أكدت المخرجة الكردية أفين برازي، أن الدراما والسينما السورية استطاعت أن تكون وسيلة لنقل معاناة ووجع ولآلام الشعب السوري.
وقالت على هامش حوارها مع "بلدنا اليوم" إنها منذ اللحظات الأولى لكارثة الزلزال ولكل عائلة قصة، ولكل بيت حكاية وما أكثر قصص السوريين عن الموت.
وأضافت أنه الموت في كل مكان في سوريا والتشرد ضمن ظروف الطقس الباردة، حيث لا شيء سوى الركام والأنقاض والأنين، وأكثر أمر كان يحزنني مشاهد الأمهات وهن ينتظرن فرق الإنقاذ لإخراج أبنائهن من تحت الأنقاض، ومشهد الأب الذي كان يسمع صوت أطفاله تحت الركام وعاجز عن فعل أي شيء.
وإلى نص الحوار مع أفين برازي المخرجة الكردية..
في البداية تحدثينا عن دراستك الجامعية وبدايات الانطلاق في المجال السينمائي وإلى أين وصلتي الآن؟
بعد حصولي على شهادة البكالوريا، بدأت الدراسة في المعهد العالي التقني في جامعة حلب قسم أسواق مالية، لكن شغفي القديم ومحبتي للسينما جعلني أتوجه لدراسة الإخراج السينمائي في بيروت المدينة الجميلة والساحرة، حيث كانت أجواءها عابقة بالأحلام الكبيرة، وهناك بدأت عمليًا بإخراج أفلام قصيرة، وتعرفت على شخصيات سينمائية، وعدت لدمشق العاصمة السورية.
وبتشجع والدعم من الأهل وخاصة إخوتي ووالدي -رحمه الله- الذي رافقني إلى دمشق، وهناك بدأت العمل كمساعدة مخرج مع كبار المخرجين السوريين ودخلت الحياة العملية من خلال عملي مع أهم شركات الإنتاج السورية بالإضافة إلى عملي مع القناة السورية التلفزيونية حيث أخرجت عدة أفلام، بالإضافة إلى مساعدتي على إخراج الكثير من البرامج والمسلسلات السورية مع أهم المخرجين السوريين أمثال الراحل محمد الشيخ نجيب وسامر برقاوي ونذير عواد والمخرج السينمائي ماهر كدو وسيف الشيخ نجيب.
سوريا وخاصة الشمال السوري عانى كثيرًا من الصراعات العالمية والداخلية كيف ترك ذلك تأثيره على أعمالك؟
سوريا دولة لها مكانتها الجغرافية والتاريخية في قلب العالم القديم، وهي مركز هام للأساطير والميثولوجيا وغنية بطبيعتها، وثرية بحكياتها الفلكلورية، وكانت هذه البقعة ومنذ القدم وجهة للأطماع، وشهدت مراحل مختلفة من الصراعات ومنذ عهود قبل الميلاد، حيث غزاها الفراعنة، والإغريق وصولا للرومان والأوربيين والعثمانيين.
وتعد سوريا وخاصة الشمال الموطن الأصلي للشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية ويحتفظ بلغته وعادته وتراثه الثري، هذا الشعب الذي غدرت به الجغرافية فعاش مقسما بين دول أربعة وخانه التاريخ وكان صفقة رابحة لكل الدول التي احتلته، شمال سوريا لم يهدأ أبداً نتيجة سياسات القهر ولهذا نجد نهوضا قوميا ومقاومة ضد كل من يحاول إسكات صوته الداعي للتحرر.
والسنوات الأخيرة والأحداث التي شهدتها سورية جعلت الشعب الكردي يبرز مرة جديدة على مسرح التاريخ، واستطاع أن يصنع ملحمة الانتصار في كوباني، تلك المقاومة البطولية تحولت إلى أعمال سينمائية عالمية وكردية وهي أحدى المؤثرات الهامة في تكوين شخصيتي السينمائية، ومن هنا انطلق مهرجان سينمائي دولي باسم كوباني.
وأفكر دوما في إنجاز فليم مميز عنها خلال الفترة القادمة، كما كان للزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري تأثيره العميق على روحي، وأطمح لإنجازعمل أتابع من خلاله مأساة السوريين وتشردهم داخل وطنهم وحجم الأوجاع التي مازال السوري يعيشها رغم الحرب والفقر والغلاء.
من خلال عملك كمخرجة كيف ترى واقع الفن عموماً بسوريا في هذه المرحلة ؟ هل ثبات أم تطور؟
الدراما السورية خلال العقود الثلاثة الماضية قطعت أشواطا مميزة مع ظهور جيل من المخرجين وأيضا ظهور شركات إنتاج فنية تمتلك ميزانيات ضخمة، هذه الإمكانيات المهمة لبناء الدراما بالتأكيد لم تكن لتحقق شيئا دون وجود قامات فنية عالية وجيل من الممثلين، واستطاعت أن تفرض الدراما السورية نفسها على كامل المنطقة وخرجت من سوريا وعبرت الحدود إلى دول عديدة.
وكان لي شرف المشاركة بعدة أعمال في الفترة التي سبقت الحرب، ولكن ورغم تطور وتنامي دورالمسلسلات السورية، إلا أنها السينما كانت في أدنى مستويات الإنتاج لأسباب عديدة ذات العلاقة مع الإنتاج والاهتمام والمتابعة، ولعبت الحرب السورية في انخفاض وتدني مستوى الإنتاج لذلك شاهدنا هجرة العديد من الفنانين للخارج وأصبحوا جزءا من المعارضة ضد سياسات الحرب والقمع.
هل الدراما والسينما السورية استطاعت نقل معاناة الشعب إلى دول العالم؟
بالتأكيد الدراما والسينما استطاعت أن تكون المحمول لنقل معاناة السوريين ووسيلة لنقل مفاهيم وعادات وأسلوب حياة السوريين قبل الحرب وقبل الثورة السورية عام ٢٠١١، ورغَم وجود قيود ورقابة على الإنتاج داخل سوريا استطاعت الدراما أن تنقل ملامح كبيرة من الوجع والألم وتفضح البنية التحتية من فساد ورشوة وقمع للحريات وسرقة المال العام.
ومن جانب آخر ركزت السينما على مواضيع مثل الهجرة والنزوح والتشرد وفقدان الأهل والأمان، ولم يكن الإنتاج ككل داخل سوريا وإنما تم إنتاج العديد من المسلسلات والأفلام السينمائية خارج سوريا، واستطاعت تقريب حقيقة ما يحصل داخل سوريا وكشف تفاصيل دقيقة من حياة السوريين وتعرضهم للقتل والتهديد من قبل النظام و من قبل جماعات إرهابية كداعش والنصرة وأخواتها.
كيف تعاملت الدراما السورية مع قضية المرأة الكردية والأطفال في ظل الحصار والحروب؟
في البداية أريد أن أوضح أنه حينما نتحدث عن المجتمع السوري، فأننا نقصد بالتأكيد كافة أفراد الأسرة من أطفال ونساء.
وكان من أولويات الدراما التركيزعلى معاناة المرأة والأطفال، وخاصة في ظروف النزوح والتشرد، وتأثيرات الحرب والتردي الاقتصادي على مستوى المعيشة وخروج المرأة للعمل والتسرب الدراسي.
وانخفضت نسبة التعليم نتيجة ظروف الحرب، ووجدت المرأة نفسها حاملة للسلاح جنبا إلى جنب مع الرجل، وللأسف الدراما التلفزيونية لم تشير إلى خصوصية المرأة الكردية، فأغلب الأعمال الدرامية المنتجة تم إنتاجها لصالح شركات سورية محلية أو شركات خليجية.
وليس ثمة إنتاج كردي خاص للدراما التلفزيونية، ولكن استطاع الكرد ومن خلال الإنتاج السينمائي إلى طرح مواضيع الطفولة والمرأة والاسرة الكردية، وأظهرت للعالم بسالة وشجاعة المرأة الكردية، واستطاعت السينما توثيق معاناة المرأة الكردية في خيم النزوح وعلى دروب الهجرة، ومعاناتها في بلاد الأغتراب، واعتقد أنه مازال هناك فراغ في عملية الإنتاج السينمائي وينبغي العمل على إنتاج إكثر تميزا وعمقا.
كيف صورت أعمالك تعامل داعش مع المرأة الكردية؟
داعش كتنظيم إرهابي سلفي ديني، عمل على فرض الحجاب وعزل الرجال عن النساء وحجب فكر المرأة و العودة إلى أزمنة النخاسة والجواري، وفعل ذلك حقيقة حيث الغزو والسلب والنهب والاغتصاب وخطف الأطفال والنساء والقاصرات وبيعهن في أسواق الرقة والموصل.
وخلال مقاومة كوباني ظهرت فتوى أصدرها تنظيم داعش بأنه من يُقتل على يد مقاتلة كردية لن يدخل الجنة، واستطاعت المرأة الكردية رد الصاع صاعين على هذا الفكر المتخلف، وحاربته بالفكر الحر والوعي الأصيل والسلاح.
فداعش لا يرى المرأة إلا سافرة وكافرة ومكانها بيت الزوج، وأتمنى أن تسنح لي الفرصة لصنع فليم وثائقي حول هذه المواضيع في قادم الأيام.
سمعنا عن تجربة كوباني ومهرجانها الدولي هل يمكنك الحديث عن هذه التجربة وماذا حققت وما أبرز تحدياتها؟
كوباني مدينة المقاومة ورمز من رموز البطولة، وهي أيضا مرحلة قاسية عاشها أبناء شعبنا الكردي في هذه المدينة في بدايات ظهور داعش عام ٢٠١٤.
وظهرت أفلام كثيرة حملت اسم كوباني وتم إنتاج الكثير من البرامج الوثائقية والأفلام عن كوباني، ومن رمزية هذه المدينة المقاومة تم إطلاق اسم كوباني على المهرجان السينمائي الدولي للأفلام القصيرة.
حيث كنت رئيسة المهرجان في دورته الثانية ورئيس لجنة التحكيم لمهرجان كوباني السينمائي الدولي في دورته الثالثة.
ونحن نفتخر أن مهرجان كوباني السينمائي الدولي بات مهرجانا دولياً يشارك فيه مخرجين ومخرجات من كافة دول العالم.
وهذا انجاز هام بحد ذاته، وأيضا استطاع مهرجان كوباني أن يكون واجهة ثقافية وفنية للتعريف بالفن الكردي، ويكون همزة وصل بين الفنانيين من جميع انحاء العالم، وأن يكون منصة للعمل السينمائي الكردي رغم التحديات القاسية للإنتاج والمتمثلة بعدم وجود شركات متخصصة إنتاجياً وفنياً وندرة المال وعدم وجود استديوهات خاصة، كما أن ظروف الهجرة وتوزع عناصر العملية الإنتاجية من فنانيين و ممثلين وموسيقيين ضمن بلاد مختلفة، كما أن تعدد اللهجات الكردية احيانا يشكل عاملا وتحديا أمام العمل.
ونتمنى تجاوزها والعمل بإحترافية أكثر وضمن ميزانيات تتيح لنا صناعة سينما اكثر قوة وقدرة على نقل افكارنا من الوعي إلى الشاسة.
ما هو أشد القصص الإنسانية التي شاهدتها خلال كارثة الزلزال؟
منذ اللحظات الأولى لكارثة الزلزال ولكل عائلة قصة، ولكل بيت حكاية وما أكثر قصص السوريين عن الموت.
إنه الموت في كل مكان في سوريا والتشرد ضمن ظروف الطقس الباردة، حيث لا شيء سوى الركام والأنقاض والأنين، وأكثر أمر كان يحزنني مشاهد الأمهات وهن ينتظرن فرق الإنقاذ لإخراج أبنائهن من تحت الأنقاض، ومشهد الأب الذي كان يسمع صوت أطفاله تحت الركام وعاجز عن فعل أي شيء.