في مثل ذلك اليوم 15 مارس 1922 وقف جلالة السلطان فؤاد مخاطبا الأمة المصرية بسرايا عابدين قائلا " إلى شعبنا الكريم...لقد من الله علينا بأن جعل الله استقلال البلاد على يدنا، وإنا لنبتهل إلى المولى- عز وجل- بأخلص الشكر، وأجمل الحمد على ذلك، ونعلن على ملأ العالم أن مصر، منذ اليوم، دولة متمتعة بالسيادة والاستقلال، ونتخذ لنفسنا لقب صاحب الجلالة ملك مصر، ليكون لبلادنا ما يتفق مع استقلالها من مظاهر الشخصية الدولية، وأسباب العزة القومية، وإنا ندعو المولى القدير أن يجعل هذا اليوم فاتحة عصر سعيد، يعيد لمصر ذكرى ماضيها الجميل».
(صدر بسراى عابدين فى ١٦ رجب سنة ١٣٤٠ـ ١٥ مارس سنة ١٩٢٢)
نتائج الاستقلال
على أثر هذا تغير لقب فؤاد من سلطان مصر إلى ملك مصر، وهو اليوم ذاته الذى أعلن فيه فؤاد استقلال مصر، وكان قد أرسل بخطاب إلى رئيس الحكومة يطلب فيه: «إبلاغ الشعب أولاً، ودول العالم ثانياً، باستقلال مصر» مع صيرورته ملكاً عليها، ولم يكد استقلال مصر يعلن رسمياً، حتى بادرت وزارة عبدالخالق ثروت، الذى كان وزيراً أيضاً للداخلية والخارجية معاً باتخاذ سلسلة من الإجراءات فى الداخل والخارج لترجمة، كل ما طرأ من تحول على وضع البلاد، وكان أول هذه الإجراءات اعتبار ١٥ مارس عيد استقلال، يحتفل به فى كل عام، وفى المناسبة قام الملك فؤاد باستعراض الجيش المصرى، فى ميدان «الراصد خانة» فى العباسية.
مر اليوم 101 عاما على تلك اللحظة الفارقة من تاريخ الامة المصرية ، التي ألغت رسميا الحماية البريطانية على مصر و أستقلت بمصر نهائيا عن الاحتلال العثماني ، لتصبح مصر دولة ذات سيادة كاملة و يرفع العلم المصري الجديد على كافة السفارات المصرية بكل عواصم العالم ، مرددين النشيد الوطني " أسلمي يا مصر أنني الفدا " .
ولكن يبدوا أن الوضع قد تغيير بعد حركة الضباط الاحرار في 1952م حيث تم إلغاء عيد الاستقلال و استبداله بعيد الجلاء و ينمحي أهم يوم في تاريخ المصريين في العصر الحديث .
مناشدات شعبية بعودة عيد الاستقلال الوطني
وكتب الصحفي أحمد المسلماني في عام 2016 مقالا مطولا بأحد الصحف المحلية قائلا " ينبغى أن يكون يوم 15 مارس من كل عام عيدًا وطنيًا.. عيد الاستقلال.
لقد استقلتْ مصر فى 15 مارس 1922.. ولا يجوز أن تحتفلَ بلادنا بذكرى ثوراتٍ ولا تحتفل بذكرى الاستقلال.
إن أيام 23 يوليو و25 يناير و30 يونيو هى أيامٌ مجيدةٌ فى تاريخ بلادنا.. ولكنها جميعًا تشير إلى سقوط أنظمةٍ كان ينبغى أن تسقطْ، ولا تشير إلى استقلالِ وطنٍ كان ينبغى أن يستقلّ.
لقد سبقَ أن اجتهدتُ واقترحتُ فى مقالٍ سابق لى فى «المصرى اليوم» باعتبار يوم 28 فبراير يوم الاستقلال.. وهو اليومُ الذى صَدَرَ فيه تصريح 28 فبراير الذى انتزعتْ به مصر الاستقلال. ولكننّى اليوم أرى أن ذلك ليس مناسبًا.. وأن الأنسب هو يوم 15 مارس.. بعد أسبوعيْن تقريبًا من تصريح 28 فبراير 1922.. حيث أصبحتْ «المملكة المصرية» دولةً مستقلةً.
وربّما يتوجّب هنا أن أعيد سطورًا سابقةً.. كانت ضمن اجتهاداتٍ طرحتها فى دعوتى لتأسيس «حركة المؤرخين الجُدد» . إن يوم 15 مارس هو يوم الاستقلال فى مواجهة الاحتلال، أما يوم 23 يوليو فهو يوم الثورة فى مواجهة السلطة.. ومواجهة الاحتلال أولى بالاحتفال.
وثائق نادرة
وفي يونيو 2022 أفرجت دار الوثائق المصرية عن بعد وثائق تخص تصريح 28 فبراير لعام 1922 بانتهاء الحماية البريطانية على مصر، وهي وثيقة مودعة في دار الكتب الوثائق المصرية.
وجاء في نص إلغاء الحماية: تصريح لمصر.. بما أن حكومة جلالة الملك عملا بنواياها التي جاهرت بها ترغب في الحال في الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وبما أن للعلاقات بين حكومة جلالة الملك وبين مصر أهمية جوهریة للإمبراطورية البريطانية؛ فبموجب هذا تعلن المبادئ الآتية:
1 - انتهت الحماية البريطانية على مصر، وتكون مصر دولة مستقلة ذات سيادة.
2 - حالما تصدر حكومة عظمة السلطان قانون تضمينات: إقرار الإجراءات التي اتخذت باسم السلطة العسكرية، نافذ الفعل على جميع ساکني مصر تلغى الأحكام العرفية التي أعلنت في 2 نوفمبر سنة 1914.
3 - إلى أن يحين الوقت الذي يتسني فيه إبرام اتفاقات بين حكومة جلالة الملك وبين الحكومة المصرية فيما يتعلق بالأمور الآتي بيانها وذلك بمفاوضات ودية غير مقيدة بين الفريقين، تحتفظ حكومة جلالة الملك بصورة مطلقة بتولي هذه الأمور وهي:
أ - تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر.
ب - الدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تداخل أجنبي بالذات أو بالواسطة.
ج- حماية المصالح الأجنبية في مصر وحماية الأقليات.
وحتى تبرم هذه الاتفاقات تبقى الحالة فيما يتعلق بهذه الأمور على ما هي عليه الآن.
البنود السرية
و في 2 مارس عنونت صحيفة الاهرام صفحتها الرئيسية بمانشيت " تسوية لا إتفاق " في إشارة منها الى البنود السرية لتصريج 28 فبراير و التي لم يعلن عنها .
ظل تصريح 28 فبراير يشوبه الكثير من الغموض، وظل الشعب المصرى بدوره يترقب صدور أى تصريحات رسمية بخصوص ذلك الشأن، وصدرت الأهرام فى يوم 28 فبراير 1922 وبها أخبار عن عودة اللورد إدموند اللنبى (1861-1936) المندوب السامى البريطانى إلى مصر ومعه كتاب آخر إلى السلطان فؤاد. قالت عنه الأّهرام « وقبل أن نعرف ما فى ذلك الكتاب، وإن كانت صحف لندره قد اختلفت فيه إطنابًا ومدحا، فلا نبنى على قولها حكمَا وإنما نحن نبنى الحكم على الفعل والواقع، وهذا الواقع ليس بالاتفاق بين مصر وإنكلترا، لأن قاعدة الاتفاق لا يمكن أن تكون فى نظر المصريين شيئا آخر سوى الاستقلال والجلاء وإعادة حقوق مصر إليها كاملة».
وجاء إعلان بنود التصريح هنا فى عدد الأهرام الصادر بتاريخ 2 مارس 1922، تحت عنوان «التعليمات السرية الصادرة إلى اللورد اللنبي»، ولقد نقلت الأهرام هذه التعليمات من جريدة تريبون دى جنيف، والتى صدرت يوم 28 فبراير، وجاء فيه ما يلى «التعليمات السرية التى زودت بها الحكومة البريطانية الفيلد مارشال اللنبى للوصول الى تسوية النزاع بين إنكلترا ومصر تشتمل علي: 1ــ إلغاء الحماية والاحكام العسكرية، 2ــ سحب الجنود البريطانيين من القاهرة والإسكندرية والسويس، ولكن تبقى حاميات على طول القناة وفى القنطرة والكبري، 3 ــ احتفاظ بريطانيا العظمى بمحطات الطيارات فى الهليوبوليس وأبوقير، 4ــ إلغاء الامتيازات وتتولى إنكلترا وحدها حماية مصالح الأجانب فى مصر، 5 ــ إبقاء الموظفين البريطانيين فى الحكومة المصرية فى وظائفهم مدة تتراوح بين سنة وأربع سنين بناء على اتفاقات تعقد بهذا الشأن، 6 ــ إبقاء النظام الحالى فى السودان مدة أربع سنين تستأنف بعدها المناقشة فى صدده، 7 ــ إلغاء منصب المندوب السامى وإعادة منصب المعتمد المفوض والقنصل الجنرال البريطانى كما كانا قبل الحرب، وهذه التعليمات التى تقول الجريدة إنها (سرية) تشمل أقصى ما تمنحه بريطانيا العظمى للحكومة الدستورية المصرية التى هى على وشك أن تؤلف».
و لم يتبقى من عيد الاستقلال سوى أحتفال محافظة بني سويف فقط و التي جعلته يوم العيد القومي للمحافظة تخليدا لذكرى الاستقلال و تقديرا لدور المشاركين في ثورة 1919 من أهالي بني سويف .