في 10 مارس، اتفقت طهران و الرياض على إستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد أعوام من القطيعة ، جاء الاتفاق برعاية صينية، وبشكل مفاجئ دون مقدمات معلنة بين الطرفين مما أحدث إرتباكا في المشهد السياسي وخاصة عند الأمريكان الذين كانوا يصنفوا أنفسهم كحلفاء إستراتيجيين للرياض .
كذلك لم يكن الأرتباك في واشنطن فقط بل وصل صداه إلى تل أبيب حيث شهد الإعلام الصهيوني إرتباكا شديدا ،وتخبط في طرح الأخبار المتعلقة بالتصالح ، خاصة أن أحد الوعود الأنتخابية لنتنياهو هو التطبيع مع السعودية ، ويبدوا أن التصالح الأخير سوف يعيق التقدم الذي كان يأمل أن يحرزه بيبي في هذا الملف .
ولكن السؤال الأهم ماهو وضع القواعد العسكرية الأجنبية في الخليج بعد التصالح ؟ ،خاصة أن تلك القواعد وجدت قبل الغزو العراقي الامريكي وأستمرت للحد من خطر أيران المحتمل ضد دول الخليج ، وأصبح السؤال هل أصبح لتلك القواعد نفس الأهمية الاستراتيجية التي وجدت من أجلها ؟، خاصة مع تزايد الإنفاق العسكري لدول الخليج خاصة السعودية والامارات ، وتوقيع أتفاقيات أمنية مشتركة بين طهران و الدوحة ، فيما كانت سلطنة عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تحظى بعلاقات طيبة مع أيران طوال تلك الفترة .
وما هي الضمانات التي ستقدمها الصين لضمان إلتزام الرياض و طهران بالتصالح ؟
منطقة بلا قواعد عسكريةيفض هذا الأشتباك اللواء أركان حرب متقاعد " ياسر هاشم " رئيس القسم السياسي والعسكري بمعهد شؤون الأمن العالمي والدفاع قائلا: " الفكرة الاساسية التي تتفق فيها السعودية وأيران هي أن تكون المنطقة خالية من القواعد العسكرية وهو ما ورد في أدابيات الأمن القومي الأيراني و السعودي أيضا ، ولكن ما فرض عليهم تلك لاالوضاع هي ظروف غزو الكويت و قبلها حرب الخليج بين العراق و أيران ، وتورط إيران في عدة هجمات على السعودية" .
مشيرا إلى أن السعودية كانت كثيرا ما تحاول أن تكون فكرة القواعد فكرة مؤقتة و ليست دائمة ، مثل قاعدة " الظهران " التي أنتهت ، والقوات الامريكية المتواجدة في السعودية أما للتدريب و الصيانة أو وحدات مأجرة مثل فرق الدفاع الجوي ، لذا لا توجد قواعد بالمعنى المفهوم ، وهناك تسهيلات مثل العبور و المرور و الأجواء وهي بين أمريكا وأغلب دول العالم و أمر طبيعي .
موضحا ان المشكلة تكمن في دول مثل الأمارات و قطر و البحرين و الكويت ، التي تعتمد إعتماد كلي على تلك القواعد العسكرية الاجنبية ، والتي لاتمثلها الولايات المتحدة فقط ولكن بريطانيا وفرنسا ، وتركيا في قطر ، وأنتقلت المشكلة من السعودية إلى دول الخليج التي أصبحت أكثر إرتباطا بالمعاهدات و المواثيق الدولية و الدفاع المشترك مثل الدفاع المشترك بين أمركيا وقطر و الكويت ، وكذلك الاتفاق بين الامارات وأمريكا و الغير معلنة تفاصيله و تم تجديده منذ 3 سنوات سابقة ، علما بأنه وقع أول مرة سنة 1995 وأستمر لمدة 25 عام قبل أن يتم تجديده مرة أخرى بأطر جديدة و مختلفة لأنه من الواضح أن ترتيباتها معقدة نظر لمدة المحادثات الطويلة التي سبقت التجديد ، وهو ما لا يدع مجال للشك أنها اتفاقية أرقي مما سبقتها .
وشكك في أمكانية إختفاء القواعد الغربية في الخليج ، نظرا لإحتياج دول الخليج بإستثناء السعودية ، لان تلك الدول ليس لديها عمق إستراتيجي كبير و ليس لديها كفاية سكانية .
لا توجد ضمانات في التصالح بين إيران و السعوديةوفي سياق أخر وردا على سؤال حول الضمانات التي قد تكفلها الصين في رعايتها للمصالحة السعودية الأيرانية ؟ و إلى أي دولة ستميل الصين في حالة خرق أحد الأطراف للمعاهدة ؟
قال " أن ايران دولة حليفة لأي دولة لا تفرض عليها عقوبات بغض النظر عن تلك الدولة غربية أم أسيوية أو غيرها ، فمن بداية موسم العقوبات الامريكية والغربية على أيران و حتى التي أقرتها الامم المتحدة في مجلس الامن كانت عقوبات أختيارية و ليست ملزمة لكل الأعضاء بتنفيذها ، و إلتزمت به الدول الغربية بينما دول أخرى كثيرة لم تلتزم بتطبيقه مثل كندا وتركيا ، وتحديدا تركيا تلك الدولة الحدودية مع إيران و متأثره بها جدا وهناك تعاون مشترك بينهما بشكل كبير ، وإتفاقات بينهم تمس المنطقة العربية ، فهما يجيدان التنسيق المشترك بشكل كبير رغم أنهم السبب الرئيسي في تصدير أزمة السنة و الشيعة".
موضحا بشكل حاسم أنه لاتوجد ضمانات واضحة ومعروفة في تلك المعاهدة ، و لكنها ستكون مجرد ضمانات سياسية ، بمعنى أن الصين سلمت أيران و السعودية أهم أسلحتها ، فأعطت أيران صاروخ " نور " البحري ، وأعطت للسعودية " الدونج فن " وهي صواريخ بعيدة المدى ، وهى التي رفضت أمريكا تزويد السعودية بها ، وهي أسلحة ردع تغيير التوازن الأستراتيجي في الصراع الخليجي الايراني ، وهو بمثابة ورقة ضغط صينية على طرفي التصالح يمكت أن تمنعه عن أحدهما .
مضيفا أن زمن المنع قد ولى حقيقة ، لذا أرى أن الضمانات في ذلك الاتفاق غير حاسمة ،و أن الموضوع مجرد كلام أدبي ، فلا يمكن أن نقارن الوضع بين مصر و أسرائيل مثل الوضع بين أيران والسعودية ، فالاتفاقيات بين مصر و اسرائيل هناك ضمانات قوية للتأكد من إلتزام الطرفين بها و قوات أجنبية مثل الناتو و حفظ السلام للمراقبة وبنود كثيرة تضمن إلتزام الطرفين ، ولكن الوضع بين طهران والرياض خلاف سياسي و ليس عسكري ، ولم يصل للحدة التي تحتاج إلى تدخلات .
وأشار هاشم إلى أن الخليج كان يطمح ويرغب في تورط أمريكا في عمل عسكري ضد إيران ، وتلك الرغبة ترجع إلى أن لانشاط الأيراني منذ الثمانينات هو نشاط مؤذي في المنطقة كلها ، جتى أنهم وصلوا في أحدى المرات إلى خليج السويس وقاموا بزرع الالغام بالتعاون مع نظام الراحل معمر القذافي ، ومصر لا ناقة لها و لاجمل في ذلك الصراع ، ولكن الاذى الايراني كان ممتدا للجميع ، حتى أنهم وصلوا للسودان وكانوا يريدون نشر صواريخهم البحرية بالسودان وعمل قاعدة عسكرية ، ولكن السودان تنبهت في اللحظات الاخيرة إلى هذا الامر ، وانه لا توجد عوائد مادية أو مكاسب أستراتيجية كما وعدتهم طهران وأن الامر مجرد نشر لفكر معين في أوساط السوادنين
الانفاق العسكري الأمريكيفي كتابه الصادر بعنوان " القواعد الخارجية والموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة" عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في تحليل الأعمال الاستراتيجية للحكومات والشركات ووسائل الإعلام والخبراء في جميع أنحاء العالم عام 2022 .
يقول جوناثان ستيفنسون مدير المعهد "منذ أن أصبحت الولايات المتحدة قوة عالمية منفتحة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها ، كانت القواعد العسكرية الخارجية هي الأساس الصلب لردودها النووية والتقليدية وقدرتها على إبراز قوتها العسكرية وممارسة نفوذها السياسي. اعتبارًا من يوليو 2021 ، قامت الولايات المتحدة بتشغيل منشآت عسكرية في حوالي 750 موقعًا خارج أراضيها الوطنية ،في حين أن هذا لا يتجاوز نصف ما كان عليه في نهاية الحرب الباردة ، فقد تضاعف عدد الدول التي تستضيف القواعد الأمريكية من حوالي 40 إلى 80 منذ ذلك الوقت. تكلف هذه القواعد بشكل تراكمي حوالي 55 مليار دولار سنويًا - حوالي واحد على اثني عشر ميزانية الدفاع الأمريكية - للحفاظ عليها واستدامتها "
ويعد هذا الرقم هو الاضخم في تاريخ الميزانيات العسكرية الامريكية فبمقارنة ما تم أنفاقه على القواعد العسكرية الامريكة عام 2016 حيث بلغ 25 مليار دولار بما تم انفاقه في 2022 نجد أن المبلغ تتضاعف للضعف .
وفي ظل الازمة الاقتصادية العسكرية التي ضربت إنحاء العالم سعت أمريكا الى تقليص نفقاتها العسكرية على القواعد الخارجية ففي 2021 أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تقليص عدد القوات الامريكية في الخليج مما يقارب 50000 ألف جندي إلى 20000 ألف جندي، ونقل حاملة الطائرات ومعدات عسكرية إلى مناطق أخرى من العالم.
ولكن بعض الخبراء أعزوا هذا التقليص الى تطبيع أغلب دول الخليج مع أسرائيل وهو ما يعني الوقع في التبعية الامريكية بشكل كامل .
المعادلة العكسيةيُسلط الكاتب شيموس بي دانيلز، في دراسته الضوء على تقييم اتجاهات تكلفة الأفراد العسكريين "Assessing Trends in Military Personnel Costs"، حيث ينظر لها كورقة ضاغطة على ميزانية وزارة الدفاع وقدرتها على مواجهة المنافسة المتصاعدة مع روسيا والصين.
ويشير الكاتب الى أن الانتشار العسكري الأمريكي شهد مؤخراً تقلصاً كبيراً بنسبة 64%، مقارنة بما كان عليه الوضع إبان الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في السنة المالية 1952، بيد أن إجمالي تكلفة طاقم الأفراد العسكريين ارتفع بنسبة 110% بالقيمة الحقيقية، وقد بلغت ذروة تلك الزيادة في السنة المالية 2010. هذا الارتفاع في التكلفة برز بصورة كبيرة بين العامين الماليين 2000 و2012؛ ليصل متوسط التكلفة لكل فرد بالخدمة العسكرية بنحو 64% في ضوء اعتبارات التضخم ومعدلات النمو السنوي، بينما بلغ حجم الزيادة بين السنة المالية 1985 وصولاً للسنة المالية 2000، حوالي 2.2%. تلك المعادلة العكسية بين تقليل الانتشار العسكري وارتفاع تكلفة الخدمة
أمريكا تفقد هيمنتهانظرا لكل ما سبق نجد أن الهيمنة الامريكية العسكرية في الخارج في طريقها الى التقلص بشكل مباشر ، خاصة في دول الخليج التي لم تعد في حاجة إلى مثل تلك القواعد ، وايضا إلى فقدان الثقة في واشنطن خاصة بعد هجمات " ارامكوا " بالمسيرات الايرانية ، وتهميش دور السعودية في المفاوضات النووية بين امريكا وإيران ، وخذلان الامريكان لإوكرانيا ، فأصبحت أمريكا حليفا هش في نظر البعض ، وربما تجد أمريكا عدم حاجتها لتلك القواعد خاصة مع وجود ما يقرب من 26 قاعدة عسكرية لها في تركيا وهي ليست قواعد ومطارات جوية فقط وأنما مخازن نووية وإستراتيجية للامريكان و حلف الاطلسي و تضعها في خط تماس مباشر مع أيران و روسيا .
لذا تمثل تركيا منطقة أستراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها مثل منطقة الخليج ، كما أن الاتراك خاضعين بشكل مستمر للتبعية الامريكية و يمكن التأثير عليهم بسهولة ، بالاضافة إلى أعتماد انقرة على تلك القواعد لتأمينهم و ضمان أستمرار محاولتهم دخول الاتحاد الاوروبي ،رغم أناه باتت مهمة شبه مستحيلة بعد أتفاق الاوروبين على تجميد ملف إنضمام تركيا .