تولى مشيخة الأزهر مرتين في سابقة لم تتكرر في تاريخ الجامع العريق، وارتبط اسمه بمشروع إصلاح الأزهر في القرن الماضي، حتى أصبح اسمه علماً في مسيرة إصلاح تلك المؤسسة المجيدة.
ولد في عام 1881م بمركز المراغة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، ومنه أخذ لقبه، وكالعادة في ذلك الزمان حفظ القرآن بكُتاب القرية ثم ألحقه أبوه بالأزهر بالقاهرة، حيث قُدر له أن يتلقى العلم على يد مجموعة من كبار العلماء، كان أبرزهم الشيخ محمد عبده الذي أثر في تلميذه النجيب كثيراً، وبث فيه كثيراً من أفكاره، وفي عام 1904 تخرج المراغي من الأزهر بعد أن حصل على شهادة العالمية، وكان ترتيبه الأول على زملائه، واختاره الشيخ محمد عبده (وكان مفتياً للديار) عقب تخرجه ليكون قاضياً لمدينة دنقلة السوداني، حيث قضى ثلاث سنوات، ثم استقال بعد خلاف مع الحاكم العسكري البريطاني، فعاد لمصر وأخذ يتدرج في مناصب القضاء حتى أصبح رئيساً للمحكمة الشرعية العليا عام 1923م، وبعد 5 سنوات اختير شيخاً للأزهر، وهو في السابعة والأربعين، ليكون واحداً من أصغر من تولوا ذلك المنصب عبر تاريخه.
كان المراغي متأثراً بأستاذه محمد عبده في رؤيته الداعية لإصلاح التعليم الأزهري، فشرع في خطوات الإصلاح الفعلية، فأنشأ ثلاث كليات هي: اللغة العربية، والشريعة والقانون، وأصول الدين، وشكل لجنة للفتوى داخل الجامع للأزهر لإفتاء الأفراد والهيئات في المسائل الشرعية، كما شكل "هيئة كبار العلماء" التي تتكون من ثلاثين عضواً، واشترط للقبول في عضويتها أن يقدم المرشح رسالة علمية في العلم الشرعي تتسم بالابتكار والتجديد.
كذلك شكل المراغي فور توليه منصبه لجاناً لمراجعة قوانين الأزهر، ومناهجه الدراسية، وقدم للملك فؤاد قانوناً لإصلاح الأزهر، ولما كان الملك متسماً بالحرص على سلطاته، متوجساً من دعوات الإصلاح، فقد خشي من خروج المؤسسة الدينية من تحت سلطته فرفض مشروع القانون، فخيره المراغي بين قبول المشروع أو قبول استقالته، فقبل الملك الاستقالة، وذلك في أكتوبر عام 1929م.
في تلك الفترة القصيرة لم تقتصر إصلاحات المراغي على الأزهر، فاهتم بالقضاء الشرعي، وشكل لجنة برياسته شخصياً لإعداد قانون للأحوال الشخصية بمصر، ووجه أعضاء اللجنة لعدم التقيد بالمذهب الحنفي، ولأخذ الأكثر تحقيقاً للمصلحة من أحكام سائر المذاهب الفقهية.
وبعد قبول استقالته ظل الشيخ بعيداً عن الأزهر خمس سنوات لم تنقطع خلالها مطالبات الأزهريين بعودته، وبلغت المطالبات والاحتجاجات ذروتها عام 1935م، في وقت كانت فيه تجمعات الطلاب المصريين تغلي بالثورة، وهو ما أجبر شيخ الأزهر آنذاك، الشيخ الظواهري، على الاستقالة في إبريل من العام نفسه، ليعود المراغي للمنصب ويظل به حتى وفاته في أغسطس 1945م،
عُرف المراغي بالاعتداد بالنفس، والذكاء، والجرأة في مواجهة الحكام، ومن مواقفه الشهيرة رفضه دخول مصر الحرب العالمية الثانية بجوار بريطانيا، قائلاً: "إنها حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، وهو ما وافق هوى في نفس الملك فاروق الذي كان يميل لألمانيا وحلفائها، وقد شجع هذا الموقف الحكومة المصرية والبرلمان على اتخاذ قرار بعدم الدخول في الحرب، رغم ما في ذلك من إغضاب لبريطانيا التي كانت تحتل مصر آنذاك فعلياً، وإن منحت مصر الاستقلال رسمياً في تصريح 28 فبراير 1922م، ثم معاهدة عام 1936م.
ترك المراغي تراثاً فكرياً ليس بالكبير وإن كان متنوعاً، ومن أهم مؤلفاته دراسته "السفهاء والمحجورون" التي تناولت الأحكام الفقهية للمحجور عليهم، وكذلك ترك "تفسير جزء تبارك"، و" بحث في وجوب ترجمة القرآن الكريم"، بجانب مقالات نُشرت في مجلة الأزهر، ودروس ومحاضرات ألقاها في مساجد القاهرة والإسكندرية. والأهم انه خلّف تلميذه محمود شلتوت الذي تولى مشيخة الأزهر عام 1958م، واستأنف مسيرة إصلاح الأزهر، مكملاً ما بدأه أستاذه المراغي.