أتذكر حين كنت في السنة الأولى بكلية الآداب جامعة القاهرة، توجهت ذات يوم إلى كلية دار العلوم لمقابلة صديقتي، ما زالت أتذكر وجوه الطالبات بتلك الكلية، حيث كانت وجوههن خالية تماما من مساحيق التجميل، أتذكر أيضا رؤوسهن المغطاة إما بالحجاب أو النقاب.
شعرت وقتها بغربة شديدة، فأكاد أجزم أنني كنت الفتاة الوحيدة التي تقف في ساحة الكلية ترتدي "جينز" وتترك شعرها على ظهرها، فمعظم طالبات كلية دار العلوم إما محجبات أو منتقبات، وما زادني شعور بالغربة هي نظرات هؤلاء الفتيات التي كانت تلاحقني، حيث كانت تنحصر إما في نظرات دونية أو تعجب!.
وفي غضون ثوان معدودة التفت حولي عددا من الفتيات وبدأن الحديث عن أهمية ارتداء الحجاب، وكيف لفتاة بالغة أن تبدو للجميع دون غطاء لشعرها، وبدأت واحدة تلو الأخرى تصدق على صحة حديثها بآيات من القرآن والأحاديث النبوية.
عدت يومها إلى منزلي وينتابني شعور شديد بالذنب بسبب تشتتت أفكاري بين ما سمعت من هؤلاء الفتيات وبين عدم رغبتي في ارتداء الحجاب.
مر على ذلك الموقف ما يقارب من عشرين عاما، إلا أنني تذكرته منذ أيام قليلة حين تعرضت لموقف آخر أكثر غرابة عندما قابلت جارتي صدفة وبدأت تتحدث عن صديق زوجها الذي يبحث عن فتاة للزواج، "عريس" تريد أن تجمعني بمقابلة معه، وعلي حد وصفها "مفيهوش عيب"، ولكن العائق الوحيد الحائل بيننا هو أنني غير محجبة، قائلة نصا "العريس عاير زوجة محجبة... تتحجبين".
وحين رفضت فكرتها أو بالأحرى رفضت شرط العريس، طرحت علي جارتي الحل الأمثل من وجهة نظرها حيث قالت: "البسي الحجاب لما تقابله وبعد الجواز ابقي اقلعيه تأني"!
في الحقيقة شعر وقتها بعدة مشاعر متناقضة، فكدت أن أنطلق في نوبة من الضحك بسبب حديثها الساذج، وكدت أيضا أن أنهرها رد على تدخلها في حياتي الشخصية، ولكن هيمن علي شعور بالشفقة تجاهها ورأيتها ضحية لأفكار مجتمع بالية وساذجة أيضا.
دار الحوار بيننا وسألتها بابتسامة تعتلي شفتي: إنتي تقصدين أخدعه لحد ما أتجاوز؟.
فأجابت: لا... تتحجبين وهو حد يطول راجلا بنيغير على أهل بيته؟... ونصيحة ليكي تتحجبين لأن طولا ما إنتي بشعرك مش هتتجوزي راجل هتتجوزي واحد ديوث!.
وهنا خيم الصمت على المكان وجمعت ما تبقى من عقلي وذهبت بعيد وأنا أفكر في حديثها طوال الطريق، ويتبادر إلى ذهني سؤال عن كيف أطلقت تلك السيدة حكما على أي رجل متزوج من امرأة غير محجبة بأنه ديوث!.
وكيف قررت أن تطلق أحكاما بشعة على غيرها وتحصر الأمور من وجهة نظرها فقط لمجرد اختلافهم عنها في الزي أو المعتقدات.
للأسف الشيء المحزن أن هذا التفكير لم يقتصر على تلك السيدة فقط ولكن حين قصصت تلك الواقعة على عدد من صديقاتي "المحجبات" كانت الصدمة بأنهن مؤيدات لذلك التفكير العقيم فوجدتهن يفكرن بذلك الأسلوب وهو أن الرجل يجب أن يجبر زوجته على ارتداء الحجاب وتغطية شعرها وألا يصبح من وجهة نظرهن "مش راجل".
وأكاد أجزم أن هذا الرأي لم ينبع سوى من الكبت وهيمنة أزواجهن عليهن، فالعديد منهن يريدون خلع الحجاب ولكن أزواجهن يرفضون ذلك بشدة بل يصل بهم الأمر إلى تهديدهن بالطلاق!.
في الحقيقة أتعجب كثيرا من هؤلاء النساء وأتجنب الدخول معهن في مناقشات فكيف أتناقش مع عقلية ترى المرأة دمية بحاجة إلى من يحركها أو ناقصة عقل بحاجة لمن يرشدها ويوجهها كما يشاء.
فأنا لست ضد المحجبات ولا ضد أي إنسان يتخذ قرار بارتداء زي معين طالما هذا القرار
ينبع بكامل إرادته وحريته، ولكن من وجهة نظري أن المرأة التي تختزل الحكم على الرجل بأنه "ديوث" أو "مش راجل" لمجرد أن شريكة حياته لا ترتدي الحجاب، متخطية النظر إلى كونه رجلا ذا تفكير ناضج، ومتخطية أيضا ثقافته وثقته بنفسه وبشريكة حياته، فهي بحاجة إلى إعادة تأهيل فكري من جديد.