ثارت عاصفة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي عقب انتشار فيديو مصور للشيخ ممدوح عامر ،وهو يغني في فرح شقيقه إحدى أغاني كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، مادفع نقابة القراء إلى مهاجمة الشيخ ممدوح ، مستنكرة ما صدر عنه.
الشيخ ممدوح عامر
وأضافت النقابة في بيانها الصدر: "أنه كان الأولى بالقارئ أن يحترم القرآن الكريم الذي يتعايش منه والذي جعل له اسم بين الناس، ولكن للأسف الشديد لم يفعل ذلك، وإنما هبط إلى مستوى متدني لا يليق بأهل القرآن والنقابة سوف تقوم بما تراه مناسبا تجاه هذا الموضوع".
ولكن يبدو أن النقابة لم تدرك أن مشايخ الأزهر وأساطير المقرئين المصريين هم حجر الأساس للموسيقى المصرية الحديثة، وأغلبهم كان ينافس نجوم الغناء في عصورهم الذهبية.
الشيخ المسلوب
في عام 1793 وقبل مجئ الحملة الفرنسية على مصر بخمس سنوات ولد محمد عبد الرحيم المسلوب بمدينة قنا في صعيد مصر، ألحقه والده بأحد الكتاتيب التي كانت تنتشر بكثافة في ذلك الزمان، وحفظ القرآن الكريم لينتقل بعدها إلى قاهرة المعز لكي يدرس بأزهرها الشريف العلوم الدينية.. وكان شيخاً معمماً و ملتحياً حاضر البديهة شديد الذكاء يجيد الإنشاد الديني بكل أنواعه.
كان المسلوب صاحب رؤية فنية تتجاوز عصره وزمنه بمراحل فقد أدرك مبكراً أنه يجب أن يقدم منجزاً موسيقياً وغنائياً حقيقياً، وأن ذلك لن يحدث حقا إلا بتحرير الغناء المصري من الصبغتين التركية والأندلسية وأن يكون هناك غناء وطرباً على الطريقة المصرية، وهو ما حققه المسلوب بعد دراسته للموسيقى وللفن الشعبي السائد آنذاك ليصبح هذا الأزهري الصعيدي رائداً للأغنية المصرية وصاحب مدرسة جديدة في التلحين والغناء، بل عُد المسلوب صاحب أول مدرسة موسيقية وغنائية مصرية في العصر الحديث، واستطاع أن يوائم بين جماليات الإنشاد الديني والابتهالات والتواشيح؛ وبين حيوية غنائية جديدة، وانتقل المسلوب من قالب الطقطوقة إلى قالب الدور ليقرب الموسيقى إلى عموم الشعب المصري.
وإليه تنسب أول موسيقى مصرية صميمة دونها قائد الموسيقات العسكرية الأميرالاى محمد ذاكر خلال الاحتفالات الصاخبة التي أقيمت لمناسبة زواج أنجال الخديوي إسماعيل والتي استمرت أربعين ليلة وكانت موسيقى أغنية “أفراح وصالك في مجلس الأنس الهنئ”، وهو ما أكده الكاتب الصحفي محمود مطر في مقال له.
كان المسلوب أستاذاً ومعلماً لمن جاء بعده من أساطين الغناء في القرن التاسع عشر مثل محمد عثمان وعبده الحامولي وعبد الحي حلمي، وكان يتولى منصب “شيخ أرباب المغاني” وهو ما يماثل منصب نقيب الموسيقيين في عصرنا الراهن، وقد ذكر المؤرخ الموسيقي المعروف كمال النجمي أن محمد عثمان شكا عبده الحامولي لدى شيخ أرباب المغاني الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب بسبب أن الحامولي غنى في حفلاته أغنية عثمان الشهيرة عشنا وشفنا وغضب عثمان غضبا شديداً لأن الحامولي غير في مقام الأغنية فاحتكم الاثنان للمسلوب الذي عقد بينهما صلحاً فنياً.
الشيخ درويش الحريرييعتبر الشيخ درويش الحريري واحداً من الأزهريين الذين صنعوا تاريخا مجيدا في الغناء المصري وقدم للأغنية والموسيقى إسهاماً كبيراً ومعروفاً .
ولد درويش الحريري عام 1881 بحي الجمالية وفقد إحدى عينيه وهو في الثالثة من عمره، ثم فقد عينه الأخرى عام 1921 وهو في سن الأربعين.
والتحق درويش الحريري بالأزهر الشريف وأتم به دراسة العلوم الدينية والفقهية، لكن عشقه للغناء والموسيقى غلب وطغى على حياته كلها فتعلم نظريات الغناء والموسيقى على يد المنشد الأبرع فى زمنه علي محمود ثم تعلم الموسيقى بشكل عملي على يد الشيخ المسلوب وكامل الخلعي وداوود حسني وابراهيم المغربي.
ونتيجة لما جمعه من علوم موسيقية بالإضافة إلى موهبته، وعين الحريري بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، وتولى تدريس الموشحات الأندلسية وكان أستاذاً لعدد من أساطين الغناء مثل محمد عبد الوهاب والشيخ زكريا أحمد والشيخ إمام، ويقول خيري شلبي في كتابه “صحبة العشاق” إن درويش الحريري كان هو المعلم الأول لعبد الوهاب وقد لحن له أغنية “أحب أشوفك كل يوم”.
ورغم أن عبد الوهاب كان معروفاً بوسوسته تجاه الأماكن غير الصحية أو التي تفتقد للنظافة فإنه كان يختلف بشكل مستمر إلى بيت درويش الحريري الضيق في حى التبانة بالدرب الأحمر، ويتحمل تدخين الحريري المتواصل للشيشة لإدراكه أنه سيحقق نفعا ويحصل على إضافات موسيقية عظيمة في مشواره الموسيقي على يد الحريري.
كما كان الحريري أيضا أستاذاً لزكريا أحمد، وعلمه القواعد والأوزان الموسيقية المختلفة.
وكان الحريري كذلك معلما للشيخ إمام الذي تعرف إلى أستاذه في صالون حلاقة بحى حوش قدم بالغورية.. والذي لجأ إليه الشيخ إمام بعد أن تم فصله من الجمعية الشرعية السنية حين ضبط وهو يستمع لتلاوة الشيخ محمد رفعت عبر أثير الراديو باعتبار أن الاستماع للراديو من المحرمات، ومنعه أبوه من العودة إلى بلدته أبو النمرس، وفي بيت الحريري تعلم الشيخ إمام الموسيقى ومقاماتها والعزف على العود.
وألف الحريري كتاباً في الموسيقى يعتبر مرجعاً موسيقياً مهماً عنوانه “صفاء الأوقات في علم النغمات” تحدث فيه عن الأوقات المناسبة للموسيقى وللنغمات الموسيقية المختلفة، وكيفية استخدام المقامات الموسيقية وتوظيفها، والغريب أن الحريري لم يكن يجيد العزف على أى آلة موسيقية .
ولحن الحريري وغنى عدداً هائلا من الأغاني والأدوار والموشحات منها “حِبي زرني ما تيسر” التي غناها من بعده عبد الوهاب ومحمد قنديل وكارم محود والشيخ إمام”
أمين حسنين سالموالده هو الشيخ حسنين سالم، خرّيج الأزهر، وأحد أساتذة القراءات في مصر، وتزوّد الزّاد الأزهري بدوره، وهذا ما ظهر في أدائه للقصائد بنطق مهذّب ومعان واضحة.
والتقى خلال دراسته الأزهرية بالتلميذ زكريا أحمد، فنشأت صداقة وطيدة بينهما، وقد اتّفق الاثنان على الذهاب إلى بيت الشيخ درويش الحريري لدراسة أصول الموسيقى العربية بموشحاتها وأدوارها. كما التحق الشيخ أمين بنادي الموسيقى الشرقية الذي كان يرأسه مصطفى رضا، عازف القانون.
ودرس هناك فترة من الزمن. ثم لجأ بعد ذلك إلى داوود حسني الملحّن، ونهل من فنّه وألحانه،ومكّنه ذلك كله من الموسيقى العربية بأوزانها ومقاماتها، وأصبح قادرًا على التنقل بين أنغامها بيسر وحلاوة.
جمع في البداية بين أن يكون مقرئًا منشدًا ورعًا، وأن يكون مطربًا يعيش على هواه، يسهر ويغنّي ويطرب.
في أواخر العقد الثاني من القرن الماضي، أدّى عددًا من الأدوار التي قدّمها إليه القصبحي، كان أحدها بعنوان: على ضي القمر والكاس، من نظم يونس القاضي. ومشى بعد ذلك في ركب الطقطوقة الحرّة، وكانت أولاها من زميله زكريا أحمد: إوع تكلّمني بابا جاي وراي، من نظم عبد الحميد كامل، وأدّاها بالاشتراك مع الفنانة عزيزة المصرية.
تمتّع بصوت جميل عذب، ونفَس صاف طويل، كما غلبت على إنشاده مسحة من العاطفة والحنان، مما جعله يُلقَّب بالمطرب الحنون.
وبعد انصرافه الكلي إلى الغناء كانت شركة بوليفون الألمانية السّباقة إلى الظّفر بصوته ، ممّا أدّى إلى أن تنطلق تسجيلاته بين الأسماع.
كان كل من صالح عبد الحي وزكي مراد وعبد اللطيف البنّا بين معاصريه من المطربين، كما أنّه عاصر في البداية المطرب سيّد الصّفتي، وقد أنشد بالإضافة إلى أغانيه الخاصة الكثير من الأعمال التّراثية موشحاتٍ ومووايل وأدوارًا كشأن كلّ مطرب متمكّن مقتدر ؛ ونذكر من تلك الأعمال :
أراك عصي الدمع، قصيدة (غنّاها عبده الحامولي والمنيلاوي وعبد الحي حلي وصالح عبد الحي وزكي مراد وأم كلثوم، وآخرون…).
بستان جمالك، دور لمحمّد عثمان (غنّاه المنيلاوي وعبد الحي حلمي وصالح عبد الحي…).
يا بدر إيه العمل، موّال (غنّاه الصّفتي وآخرون…).