رأي عام منضبطة منتشر بين أوساط من النخبة وخاصة الأكاديمية التي يرى البعض منها أن المصريين غير قادرين في ظل نسبة الأمية على المشاركة في استطلاعات رأي عام يمكن البناء عليها، لافتًا إلي أن القواعد المنظمة لعملية إجراء استطلاعات الرأي العام هي المادة 10 من القرار الجمهوري 2915 لسنة 1964 بشأن إنشاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والتي تنص على: "المادة "10" من القرار الجمهوري رقم 2915 لسنة 1964، ولا يجوز لأية وزارة أو هيئة أو جهة أو أى فرد أو أفراد في الحكومة أو القطاع العام أو القطاع الخاص بنشر بأي وسيلة من وسائل النشر أو الإعلام أى مطبوعات أو نتائج أو بيانات أو معلومات إحصائية إلا من واقع إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء".
وأوضح أن العاملين في مجال استطلاعات الرأي العام يطالب بعدم وجود تنظيم قانوني لإجراء استطلاعات الرأي العام، ونطمح فقط لتعديل الإجراءات خاصة تلك المتعلقة بالفترة التي يستغرقها استخراج الموافقة على إجراء الاستطلاعات والتي هي غير محددة حتى الآن، وتلك المتعلقة بأسباب الرفض، وهي أمور أتصور أنه يمكن النقاش حولها في إطار يتناغم مع خروج قانون تداول المعلومات إلى النور. وهنا لابد أن أشير إلى الفارق بين الحصول على المعلومات وتداولها وبين إنتاج المعلومات، فاستطلاعات الرأي العام تنتج معلومات بالأساس ويأتي تداولها لاحقًا، بل إن هذا التداول نفسه وشكله يحتاج إلى نقاش وتنظيم لتفعيل الالتزام بغرض الاستطلاع والجهة التي من حقها الحصول على المعلومات كاملة.
واستكمل "عسيلة"، أن ثمة تطورًا كبيرًا شهدته مصر في إجراء استطلاعات الرأي العام سواء في القضايا التي تناولتها تلك الاستطلاعات أو في عدد المراكز الذي بات مؤهلًا ويقوم باستطلاعات الرأي العام، وهو تطور يؤكد أن الفرصة قائمة ومتاحة لمزيد من التطور المبني على الثقة في القائمين على الاستطلاعات وقدرتهم على إجرائها على أكمل وجه، وتجربة مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية شاهدة على ذلك، وهناك بطبيعة الحال المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ومركز استطلاعات الرأي بمركز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء والمركز المصري للفكروالدراسات الاستراتيجية ومركز بصيرة (مركز خاص).