تحدثت دار الإفتاء عن تأخير طواف الإفاضة إلى آخر مكث الحاج بمكة ليُغنِيَ عن طواف الوداع جائز شرعًا، ولا يضر ذلك أداءُ السعي بعده.
فقد أجاز المالكية والحنابلة الجمعَ بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد؛ بناءً على أن المقصود هو أن يكون آخرُ عهدِ الحاج هو الطواف بالبيت الحرام، وهذا حاصلٌ بطواف الإفاضة؛ فعن ابن عباس L قال: «أُمِرَ الناسُ أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض» متفق عليه.
قال الإمام مالك -كما في «المدونة الكبرى»: «بلغني أن بعض أصحاب النبي S كانوا يأتون مراهقين -أي ضاق بهم وقت الوقوف بعرفة عن إدراك الطواف قبله- فينفذون لحجهم ولا يطوفون ولا يسعون، ثم يقدمون منى ولا يفيضون من منى إلى آخر أيام التشريق، فيأتون فينيخون بإبِلِهم عند باب المسجد ويدخلون فيطوفون بالبيت ويسعون ثم ينصرفون، فيجزئهم طوافهم ذلك لدخولهم مكة ولإفاضتهم ولوداعهم البيت».
وقال سيدي أبو البركات الدردير المالكي في «الشرح الكبير»: «(وتَأَدَّى) الوداعُ (بالإفاضة و) بطواف (العمرة) أي ســقـط طلبــه بهــما ويحصــل له ثـواب طـواف الـوداع إن نواه بهما».
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في «المغني»: «فإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج ففيه روايتان: إحداهما: يجزئه عن طواف الوداع؛ لأنه أُمِرَ أن يكون آخر عهدِه بالبيت، وقد فعل؛ ولأن ما شُرِعَ لتحية المسجد أجزأ عنه الواجب من جنسه، كتحية المسجد بركعتين تجزئ عنهما المكتوبة» اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في «الإنصاف»: «قوله: (ومَن أخَّر طواف الزيارة فطافه عند الخروج: أجزأ عن طواف الوداع) هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقاله الخرقي في «شرح المختصر»، وصاحب «المغني» في كتاب الصلاة قاله في القواعد. وعنه: لا يجزيه عنه فيطوف له، وأطلقهما في «المغني»» اهـ.
وحينئذ فلا مانع شرعًا من الأخذ بقول المالكية ومن وافقهم في استحباب طواف الوداع وعدم وجوبه، وكذلك القول بإجزاء طواف الإفاضة عن الوداع عندهم وعند الحنابلة، حتى ولو سعى الحاج بعده؛ لأن السعي لا يقطع التوديع.
قال العلامة الدسوقي المالكي في حاشيته على «الشرح الكبير» للإمام أبي البركات الدردير (2/53): «ولا يكون سعيه لها طَوْلًا حيث لم يُقِمْ عندها إقامةً تقطع حكم التوديع» اهـ.